IMLebanon

الفرصة والورطة والاتّكال على الوقت

 

 

لبنان في ورطة، من حيث راهن وحصل على فرصة لفك أسره جاءت بها التحولات المتسارعة في المنطقة، وبعضها على أرضه. ورطة الاتّكال على الوقت، بسبب التردد أو العجز عن إنجاز المهمة التي من أجلها كانت الفرصة، مع تحمّل الضغوط الأميركية والأوروبية والعربية التي تستعجل إتمام المهمة، وإلا لا مساعدات. وما زاد في تعميق الورطة في غياب الإقدام على الخروج منها بقوة الشرعية، هو تحديات الحرب التي بدأتها إسرائيل على إيران، ومضاعفات الاشتراك الأميركي المباشر في الحرب بضربة دمرت المنشآت النووية، وتركت “مطرقة منتصف الليل” العالم كله في ذهول أمام نوعية الأسلحة المستخدمة. ومن المفاجآت أن تتوصل إيران وإسرائيل بسرعة إلى اتفاق وقف النار، بناء على رغبة ترامب.

 

أما التحديات، فإن في طليعتها حماية لبنان من التأثر بمفاعيل الحرب و”الشظايا” المتساقطة منها عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، بصرف النظر عن الموقف المحايد رسميًا وشعبيًا ومعالجة ما يمكن أن يفعله “حزب الله” الذي أعلن أنه “ليس على الحياد”. وأما المضاعفات، فإنها تبدأ من آثار الردود الإيرانية المباشرة أو غير المباشرة على الضربة الأميركية وتهديدات واشنطن بضربات أشد، ولا تنتهي بما يصيب النفط والمصالح الأميركية في المنطقة، وما يدور من سيناريوات حول مستقبل الشرق الأوسط، وما تدار به لعبة الحروب والصفقات على المسارح وفي الكواليس الإقليمية والدولية.

 

ذلك أن التحرك في لبنان ينطلق من موقفين متناقضين في الأساس، والبعض يتصور أن التناقض صار مقتصراً على الخطاب فقط. موقف العهد والحكومة الواحد المستند إلى المصلحة الوطنية العليا في تحييد البلد عن العواصف، والإصرار على حصرية السلاح في يد الدولة بعد سحب سلاح “حزب الله” والفصائل الفلسطينية في المخيمات. وموقف “حزب الله” المعلن بلسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، وموجزه: “بقاء المقاومة الإسلامية قرار استراتيجي وليس شعاراً، واستمرار العمل على ترميم قدرات المقاومة وإعادة هيكلية التنظيم، والتصرف في مواجهة العدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية بما تراه المقاومة مناسباً. عال. ولكن، هل هو مناسب للبنان أم لا؟

 

مهما يكن، فإن الورطة قائمة، ولو لم يحدث شيء غير عادي على طريقة “حرب الإسناد” لغزة والقرار الخاطئ الذي كلّف المقاومة الإسلامية ولبنان الكثير مما يصعب تعويضه. والمشكلة ليست في وقوف “حزب الله” إلى جانب الجمهورية الإسلامية وهو ابنها وهذا حقه وواجبه. المشكلة في ترجمة الموقف إلى فعل ميداني في موازين قوى مختلة، وهذه استهانة بحق لبنان ودولته وسيادته والذي ليس لفريق واحد بل هو “وطن نهائي لجميع أبنائه”، حسب مقدمة الدستور.

والفارق كبير بين حقوق “حزب الله” إلى جانب إيران ضد العدوان الصهيوني. وهذا اليوم موقف لبناني عام رسمياً، وبين القيام بما يضر بلبنان سواء كان مفيداً لولاية الفقيه أو تجاوزته التحولات وباتت اللعبة أكبر من كل “محور المقاومة”. والمسألة ليست أن يبدأ أو لا يبدأ هذا “الحزب” ترجمة الموقف إلى قصف من بعيد على إسرائيل بعدما صار خارج جنوب الليطاني، بمقدار ما هي كيف تنتهي الحال به وبلبنان في حرب يبحث نتنياهو عن فرصة لإكمالها، وهو لم يتوقف فيها أصلًا. والوقت فات على الظروف التي جعلت المقاومة الإسلامية تمسك بقرار الحرب والسلم في الوطن الصغير بقوة الوصاية السورية والإيرانية. فالدنيا تغيرت. والوصايتان في ذمة التاريخ. و”محور المقاومة” خسر فاعليته ودوره بعدما وصلت المعركة إلى “المتروبول” بعد الأطراف.

 

والمدافعون عن سياسة الاتّكال على الوقت يقولون إن اعتمادها كان بالاضطرار لا بالخيار. مفهوم. ولكن لا مجال لتوقع ظهور أعجوبة في نهاية الاتّكال على الوقت أمام إنجاز المهمة. وليس أخطر من تهديد “حزب الله” في تفجير لبنان إذا أقدمت السلطة على التوجه لسحب سلاحه سوى أن تتولى إسرائيل، ضمن ظروف الحرب الدائرة مع إيران، تدمير هذا السلاح على رأس المقاومة ولبنان.

 

و”في المخاطرة جزء من النجاة”، كما قال النفّري.