IMLebanon

عندما يضيّع نصرالله بوصلة.. الصهيونية

إطلالة جديدة للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، بعد أيام قليلة على حديثٍ أطلقه في لقائه السنوي مع المبلّغين وقارئي العزاء. لكن الإطلالة هذه كانت مختلفة، أقلّه من حيث الشكل. فالسيّد خرج هذه المرة، وفي ذروة عدائه للسعودية، عبر قناة «الأهواز«! اللقاء والتقديم أخذا طابعاً مسرحياً فاضت منه رائحة البروباغاندا المتقنة المخصصة للمرحلة. بدأ اللقاء.. إعلامي «أهوازي» يرتدي الشماغ والعقال والدشداشة يُقدّم السيّد والبرنامج الحواري على الطريقة الإيرانية «الوطنية لا المذهبية»، قائلاً، «دمتم مشاهدينا من أنحاء العالم الإسلامي ومن محافظتنا الحبيبة خوزستان (الأهواز)، محافظة الولاء والتشيّع»! يوسّع ابتسامته ويحدّق بالكاميرا ويزيد من الشعر بيتاً، فيقول، «كم أنا سعيد وهنا في محضري سيّد المقاومة، البطل المجاهد السيّد حسن نصرالله، وكم أنا سعيد أن أمثّل شعب الأهواز (!)، شعب علي بن أبي طالب (ع)، وشعب الإمام الراحل السيّد الخميني، وشعب القائد المفدى السيّد علي خامنئي». أوصل الإعلامي سلام أهالي الأهواز للسيّد، فردّ سماحته التحية والسلام بالمثل وزيادة.. 

من على شاشة الأهواز، هناك حيث يعاني الشعب من قمع وبطش النظام الإيراني، أحبّ السيّد أن يطّل للتحدّث عن «مظلومية» اليمنيين والبحرانيين، وليتوعّد السعودية بـ»هزيمة تاريخية ونكراء»! كل ما نفاه نصرالله في السابق عن مشروعه صار اليوم معلناً. فالجميع بات يعلم أن حرب «حزب الله« ليست حرباً على الإرهاب و«داعش«، الذي لم يطلق عليه الحزب رصاصة طائشة هنا أو هناك. الحرب، كما يتوعّد السيّد، هي على السعودية، ومعها طبعاً السوريون والعشائر العراقية وكلّ من يقف بوجه مشروعه الإيراني في اليمن. 

يصف السيّد السعودية بـ»الصهيونية»، ليس لشيء، فقط لأنها وقفت في وجه تحويل المنطقة الى «محافظة ولاء للولي الفقيه»، كما وصف إعلامي قناة «الأهواز«، محافظة الأهواز أو خوزستان، كما يحلو لإيران تسميتها. مشروع غايته النهائية أن تذوب في امبراطورية الولي الفقيه أو تصبح تكفيرياً وصهيونياً! مشروع من شأنه تحويل شعوب المنطقة الى أهل ذمة في ظل ميليشيات الولي الفقيه.

تحدّث السيّد عن معركة الشعب البحراني «الوجودية»، واصفاً المشروع السعودي في البحرين بـ»المشروع الصهيوني»! إذا كان المشروع الصهيوني قد بُني على أساس تفتيت الوطن العربي الى دويلات متناحرة ومتناقضة، فإن ما يقوم به «حزب الله« من ضرب للنسيج الاجتماعي لدول مثل البحرين وسوريا ولبنان واليمن والعراق يَصب في صلب هذا المشروع. ومن يجند ويدرب ويخزن السلاح في البحرين والكويت، ومن يبني دويلات وكيانات خارجة عن سلطة الدولة في كل من لبنان والعراق واليمن، ومن يعمد الى حرق سوريا خدمة لمشروع الولي الفقية، إنما يتماهى فعلياً مع المشروع الصهيوني. وإذا كان السيّد يتّهم الآخر بـ»المشروع الصهيوني»، فلماذا هلّل لتواجد حليفه الروسي في سوريا، الذي بنى وجوده على اتفاقات عسكرية معلنة مع العدو الصهيوني؟ ولكن من يستنسخ المشروع الصهيوني في المنطقة؟ ربما لا يعرف كثيرون أن أعداد اللاجئين السوريين في مخيّمات دول الجوار فقط، ممّن هجّرهم «حزب الله« وميليشيات الممانعة، يفوق 3 أضعاف الفلسطينيين الذين هجّرهم العدو الإسرائيلي الى المخيّمات ليقيم كيانه الغاصب على أرضهم عام 1948. وقد تفوق القرى التي يريد «حزب الله« إخلاءها من سكانها الأصليين مساحة فلسطين بأكملها، أو بالحد الأدنى مساحة الأراضي المحتلة عام 1948. أما مشروع استيطان الحزب في سوريا، والذي برّره السيّد بقوله بأنه من أبناء الأرض وليس غازياً، فحدّث ولا حرج. من يعمل على استبدال أهالي الزبداني بأهالي كفريا والفوعة؟ من هجّر أهالي القصير وقرى القلمون واستبدلهم بسوريين ولبنانيين من العلويين والشيعة وممّن تم تجنيسهم بينما ينشغل السوريون في حربهم؟ من يعمل على شراء المباني والأراضي في دمشق وريفها؟ ليس هذا أخطر ما في استنساخ المشروع الصهيوني في سوريا، بل في مشروع التقسيم الذي تعمل عليه إيران. ما قيمة أن يقول السيّد، في خطاب وادي الحجير، إن «حزب الله« يرفض أي مشروع تقسيم، ومن ثم تفاوض إيران على مشروع «الترانسفير المذهبي» من الوسط باتجاه الشمال لتكريس الدويلة العلوية أو ما بات يعرف بـ»سوريا الفقيدة»؟ ألم يقل السيّد سابقاً إن إسرائيل تعمل على تفتيت المنطقة؟ أم أن هناك تفتيتاً بسمنة وآخر بزيت؟ 

