IMLebanon

لماذا لا يتولى الجيش التفاوض لإطلاق العسكريين؟

مع تعدد أقنية التفاوض لإطلاق العسكريين، لا يبدو أن لدى خلية الأزمة الوزارية المكلّفة حلّ هذا الملف رؤية واضحة لاتخاذ قرار صريح بحسم طريقة التفاوض والقائمين بها

يتأكد، يوماً بعد آخر، عمق الأزمة التي تعيشها خلية الأزمة التي شكّلتها الحكومة لمتابعة قضية العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش». أزمة الخلية أنها تعيش على وقع الاختلافات العميقة في وجهات النظر بين أعضائها حيال كيفية متابعة هذه القضية التي لا يبدو في الافق أن ثمة حلولاً لها.

حتى الآن استشهد خمسة عسكريين من عناصر الجيش وقوى الامن (أربعة ذبحوا أو أعدموا علناً، والخامس أعلن عن استشهاده منذ اليوم الأول لعملية الخطف)، وأطلق 12، ولا يزال 25 في الأسر. وبعد مرور أكثر من أربعة اشهر، لا تزال الضبابية تكتنف عمل الحكومة، ولاحقاً خلية الأزمة في سعيها الى الإفراج عن هؤلاء المحتجزين. المسلّمة الأساسية التي بات أعضاء الخلية يعترفون بها أن لا وجود لرؤية واحدة وواضحة حيال الأسلوب الناجع لمعالجة القضية في ضوء تعدد وجهات النظر والعقبات والمفاوضين، من الشيخ مصطفى الحجيري الى هيئة العلماء المسلمين الى وزراء ومسؤولين.

الخلاف الأساسي تمثل في وجود اختلاف في الرؤية حول هوية المفاوضين الذين يجب أن تعتمدهم الحكومة في إدارة الأزمة. لم يلاق دخول الوسيط القطري على خط التفاوض إجماعاً في الخلية. جاء الاعتراض على خلفية أن لقطر أجندة واضحة، منذ البداية، وهي أن لا مصلحة لها، في زمن التحالف الغربي ضد الجبهات الإرهابية، في الظهور كأنها راعية لـ»جبهة النصرة» أو غيرها، كما كانت حالها لدى التفاوض لإطلاق مخطوفي أعزاز أو راهبات معلولا. كما أن أداء الموفد القطري لم يثر انطباعاً جدياً بأنه صالح لمثل هذه المهمة الحساسة التي تفترض متابعة دقيقة ويومية، وخصوصاً في ظل إقدام الخاطفين على إعدام الجنود الأربعة، فيما كان الموفد يظهر ساعة ويغيب أياماً، واتضح أخيراً أن لديه، ولدى قطر، حسابات مختلفة تماماً عن حسابات اللبنانيين وأهالي الجنود.

ورغم جدية الوزير وائل أبوفاعور في متابعة القضية، إلا أنه تبين لاحقاً أن هذا التحرك لم يؤد الى نتيجة، كما أن وزير الصحة أوقف مساعيه. أما الخط الثالث فكان اللجوء الى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وهذه النقطة أثارت التباسات. أولاً لأن «النصرة» كانت قد أبلغت وسطاء بأن لا رغبة لديها بالتفاوض مع ابراهيم لأسباب معروفة. وثانياً أن تكليف ابراهيم بالمهمة في هذا الوقت يختلف تماماً عن تكليفه بالقضيتين السابقتين اللتين كانتا متصلتين بسوريا وتركيا وقطر، في حين أن تركيا اليوم لا تريد التدخل من قريب أو بعيد بهذا الملف. وتكليف ابراهيم بصفته مديراً عاماً للأمن العام أثار أسئلة وتحفظات، لا حول شخصه، بل حول تنظيم المسؤوليات في إدارة ملف التفاوض الذي يجب أن يتم أصولاً عبر الأجهزة المعنية أساساً، أي الجيش وقوى الأمن الداخلي. وقد نقل عن الوزير أشرف ريفي، خلال اجتماعات خلية الأزمة، مطالبته باعتماد آلية التفاوض عبر أجهزة الاستخبارات. وبحسب ما أكد ريفي في الاجتماعات، فإن طريقة التعاطي مع أزمة المخطوفين تحتاج الى إدارة رسمية عبر المؤسسات المعنية، وليس السير عكس المؤسسات كما يحصل حالياً. وقد اقترح أن تدير مديرية الاستخبارات في الجيش (وهو أمر سبق أن اعتمد مرات عدة عند أي أزمة، إذ يكلف الجيش بالمهمات وتوضع بإشرافه القوى الأمنية الأخرى التي تنسق معه) ملف التفاوض، وهي لديها من المهارات والكفاءات الكثير لتتمكن من تحقيق ما تريده، بالتعاون مع قوى الأمن، ولا سيما أن عمل المديرية يومي وهو ما تحتاج إليه هذه الأزمة. ويستند ريفي، بحسب ما نقل عنه، الى أن أجهزة الاستخبارات لديها أساليبها للتفاوض، وخصوصاً أن لديها أوراقاً عدة لاستخدامها للإفراج عن العسكريين. أما الحكومة فمهمتها التغطية السياسية لأي قرار أمني يمكن أن تتخذه مديرية الاستخبارات. وقد كرر ريفي مطالبته هذه ثلاث مرات. ولكن، بحسب المعلومات، قوبل اقتراحه بتحفظات، إذ لا يبدو الجيش متحمساً للدخول على خط التفاوض، ويفضل الابتعاد عن هذا الملف. كما أن حزب الله وحركة أمل يتمسكان بإبراهيم مفاوضاً أساسياً.

أما قناة التفاوض الرابعة فهي هيئة العلماء المسلمين التي عادت مجدداً الى الواجهة. لكن، بحسب ما رشح حتى الآن، فإن عمل الهيئة لن يحظى بإجماع حكومي في ضوء رفض تكتل التغيير والإصلاح، الأمر الذي قد يبقي عليها مفاوضة، ولكن بطريقة غير رسمية ومن دون تكليف حكومي.

في ضوء ذلك، وفي ظلّ عدم إمكان بقاء الأمور على ما هي عليه، وترك أهالي العسكريين تحت رحمة التهديد بقتل أبنائهم، وبما أنه لا يمكن لخلية الأزمة أن تنتج حلولاً واقعية للأزمة، يبقى خياران لا ثالث لهما للحل: إما التفاوض، وإما عمل عسكري لتحرير الجنود، وهو أمر لا يبدو مطروحاً أبداً، كما أنه متعذّر بسبب توزع الجنود في أكثر من منطقة ولدى أكثر من طرف، فضلاً عن أسباب لوجستية أخرى.

والتفاوض، بحسب المدافعين عنه، يقتضي جرأة في مقاربته. أولاً لجهة اختيار الجهة المناسبة للتفاوض والقادرة على تأمين الإفراج عن الجنود، كما حصل حين أطلق 12 جندياً. وثانياً القبول الحتمي بمبدأ إطلاق سجناء لا يشكل إطلاقهم خطراً على الدولة اللبنانية، كما فعلت دول عدة في عمليات التفاوض، مع الاعتراف بعدم القدرة على إطلاق سجناء يمسّون بأمن لبنان، أو من جنسيات عربية، لما يمكن أن يتركه ذلك من تداعيات على العلاقة مع الدول المعنية.