IMLebanon

هل تدفع نتائج بيروت الحريري الى اعادة حساباته المسيحية؟

مع اتجاه البوصلة البلدية والإختيارية نحو «صناديق» جبل لبنان،بعدما مر اليوم الانتخابي الأول بسلام على لبنان في أول امتحان ديموقراطي يخوضه منذ 6 سنوات، بقيت ترددات نتائج «صناديق» بيروت والبقاع قيد المعاينة الدقيقة تحت مجهر القوى السياسية لاستخلاص العبر واتخاذ القرارات في ضوء افرازاتها،حيث تداخلت الإنتماءات العائلية بالسياسية الى الحد الاقصى، مبرزة معطيات جديدة ستشكل موضع قراءة متأنية لبعض القوى السياسية، سيما الحزبية منها على رغم فوزها في لائحتي بيروت وزحلة. ذلك أن صناديق الربع الأول من بلديات 2016 التي لم تخرج في معظمها عن السياق التوافقي المرسوم سلفًا.

المهم ان المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية، قد تمت في أجواء أمنية جيدة، بدليل ان الاقتراع تم في عرسال، ففي رأي أوساط سياسية ان اكتمال السلسلة في الآحاد المقبلة، سيدعم موقف الداعين الى تقديم موعد اجراء الانتخابات النيابية، إذا ما تمت الحلول الشاملة في سلة كاملة انطلاقا من الرئاسة. فحين يقترع البقاع، كل البقاع، على بعد رمية قنبلة من «داعش»، وحين تقترع حتى عرسال، على مرمى من يحتلها من إرهابيين، فهذا يعني أن كل ما قدمه النواب والوزراء من ذرائع سنة 2013، وكل ما صدقه أعضاء المجلس الدستوري من حجج سنة 2014، كان تزويرا للقانون واحتيالا على اللبنانيين وسرقة موصوفة لحق الناس في الاختيار، بحسب مصادر «الوطني الحر».

واذا كانت نسبة المشاركة في زحلة أعلى مما هي عليه في بيروت، رغم اختلاط حابل شراء الأصوات بنابل اللوائح الملغومة تاركة ندوبا بلدية ستؤثر على وضعها السياسي مستقبلا، تشير اوساط سياسية متابعة الى ان النتائج التي أفرزتها «منازلة» بيروت لا بد ان تخضع في الايام القليلة المقبلة لقراءة متأنية من قبل داعمي «البيارتة» ، ستركز في شكل اساس على تحليل أسباب عدم مجاراة الشارع المسيحي توجّهات «التيار» و«القوات»، مسجلة الملاحظات التالية:

1- عدم مبالاة البلوك المسيحي في الاشرفية ـ الرميل ـ المرفأ، رغم تسجيل اعلى نسبة لدى الطوائف الارمنية قياسا الى عدد الناخبين، نتيجة فشل الاحزاب المسيحية في حشد اكثر من 5% من الاصوات، والقرف من الاشتباكات العونية – العونية، فيما لعب عامل التهميش الانمائي دورا اساسيا في «مقاطعة» اهالي بشامون وعرمون، فضلا عن الامتعاض السني ضد تيار المستقبل رغم عدم تحوله الى غضب، رغم ان المحاولات السياسية والحزبية لاستهداف الحريري شخصياً وزعامته، لعبت لصالحه في بعض احياء العاصمة.

2- فشل الخلطة «العونية-المستقبلية» في تحقيق حد ادنى من الانسجام تجلى في رفض القواعد العونية وعدم قبولها بالاتفاق ما انعكس تشابكا في الشارع بين البرتقاليين،استخدمته بعض وسائل الاعلام في حملتها ضد لائحة البيارتة.

3- فشل المجتمع المدني في تحقيق اي خرق نتيجة التشتت والانقسام الذي اصاب صفوفه وعدم قدرة المنضوين تحت رايته على تشكيل لائحة واحدة، رغم الامكانات المالية التي لا بأس بها والتي جرى ضخها في الاعلام والتغطية التي لا يستهان بها من محطات تلفزيونية تبنتها.

4-الدور «المريب» لحزب وماكينته الانتخابية في بيروت والتي لم تصب اصواتها لاي لائحة، الامر الذي لو حدث لكان امكن تغيير بعضا من النتيجة خاصة ان عدد الكتلة السنية التي اقترعت لا يتخطى ال55 الفا، رغم اعتبار كثيرين ان كلام الحريري عن الحزب خلال ادلائه بصوته صباحا وسبب غيابه عن اللائحة كان مقصودا لاثارة قواعد الحزب للتصويت ضد «البيارتة» ما كان سيؤدي الى حشد في الشارع السني ورفع نسبة التصويت للائحة، وهو الكمين الذي نجا منه الحزب.

