IMLebanon

ماذا وراء عرض سرايا التوحيد في الجاهلية؟

لا يختلف اثنان من الدروز بغض النظر اذا كانوا مع رئيس تيار التوحيد العربي وئام وهاب او ضده، الا الاعتراف بان خطاب وهاب الاخير عن الحصة الدرزية وتراجعها «المخيف» «دغدغ عواطفهم» في بلد يقوم على التوازنات الطائفية. حتى ان معظم الفاعليات الدرزية يعترفون في مجالسهم بان وهاب على حق وبانه في هذا البلد لا يمكن ان تأخذ حصتك الا بالقوة وبالكباش مع الآخرين، وربما «دغدغ» العرض الرياضي تحت اسم «سرايا التوحيد» الكثيرين من الدروز المتلهفين لعودة مجد لن يعود مع الزعيمين الراحلين كمال جنبلاط ومجيد ارسلان واستلامهما لوزارتي الداخلية والدفاع ومفاصل القرار في البلد، حيث كانت حصة الدروز توازي حتى حصة الموارنة في عز المارونية السياسية، اما الآن «شحار وتعتير» وبالكاد يحصلون على وزارة العدل حيث الصلاحيات لمجلس القضاء الاعلى مع وزارة البيئة او التنمية الادارية.

ولا شك، تقول مصادر درزية، بان خطاب وهاب «المزعج» لجنبلاط وارسلان لا يستطيعان القفز فوقه ويردان بمحاربته عبر التضييق عليه ومحاصرته خدماتياً واعتباره مجرد ظاهرة صوتية وبانه انتهى مع خروج السوريين، لكنه ما يلبث ان يفاجئهما بحضور قوي ووازن كما حصل في مهرجان الجاهلية الاحد الماضي، حيث لا يمكن لاي كان تجاهل الحضور الواسع والمميز واللافت لفاعليات درزية بالاضافة الى حشد كبير من مشايخ الطائفة الدرزية تجاوز عددهم الـ 600 شيخ، بتقرير الاجهزة الامنية، بينهم 150 شيخاً من جبل العرب والقنيطرة، ومشايخ حضر رمز الصمود الدرزي حالياً، ولا شك بان وهاب واذا كنت معه او ضدّه حسب المصادر الدرزية فانه شكل ظاهرة في محاربة الاقطاع وانتفاضة عامية، عبر تثبيت حضوره في طائفة تعتبر الزعامات سبب وجودها وقوتها، كما ان وهاب استطاع تثبيت حضوره في مواجهة زعيم درزي يعترف الجميع بقدراته الاستثنائية، ولن يتكرر في تاريخ الدروز، لكن وهاب لم يتمكن من استثمار حضوره بالحكومة او بالدولة، والحلفاء يتحملون المسؤولية في هذا الامر، وما زالوا حريصين على دعم خصوم وهاب سياسياً في كل الامور لان التركيبة اللبنانية تفرض ذلك.

وحسب المصادر نفسها، فان التراجع في حكم الدروز يعود الى ايام فخر الدين ورهاناته على الخارج. وتوالت الهزائم مع معركة البشيرين، وانتصار بشير الشهابي على بشير جنبلاط، حتى ان سعيد جنبلاط انتصر عام 1860 لكن نفي سياسياً، حتى ان الشهيد كمال جنبلاط الذي حقق الانتصارات دفع ثمن حرب السنتين، والوحيد الذي استثمر انتصاره العسكري سياسياً كان وليد جنبلاط بفضل الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي اعتبر «الولد المدلل» للاسد وحصل الدروز على كل شيء، مع مجلس الشيوخ وحق «الفيتو» والاعتراف لجنبلاط بانه اللاعب الرابع في البلد، وسياسياً الاول، حيث كان لا يقطع خيط القطن من دونه، وتبدلت الاحوال مع انقلاب جنبلاط السياسي ورهانه على سقوط بشار الاسد وتحوله الى «رأس الحربة» مع قطع كل خيوط العودة، لكن الرياح جرت بعكس السفن الجنبلاطية وبقي الاسد والآن هو لاعب دولي بامتياز ومدعوم من نصف العالم.

