IMLebanon

محاذير تعثر الحكم والحكومة بحصر السلاح

 

ضوء أميركي أخضر لإسرائيل والشراكة الوطنية على المحك

 

 

لا ينتظرنَّ أحد ضغطًا جديًا من الخارج على إسرائيل لوقف اعتداءاتها على لبنان، ولا ينتظرنَّ أحد من الخارج إلّا ضغوطًا مالية وعقابية قانونية على “حزب اللّه”، لأن الضغط العسكري متروك حصرًا لإسرائيل، علمًا أن ثمة رغبة متنامية في تعزيز الدعم للجيش اللبناني بنسب معيّنة تتوافق مع مدى تلبية السلطات اللبنانية الشروط المطلوبة لتوفير هذا الدعم الإضافي.

 

وتقول أوساط دبلوماسية غربية في بيروت، إن الولايات المتحدة الأميركية مستمرّة بالوتيرة الراهنة في تقديم المساعدات على صعيد التجهيز بالعتاد والذخائر وبعض النواحي اللوجستية، مع استعداد لرفع مستوى هذه المساعدات بشكل مدروس جدًا ومحدود نسبيًا، في انتظار التأكد من مدى قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ الخطوات العملية العتيدة في مسألة حصر السلاح وبسط سيادتها ميدانيًا وبالتدريج على الأراضي اللبنانية المعنيّة، مع العلم أن العامل الإسرائيلي في هذا المجال حاضر بشكل غير مباشر لجهة التسليم بالمدى “المسموح” لدعم الجيش اللبناني.

 

أما فرنسا، فهي راغبة في تطوير وتوسيع إطار مساعداتها للمؤسسة العسكرية، كمًّا ونوعًا، في تمايز واضح عن الموقف الأميركي ولكن تحت سقف معيّن، باعتبار أن التنسيق قائم بشكل منتظم ومقبول بين واشنطن وباريس حول الشأن اللبناني، سواء من خلال اللجنة الخماسية السياسية أو من خلال لجنة مراقبة وقف النار والتي تشارك فيها فرنسا إلى جانب كلّ من لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية التي تتولّى رئاستها. وفي ما خصّ الدعم العربي للجيش اللبناني، فإن المسألة تبدو أكثر تعقيدًا، مع توافر استعدادات لدعم يتخذ الطابع الإنساني لجهة تقديم مساعدات مالية وعينية للعسكريين. فتجربة إطاحة المساعدات السعودية بنحو أربعة مليارات دولار للجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى بشكل خاص، ما زالت ماثلة وتشكّل تجربة مُرّة للمملكة التي سرعان ما وجدت أن الدفعة الأولى من تلك المساعدات ذهب قسم كبير منها إلى غير وجهتها، وكان “حزب اللّه” مستفيدًا منها بشكل أو بآخر.

 

والمغزى ممّا تقدم، أن ثمّة حذرًا شديدًا حتى الآن حيال الاستعدادات الدولية والعربية لدعم لبنان على مختلف الصعد، طالما لم يتم التأكّد من تقدّم مسار حصر السلاح، وطالما أن “حزب اللّه”، وبدعم إيراني صريح ومتعمّد بشكل واضح، لم يبدِ الجهوزية الفعلية لتسهيل مهمة الدولة اللبنانية في تطبيق قرار مجلس الوزراء والخطة التنفيذية التي قدّمتها قيادة الجيش.

 

وفي الواقع ما ساقه الموفد الأميركي توم برّاك من مواقف قاسية ونافرة عكست مدى الاستعداد لإطلاق يد إسرائيل في لبنان، يمثل حقيقة جلية لا تخفيها الأساليب الدبلوماسية، ومفادها أنه لا يمكن لإسرائيل التي تمثل اليوم ذراعًا أميركية قويّة في المنطقة، أن تستثني لبنان من أجندتها، وهو الأقرب إليها على مستوى ما تعتبره خطرًا عسكريًا وأمنيًا، بل إنه أشدّ وطأة من الخطر المفترض من سوريا.

 

ففي سوريا ما يهمّ النظام والقوى السياسية التي يمثلها هو ترسيخ الواقع السني على صعيد القرار والمؤسّسات ومنع أيّ تهديد جدي له، ولذلك فإن الأولويّة ليست لمواجهة إسرائيل، بل لتطبيع غير رسمي معها، بما يحافظ على نظام الشرع ويحافظ في الوقت عينه على ضمانات ميدانية في الجنوب السوري لمصلحة إسرائيل، وهو ما يسلّم به ضمنًَا النظام الجديد في دمشق.

 

وفي ما خصّ الساحة الفلسطينية، فإن “حماس” وبدفع إيراني واضح ارتكبت خطأً مميتًا يكاد يودي بها إلى نهايتها، علمًا أنه لولا عملية “طوفان الأقصى”، لبقيت “حماس” تهيمن على قطاع غزة ، وتساهم ضمنًا مع إسرائيل في تعطيل حلّ الدولتين، علمًا أن ما يهم إسرائيل كما يبدو هو الإجهاز على “حماس”. وبالنسبة للحوثيين فإن خطرهم بعيد وضعيف نسبيًا، ويتولّى الأميركيون بالتوازي مع الإسرائيليين معالجة الحالة النافرة التي يمثلونها.

 

وفي ضوء ما تقدّم، لا يمكن لإسرائيل بحسب الأوساط الدبلوماسية الغربية التسليم باستمرار “حزب اللّه” في تشكيل خطر ولو بالحدّ الأدنى عليها، لا سيّما بعدما تبيّن أن الكلام على تفاهمات خلف الستار بين الإيرانيين والإسرائيليين لا يمتّ إلى الواقع بصلة، وأن إيران كانت تخطط لحشر إسرائيل بين كماشتي “حماس” و “الحزب” بهدف القبول بواقع سيطرة المحور على المشرق العربي، ما يمهّد لانتقال التهديد الإيراني إلى دول الخليج عبر ملاقاة التهديد الحوثي في اليمن جنوبًا.

 

ولذلك، فإن سيناريو عودة التصعيد الإسرائيليّ في وجه “حزب اللّه” بات أقرب إلى الواقع “بقبة باط” أميركية، علمًا أن ما يهمّ إسرائيل هو القضاء على القدرات الاستراتيجية لـ “الحزب” وإبعاد تهديده عن منطقة الجليل. ولذلك، تحذر شخصية سيادية بارزة من احتمال اندفاع “حزب اللّه” إلى افتعال فتنة داخلية في ضوء ما يبقى له من سلاح، علمًا أن ثمة ثقة كبيرة بالجيش اللبناني للحؤول دون حصول مواجهات جدّية، لكن الأكيد أن إصرار “الحزب” على المكابرة والمغامرة وصولًا إلى احتمال طرحه أو قبوله نوعًا من الحكم الذاتي لمناطق سيطرته وبيئته، سيؤدي إلى إشكالات كبيرة، مع الإشارة إلى توجّه لدى فئات أساسية في المقابل لتغيير تركيبة النظام نحو صيغة تزاوج بين التعدّدية والوحدوية، وتؤمّن ضمانات لمختلف المكوّنات اللبنانية.