وفي إطار حديثه عن المظلومية التي يعاني منها الشعب البحراني، يرى السيّد أن هذا الشعب «يدفع ثمن عدم السماح له بالوصول الى أهدافه». كم كان الشعب السوري يتمنى أن يدفع الثمن نفسه الذي يدفعه الشعب البحراني. كم كان يتمنى ألّا يقصف منزله ببرميل يحمل 1500 كلغ من المتفجرات، وألا تقتل العائلات بالشواكيش والسكاكين كما حدث مع عائلات في الحولة وبانياس، وألا يُقصف الأطفال في مدارسهم بصواريخ أرض- أرض كما حدث مع أطفال حلب وإدلب ودرعا، وألا يدفن الناشطون أحياء تحت التراب وهم يُجبرون على الكفر بالله وتوحيد إلههم بشار. ماذا يسمي السيّد إجرام ميليشياته والميليشيات الممانعة الأخرى؟ لا بأس، هي ممارسات فردية، انظروا الى المؤامرة الكبيرة على المقاومة، الوقت ليس وقتاً لعد الضحايا!

كاد السيّد أن يذرف دموعه حزناً على سوريا، حيث «جيء بآلاف المقاتلين من كل أنحاء الأرض وأُنفقت مليارات الدولارات لتدميرها». من دمّر سوريا؟ من دمّر حمص بعد أن أجهز على القصير ودمّرها بيتاً بيتاً وهجّر كل من فيها؟ من كان ولا يزال يمتلك السلاح الجوي والبراميل المتفجّرة المحشوة بمئات الكيلوغرامات من المتفجرات؟ من أطلق المئات من صواريخ السكود التي أطاحت بأحياء ومدن وقرى بأكملها؟ من دمّر الزبداني (على طريق القدس)، هناك حيث كان يتمنى الطفل أن يكون لاجئاً في قانا، أو أن تكون الطائرة التي تحلّق فوق بيته إسرائيلية، ليس فقط لأنها أرحم من الميغ 31، بل لأن الإدارة الأميركية «الإرهابية» كان يمكن أن تستنكر، ومجلس الأمن كان يمكن أن يجتمع، والعدوان كان يمكن أن يتوقّف بعد 33 يوماً!

سورياً أيضاً، يقول نصرالله «إن انتصار سوريا على «الحرب الكونية« هي بفعل صمود الشعب والجيش والقيادة»! هل هي نفسها القيادة التي طلبت رسمياً من روسيا الدخول الى سوريا؟ ما حاجة بشار وجيشه الى الروس طالما أنهما صمدا بوجه «الحرب الكونية«؟ ما حاجة بشار وجيشه الى روسيا ومئات العناصر الإيرانية إن لم يكن السيّد والميليشيات العراقية والباكستانية والأفغانية قد فشلوا في حسم المعركة؟ وعن أي شعب يتحدّث سماحته؟ عن 10 ملايين سوري بين نازح ومهجّر؟ أم عن 300 ألف شهيد ممن وُثّقت أسماؤهم؟ أم أنه يتحدّث عن الشعب الجديد الذي قال عنه بشار الأسد يوماً، «إن سوريا ليست لمن يحمل جنسيتها بل لمن يدافع عنها»؟