يقول فخامة الرئيس الجنرال جوزاف عون، إنه يناقش مع قادة «الحزب»، مسألة السلاح، وإنه قطع شوطا عظيما في ذلك، بعد خطاب القسم والقرار الذي إتخذ في حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها، وإن هذا الموضوع، صار إلى الملأ، ولم يعد سرا ولا سريا، ولم يعد خافيا على أحد. وإنه لا مهادنة في تنفيذه، ولا رجعة عن ذلك، لأن مستقبل البلاد كلها، صار على المحك. وإن الجمهورية، تتعرض، مع كل يوم تأخير، لخطر داهم وكبير. وإنه لم يعد هناك متسع من الوقت للمناورة أو «للتذاكي على بعض»، ما دام الأمر قد طار إلى جميع الأوساط، ويشهد عليه الكبير والصغير، بعد جلسة الإنتخاب، وغب خطاب القسم. وإن العدو مصمم في البناء على التأخير في التنفيذ: من إحتلال مواقع، وتدشيم مناطر ومراكز، ومن تدعيم قوى وتذخيرها بالمناظير وبالمسيّرات وبالصواريخ وبالقنابل الثقيلة والذكية، التي تنفذ إلى البعيد البعيد.
وأما قادة «الحزب»، فقد إستعادوا الخطاب الذي بنوا عليه عقيدتهم، وبنوا عليه إستراتيجيتهم. وكذلك جمهورهم المحازب والداعم والمؤيد، من بيئتهم ومن خارج بيئتهم، بعد أن أدركتهم الإستراحة من الحرب، طيلة المدة التي قطعوها، بعد سريان مفعول «إتفاق وقف النار»، بين لبنان – (حكومة الممانعة سابقا)، وإسرائيل، وبرعاية من خمس دول، برئاسة الولايات المتحدة، في السابع والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني – العام 2024.
هذه المدة كانت كافية لإنتعاش الحزب، وإنعاش المقاومة، وصار الأمر إلى الجدالية السابقة:
١- إنسحاب إسرائيل أولا من لبنان، من جميع النقاط التي احتلتها، ومن جميع مراكز المراقبة التي استحدثتها. ووقف جميع عملياتها الحربية على لبنان، بحرا وبرا وجوا، بلا إستثناء.
٢- أن الحزب والمقاومة من أمامه وإيران من ورائه، على مشارف التسليم. والأمر كله، بل المسألة كلها، ليست إلّا على مبعدة ميل أو ميلين على أعظم تقدير. وأن مثل هذه المدة إنما تحتاجها للمراقبة على أرض الواقع. وأن «المقاومة وجدت لتبقى»، لأن الكيان اللبناني كله في خطر داهم ومباغت، حتى ظهور المهدي. وهذا الأمر لا يحتاج إلى كثير من الجهد، لشرحه وتفسيره، ما دام متعلقا بالعقيدة وبالإستراتيجية الدفاعية.
أدرك فخامة الرئيس أجواء «الحزب» قبل غيره، لأنه على «دوام كامل» في مراقبة الشأن العام في البلاد وفي خارج البلاد. وقد إستجدّت أوضاع كثيرة، وإنتفت أوضاع كثيرة. وعادت الأمور إلى تعقيداتها الإقليمية والدولية، من الصراع على غزة والقطاع، إلى الصراع على فلسطين كلها، ومن الصراع على سوريا، إلى الصراع على أوكرانيا. وقد أظهرت الولايات المتحدة طموحاتها العسكرية في اليمن، وأظهرت إلى ذلك طموحاتها الاقتصادية في أوروبا وكندا والصين، حتى كادت تلامس الحرب التجارية، بالرسوم التي فرضتها، وبالشروط التي عدلتها. وما غابت عنها قناة بنما، ولا جزيرة غرينلاند، ولا إغراءات المعادن الثمينة في كل من روسيا وأوكرانيا.
ربما يبني فخامته على مثل هذه الأمور مقتضياتها، ولهذا نراه يأخذ بأقوال «الحزب»، بأنه على مشارف التسليم، وأن القرار إتخذ بالتسليم وبحصرية السلاح. وإنما الأمور تحتاج إلى مزيد من الوقت، ومراقبة الأوضاع والمستجدات. وهو إلى ذلك «لحيح» في مطالبة إسرائيل واللجنة الخماسية والمجتمع الدولي، بضرورة خروج المحتلين من لبنان، حتى لا يبقى هناك عذر لأبنائه، في حمل السلاح، وفي المثل: «لحيح غلب طليح».
موقف فخامة الرئيس الجنرال جوزاف عون من السلاح، «يمهل ولا يهمل»، وهو موقف سياسي بإمتياز. يستعجل العدو في الخروج من لبنان، أكثر مما يستعجل الحزب في مسألة «تسليم السلاح». فهذه المسألة ليست بسيطة، بل هي كثيرة التعقيدات، خصوصا في هذه الظروف المحلية والإقليمية والدولية المعقّدة، وربما كانت تحتاج إلى تظهير المندرجات العلنية والمستورة. فعامل الوقت وحده غير كافٍ، بل المسألة إنما تحتاج إلى تعقّل، وفخامته يحاول حلحلة العقد بمنتهى العقلانية، لأنه كان قد قرأ في مبتدأ مسيرته العسكرية الكثير، في كتاب الحرب الأهلية. وهو في الفصح المجيد الأول من العهد، إنما يعاود الدعاء اللبناني الدائم: «اللهم إبعد عني هذه الكأس».
لهذه الاسباب وغيرها الكثير، يعي فخامته خطورة طرح مسألة التسليم في العلن. يحاول أن يأخذها بصدره وحده. فهو رئيس الجمهورية المؤتمن على البلاد، وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة. ومسألة التسليم وحصرية السلاح، يجب أن تكون حصرا وحصريا، بينه وبين الحزب، على قاعدة من شعرة معاوية، إذ قال: «إذا شدّ أرخى. وإن أرخى شددت». ولكن السؤال الذي يسأله اللبنانيون، وهم يوميا، تحت نيران العدو: «حتام يدوم الأمر».
* أستاذ في الجامعة اللبنانية