وحسب المصادر الدرزية، فان الدروز يدفعون الآن نفس الخطأ الذي وقع فيه الموارنة منذ 1985 حتى 2005 ورهانهم على موت الرئيس الراحل حافظ الاسد فخسروا كل شيء، لكن رئيس الجمهورية ميشال عون استدرك الامور نتيجة استشرافه السياسي ومغادرته سياسات الماضي وانحيازه الى جانب المقاومة وسوريا وربما كان مقتنعاً ان ابواب الرئاسة لن تفتح الا بعد التقدم في حلب. وهذا ما حصل واستعاد الموارنة مع العماد ميشال عون كل قوتهم وكل ما خسروه في الطائف واستفاد من الرهان كل الموارنة في لبنان حتى المعادين لسوريا، واوضاع الموارنة الى الافضل مع التقدم في سوريا، وهذا ما سيفرض معادلات جديدة في الجبل، لان من يحكم الجبل يحكم لبنان، والموارنة تاريخياً لا يتقدمون في البلد الا على حساب الدروز، وهذه معادلة ربما صحيحة، وكيف سيكون حال الدروز نيابياً اذا تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، فيما الدور الرائد للشيعة يعود الى القراءة السياسية الواضحة منذ تقدم وهج الامام موسى الصدر وبعده مع الرئيس نبيه بري ثم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وانتصاراته ضد الارهابيين واسرائيل مما جعل الشيعة يتقدمون الصفوف ويتمدد دورهم وصولاً الى سوريا والعراق، ولا احد يستبعد سقوط القذائف على اسرائيل من بغداد ودمشق في حال وقعت اي مواجهة جديدة بين حزب الله واسرائيل. وهذا يعني ان حزب الله «مسك» المنطقة، وهذا سيترجم معادلات وتوازنات على الارض اللبنانية، ولو كان الدروز منذ 2006 الى جانب سوريا وروسيا وايران وحزب الله ربما كانوا يملكون الآن نفس الدور وحق «الفيتو» على كل شيء، وحافظوا على المعادلة التي رسمها لهم حافظ الاسد، ولكانت قوتهم تعاظمت اقليمياً مع الدور الكبير والرائد لدروز سوريا حالياً، وبالتالي لا يستطيع احد تجاوزهم، لان الدروز دور وليسوا عدداً، والدروز قوتهم ليست بتعيين ضابط هنا او هناك او نقل دركي وما اكثرها «ايام الادارة المدنية» بل قوتهم بقرارهم السياسي الجذري وبانهم حماة للثغور العربية والاسلامية منذ ايام ابو جعفر المنصور، واي انقلاب على هذا الدور سيؤدي الى مزيد من التراجعات.

ومن هنا تؤكد المصادر الدرزية، ان المستقبل سيكون لمن يملك الرؤية السياسية الصحيحة والثاقبة، ولذلك فان اهمية مهرجان الجاهلية يعود لمشاركة دروز سوريا وفلسطين بالقاء الكلمات الى جانب ممثل المقاومة الحاج محمود قماطي، وبالتالي، عنوان المهرجان سياسي بامتياز وواضح لجهة تحديد الخيارات وتمسك الدروز بمواقفهم القومية ودعم الحلفاء لهذا الخيار ولهذا التوجه الوطني وليس امر عادياً ان يتحدث ممثل دروز فلسطين الشيخ معدى رمز النضال الوطني الفلسطيني في مهرجان الجاهلية الى جانب ممثل حزب الله، وهذه رسالة كبرى الى اسرائيل وهذا هو الهدف من مهرجان الجاهلية، حتى ان العرض الرياضي تحت اسم «سرايا التوحيد» رسالة بهذا المعنى وليس كما حاول ان يفسره البعض بانه ضد العهد او القيادات الدرزية الاخرى، فيما الجميع يعرف مدى العلاقة بين وهاب والعماد عون، فيما «المس» بالامن الداخلي الدرزي وخلق «الفتن» يطيح بكل انجازات وهاب الحريص مع القيادات الدرزية الاخرى على حفظ امن الجبل.

ولذلك تؤكد المصادر السياسية، ان الموقف السياسي الواضح هو الذي يعيد للدروز وزارتي الداخلية والدفاع ويقضي على التهميش ولذلك جاء خطاب وهاب في الجاهلية ضد الغبن ليدغدغ مشاعر الدروز الذين ما زالوا حتى الان يستثمرون على انتصارات حرب الجبل السياسية وفتحهم لطريق بيروت – دشمق، ويبدو ان الاستثمار بدأ يتراجع مع تقدم ادوار اخرى وخصوصا لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون جراء مواقفه السياسية الواضحة، لكن اللافت والخطير ايضاً والقطبة المخفية التي تحتاج الى سؤال «اذا كانت 8 اذار والداعمون لها عربيا لم تقدم الدعم لتحسين حصة الدروز فلماذا الصمت السعودي عن ذلك؟ وهل هناك خطأ ارتكب ضد المملكة العربية السعودية كي تتجاهل ايضاً الموضوع الدرزي؟ والسؤال الذي يحتاج ايضا الى جواب كيف يمكن السكوت درزياً عن الحصة الوازنة للقوات وعدد كتلتها النيابية 8 نواب، فيما اللقاء الديموقراطي 11 نائبا ولا يحق له الا باثنين، حتى النواب المسيحيين في اللقاء الديموقراطي دفعوا الثمن».

وتختم المصادر الدرزية بالتأكيد، ما حصل الاحد الماضي في الجاهلية امر سيترك تداعياته الدرزية في ظل الاجحاف بحق الدروز الذي يحصل للمرة الاولى بهذا الشكل منذ استقلال لبنان.