IMLebanon

من أين لكم هذا؟  

 

 

قبل الحرب كان المجتمع اللبناني من ثلاث طبقات: أقلية جداً جداً من الأثرياء وأكثرية كبرى (نحو ٧٠٪) من الطبقة الوسطى، ونحو ٢٠٪ من دون الوسط، مع الإشارة الى أنه حتى اللبناني غير الميسور يعتمد على الأقرباء في الخارج، إذ قلما وجدت عائلة ليس لها من مغترب قريب أو نسيب، وفي دنيا الإغتراب بعض كبار الأثرياء في العالم أمثال اللبناني المكسيكي كارلوس سليم الذي وصل الى أن يكون أغنى رجل في العالم جراء نجاحه في حقل الاتصالات.

 

في الوقت ذاته، الزعماء اللبنانيون وأقرباؤهم لم يثروا في الحكم أمثال: كميل شمعون وفؤاد شهاب وصائب سلام (الذي باع «الدوحة» لينفق على السياسة)، سليم الحص، شارل حلو، رشيد كرامي، كامل الأسعد، صبري حمادة، ريمون إدّة، كمال جنبلاط ومجيد ارسلان… وسواهم كثيرون.

 

اليوم يعاني لبنان أكبر أزمة إقتصادية في تاريخه إذ بلغت الديون على الدولة اللبنانية ما يفوق الـ80 مليار دولار، والطبقة الوسطى لم تعد طبقة وسطى، يمكن القول بأنها قد أصبحت من الفقراء، وفي هذا الوقت أيضاً معظم الطبقة السياسية تعيش في ترف لافت إن كان في الدور والقصور والڤيلات التي يقيمون فيها هم وأولادهم والأحفاد والأقرباء، ومعظمهم يملك أساطيل السيارات الفخمة التي أدنى سعر لإحداها يتجاوز المئة ألف دولار… وبعضهم القليل يملك طائرات ويخوتاً، ومعظمهم يملكون بيوتاً فاخرة في باريس لندن ماربايا الخ… ومعظمهم يقضي عطل الأعياد ويقيم حفلات الأعراس في أوروبا، ويقصدون كان ومايوركا وموناكو وإيبيزا وماربايا للإستجمام والاصطياف، ويقيمون مكاتب أعمالهم في الأبراج العالية… ومن لا يملك بيتاً هناك يقيم في أفخم الفنادق حيث بدل الليلة في الغرفة (وليس في «السويت») لا يقل عن ألف دولار… ولا ننسى «الشوبينغ» إذ تتوجه زوجة الزعيم والسياسي الى باريس ولندن وميلانو وتعود محمّلة بالحقائب المليئة بأحدث صيحات الموضة، ناهيك بالجزادين التي يبلغ ثمن الواحد منها أكثر من مئة ألف دولار… وأمّا الذهب والماس والأحجار الكريمة على أنواعها فحدّث ولا حرج.

 

أمام هذا الفارق بين الطبقة الحاكمة وتلك المحكومة يطرح السؤال ذاته: إذا كانت الدولة اللبنانية مديونة، وإذا كانت الطبقة الوسطى ذابت في الفقيرة، فكيف أصبحت هذه الطبقة الحاكمة غنية، وبعضها غناها فاحش؟!.

 

أخيراً… إنّ ما نشهده اليوم في التظاهرات في الانتفاضة التي بلغت شهراً وستة أيام من دون كلل أو تعب من مختلف شرائح المجتمع خصوصاً الطلاب، وكلهم ينادون بالوطن الواحد ويفاخرون بلبنانيتهم، ولم نسمع منهم «أنا مسلم، وأنا مسيحي، وأنا درزي، وأنا شيعي الخ…» جميعهم لبنانيون، كلمتهم واحدة، علمهم واحد، لا علاقة لهم بأي علم آخر، ولا بأي حزب، همّهم الوحيد مستقبل لبنان والأجيال الطالعة.

 

ثمة سؤال آخر يحيّر الجميع وهو: لماذا هبّت هذه الجماهير الحاشدة هبّةً واحدة اليوم؟ ولماذا لم تبدأ هذه الثورة من قبل؟ ونحن نجيب أنّ الأسباب التي دعت الى هذه الثورة واضحة للجميع، وهي:

 

أولاً- اليوم لا يوجد بنزين.

 

ثانياً- الكهرباء منذ 40 سنة يعدوننا بالـ24 على 24، وبالرغم من أنّ خسائر الكهرباء باستعمال الفيول بدل الغاز (الذي يوفر مليار دولار سنوياً) لا تزال هي هي، فلا تيار كهربائي ولكن هناك ديون الكهرباء التي توازي 40 مليار دولار.

 

ثالثاً- المياه: يوماً مقطوعة، ويوماً ثلاث ساعات فقط، والمواطن يدفع ثلاث فواتير: واحدة للدولة، وثانية لمياه الصهاريج، وثالثة لمياه الشرب.

 

رابعاً- فرص العمل… وعود ووعود ووعود ولكن لا مشاريع جدية لامتصاص البطالة، وهناك 40 ألف طالب جامعي يتخرجون سنوياً والحد الأقصى في سوق العمل لا يستوعب أكثر من خمسة آلاف، أي ان 35 ألف خرّيج تائهون من دون عمل، أي انه فقط في السنوات العشر الأخيرة هناك 35 ألف خرّيج باع أهلهم كل ما يملكون ليعلموهم، ولكن ليس أمامهم سوى الهجرة.

 

نعود لنجيب على السؤال: لماذا قامت هذه الثورة؟ بكل بساطة لأنّ السلطة السياسية فشلت في إدارة الدولة، وذكرنا مكامن الفشل، هي التي ولّدت هذه الثورة.