IMLebanon

هل سيتطوع بلد جديد ليجمع الشتيتين الإيراني والأميركي؟

 

قبل تطبيق أول حزمة من العقوبات الأميركية ضد إيران، تطوع أحدهم ونصح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإرسال دعوة غير مشروطة للالتقاء بالإيرانيين للتفاوض حول تعديل الاتفاق النووي. فعل ترامب ما طُلب منه، لكن الإيرانيين لم يتّبعوا الطريق نفسه الذي سار عليه الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون قبل أسابيع قليلة. ربما لأنهم لا يرون في دعوة ترامب سوى مناورة سياسية يريد من ورائها «شرعنة» العقوبات تحت مظلة أممية في المستقبل القريب، وربما لأنهم يفضلون الجلوس في مفاوضات سرية تحفظ لهم بعض كبريائهم الذي يسوّقونه على أتباعهم في المنطقة باسم آلتهم العسكرية التي لا تُقهر حيناً (مع أنها لم تُجرب!)، وباسم مقاومة هيمنة الإمبريالية حيناً آخر.

 

 

قابل المسؤولون الإيرانيون دعوة ترامب بالاستخفاف، وتسابقوا على رفضها بأساليب مختلفة تتناسب مع المنصب الحكومي أو الديني للرافض من جهة ومدى تأثيره الإعلامي في الداخل أو الخارج من جهة أخرى. ولم ينسوا أن يوعزوا لأتباعهم في المنطقة أن يتناولوا مايكرفوناتهم ليذكّروا الجماهير العربية التابعة بالكرامة والسمو فوق المصالح الضيقة والمقاومة التي لا يجيدها سوى قادة إيران!

 

وعشية إعلان العقوبات الأميركية الأولى، ظهر الرئيس حسين روحاني على التلفزيون الإيراني مجدداً رفضه دعوة ترامب، ومتهماً إياه بالعمل على شق صف الأمة الإيرانية. وبالطبع تطوعت قناة «الميادين» الناطقة العربية باسم المقاومة الإيرانية بعرض المقابلة كاملة للجمهور العربي ظناً منها أن ما انطوت عليه كلمات الرئيس روحاني سيساهم في تجنيد بعض العرب المترددين، الذي يتأرجحون منذ فترة بين الالتحاق بالأتباع الخاضعين للمرشد الإيراني، وبين البقاء على مسافة واحدة من الصراعات في المنطقة وكأنهم غير معنيين بما يدور حولهم! أفردت «الميادين» جزءاً كبيراً من برنامج سهرتها الإثنين الماضي لعرض بطولات روحاني الكلامية للمواطنين العرب، وفات عليها أن الرسائل التي صيغت بعناية شديدة في اللقاء كانت موجهة للشعب الإيراني ورفقاء الاتفاق في نسخته الأولى، وليس لأحد سواهم، وبالتالي فإن المواطنين العرب التابعين «للمرجعية الإيرانية» أو المترددين الذين لا يعرفون بالضبط إلى أين يوجهون بوصلتهم، لن يخرجوا بأي فائدة تذكر من اللقاء، بل قد تساهم كلمات روحاني في تعميق غربتهم التي يشعرون بها منذ استعاروا سحنات غير سحناتهم ولغة لا تشبه لغتهم.

 

كان روحاني في اللقاء التلفزيوني يعمل على خطين متوازيين؛ الخط الأول موجه للداخل الإيراني، وللمواطن البسيط تحديداً الجاهل بأمور السياسة، والخط الثاني موجه للدول الخمس التي ما زالت ملتزمة الاتفاق النووي الموقع في العام 2015 وعلى رأسها روسيا والصين.

 

روحاني يعرف أن الحالة الاقتصادية الإيرانية لا يمكن إصلاحها في الوقت الراهن. ويعرف أن ثورة الجماهير الجوعى والمسحوقين في الشارع لن تظل كل الوقت في الشارع، بل ستتجاوزه في وقت قريب جداً إلى المسجد والحسينية والسوق والمنتديات النخبوية لتصل في نهاية الأمر إلى بيت المرشد! لذلك أراد من خلال الخط الأول في هذا اللقاء أن يوهم الشعب الإيراني بأن الضائقة الاقتصادية المتصاعدة والتي ستصل خلال أشهر إلى مستويات قياسية لا يستطيع أن يتحملها المواطن الإيراني، إنما هي بسبب أميركا وحصار أميركا وعقوبات أميركا، وليست بسبب فساد النظام الحالي ومشاريعه الخبيثة في المنطقة.

 

روحاني ومن صاغ له رسالته يعرفان أن التذمر والتبرم والإحباط هي المشاعر التي ستسيطر على مستقبل الشعب الإيراني في القريب العاجل، لذلك ليس هنالك أفضل من تحميلها لـ «الشيطان الأكبر» علناً، على أمل بأن تعود من جديد المظاهرات الداعية إلى إسقاط أميركا بدلاً من المظاهرات التي تدعو في الوقت الراهن إلى إسقاط (الديكتاتور) خامنئي!

 

أما الخط الثاني، فأراد من خلاله روحاني أن يرسل رسائل متعددة إلى روسيا والصين، الخصمين السياسي والتجاري لأميركا، تتناول مستقبل التعاون معهما. روحاني يعرف أن الأوروبيين لن يبتعدوا كثيراً عن السياسية الأميركية في المستقبل المنظور، وأنه لا يمكن الوثوق بهم كثيراً، لذلك كانت رسائله في منتهى الوضوح بخصوص صناعة قاعدة متينة مع الأعداء المفترضين لأميركا. كان روحاني يتحدث في اللقاء بلغة غير مباشرة يمكن ترجمتها بسهولة تحت عنوان عريض يقول: لتبقى روسياً مصداً سياسياً أمام الخطر الأميركي، ولنصنع من العلاقة التجارية مع الصين شرياناً حيوياً يبقينا على قيد الحياة حتى نتمكن من تدبير أمورنا، إما بشراء الوقت حتى مجيء رئيس جديد للبيت الأبيض، ربما ديموقراطي، أو بعقد صفقة سرية مع «الشيطان الأكبر» تنقذ نخبتنا الحاكمة من المصير الذي ينتظرها داخلياً.

 

الإيرانيون يشعلون الكلام ببطولاتهم هذا الشهر، فهل ستستمر هذه النغمة حتى تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، أم سيتطوع بلد ثالث ليجمع الشتيتين ويحافظ على سريتهما ربما تسعة أشهر جديدة مقبلة؟ لنرى.