IMLebanon

حين تُشعل “الرأفة” حرباً!

لم تندلع احتدامات لبنانية مرة في التاريخ الانقسامي الداخلي حول احدى المؤسسات الركائز للدولة والنظام والمجتمع الا وكانت نذير صفحة مشؤومة طالعة. هذا ما حصل في غرة الحرب عام ١٩٧٦ حين اقتحم الصراع الجيش وأدى الى انقسامه. وهذا ما حصل لدى اغتيال الرئيس رفيق الحريري حين سحق القضاء الرازح تحت وطأة الوصاية وذهب لبنان قسرا الى المحكمة الدولية. ولا حاجة الى استحضار مزيد من الاستعادات.

تطل عاصفة حكم المحكمة العسكرية في ملف ميشال سماحة على طلائع الفوضى اللبنانية الزاحفة بقوة لتمعن في رسم تساؤلات مريبة يحار معها اللبناني كيف يفسر هذه السقطة على كيل يكاد يطفح بنقطة نار. ولعل احدا لم ينس بعد التداعيات الهائلة التي تفجرت في مطالع الألفية الثانية مع الانقضاض في السابع من آب الشهير امام قصر العدل على مجموعات المتظاهرين والنشطاء في الأحزاب المعارضة للوصاية السورية والنظام الأمني المشترك ايام أميل لحود وضربت اسفين تفجير الصدقية الى ذروته في النظام القضائي اللبناني الذي غدا الضحية الكبرى بعد الاجهزة الامنية للوصاية السورية. ولم تكن فصول الصراع المعقد والطويل التي أدت الى استعانة لبنان، بعد تحرره من ربقة الوصاية، بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وسائر الجرائم الأخرى ذات الارتباط بحرب الاغتيالات الا نتيجة تلقائية مفجعة لسحق الثقة بالقضاء الوطني. استلزم هذا القضاء عشرة أعوام حتى الآن بجهد النخبة من القضاة على طريق ترميم الصدقية فنجح في الكثير ولا يزال أمامه الكثير.

ليس أدل على خطورة الانزلاق نحو فصل غامض تصعيدي جديد من تناول مؤسسات “محرمة” كالقضاء العسكري بمثل ما اشتعلت به الساحة في الساعات الأخيرة. هذه معركة تبدو كأنها كانت تعتمل منذ زمن وجاء الحكم “الشديد الرأفة” بمدة حكمه على متهم استثنائي مثبتة تهمته وفعلته ليقدم طوعا فتيل اشعال الحرب على المحكمة العسكرية اولا. لم يعد الأمر الآن يُحتجز أو يحصر أو يمكن حصر تداعياته بأصول المراجعات القضائية وحدها لتمييز الحكم، وواهم من يعتقد ان الامر سينتهي هنا. بل لعلنا نخشى ونستريب من ان هذه “البداية” لعاصفة جامحة جاءت في عشيات نفس انقلابي سياسي تهويلي تعيش البلاد ما يشبه عدا عكسيا له في اكثر من وجهة مثيرة للريبة والشكوك. حتى لو لم نسقط عامل المبالغة المفترضة في اسباغ ظروف وخلفيات ربما ليست صحيحة على المدة المخفضة جدا للحكم قياسا بالجرم فمن ذا الذي يمكنه ان يقنع الرأي العام “ببراءة” توقيت اشد التباسا في اسقاط هذا التطور على اسبوع الويل والثبور وعظائم الامور في ملفات نارية أخرى؟