5- بينت النتائج ان اي عمليات تشطيب كبيرة او منظمة لم تحصل ضد المرشحين المسيحيين ما يعني عمليا ان مسألة المناصفة كانت مضمونة.وفي هذا الاطار كشفت مصادر مطلعة الى ان اتصالات سياسية مكثفة جرت عشية الانتخابات محورها «بيت الوسط»، قادها رئيس الحكومة تمام سلام بالتعاون مع رئيس مجلس النواب، واطلع عليها رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات» اللبنانية الدكتور سمير جعجع، اثمرت عن وضع خارطة طريق لمواجهة احتمال سقوط المناصفة، كلياً او جزئياً، من خلال فوز مرشحين مسلمين من السنة على حساب المسيحيين والشيعة، تقوم بموجبها الحكومة بعقد اجتماع طارئ فور ظهور النتائج واتخاذ قرار استثنائي، بابطال النتائج كليا، كما حدث في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب عام 1963 تمهيدا لاعادة الانتخاب او اختيار اعضاء للمجلس البلدي بالتعيين في وقت يكون مجلس النواب جاهزا لإقرار التشريع الملائم، او جزئيا باعادة لانتخاب للمواقع المسيحية والشيعية الـ12.

6- تبين وجود أزمة فعلية بين الناس وبين القوى السياسية. ذلك أن كل الأحزاب في كل المناطق، ومن كل الطوائف والمذاهب، فوجئت بعجزها عن تحقيق التعبئة الانتخابية التي كانت تأملها. وهي عبرة على كل سياسي وحزبي التوقف عندها مليا، قبل الآحاد المقبلة، وبعدها.

7- تراجع نسبة الالتزام بالشأن العام لدى اللبنانيين، كما أن المزاج العام للبناني المسيحي يبدو إلى انكفاء واضح، من الأشرفية إلى مشغرة، ومن زحلة إلى القاع، كأن شيئا من مقولة الاستقالة أو كارثة الإحباط يعود بشكل طفيف لكن ملحوظ.

وفي هذا الاطار تلفت الاوساط الى ان الاستحقاق في العاصمة ترك تصدعات لا يمكن تجاهلها داخل الفريق السياسي الواحد، فنواب العاصمة لا سيما في الدائرة الاولى لم يكونوا على الموجة نفسها، كما ان تفسخات ظهرت في قلب الحزب الواحد وهو ما شهدته صفوف «التيار الوطني الحر». الا ان الاوساط تتوقع ان تكون هذه الخلافات محدودة في الزمان والمكان وان تنتهي مفاعيلها بانتهاء المنافسة الانتخابية بلديا واختياريا في العاصمة، غير أنها تختم مشيرة الى عِبر يجب استخلاصها من بين سطور انتخابات بيروت، هي ان سكان العاصمة فقدوا الامل بتحقيق التغيير المرجو ما دام قانون الانتخاب على حاله، وأن سطوة الاحزاب على قرارهم تلاشت الى حد كبير، وهو ما دلت اليه بوضوح المشاركة الخجولة ونسبة الاصوات الذي ذهبت لـ«بيروت مدينتي».

اجتاز لبنان بنجاح المحطة البلدية والاختيارية الأولى، محققا ثلاث ايجابيات، الأولى ان الناس لا تزال تؤمن بصندوق الاقتراع، رغم الشوائب التي تعتري مفاهيمنا للديموقراطية وطقوسها،الثانية ان اللبنانيين قرروا التنافس بصناديق الاقتراع لا في الشارع، أما النقطة الثالثة فتجلت في اداء القوى الأمنية التي أثبتت قدرتها على حماية الحراك الديموقراطي، مسقطة الأعذار الواهية المساقة للتمديد للمجلس النيابي، والتي تبطن رغبة أكيدة في منع وضع الدولة على سكة استعادة دورتها الطبيعية.

فهل ما حصل هو خمول ديمقراطي ام انه حين تقرأ النتائج من عنوانها ينكفئ المواطنون عن المشاركة؟ام ان هذه القواعد غير مقتنعة لا بقرار قياداتها ولا بأداء البلديات السابقة، وباتت تبحث عن بديل في مكان آخر؟ وهل سيدفع عدم التجاوب هذا وتفضيل المسيحيين خيارات أخرى على ما قدّمه، رئيس «التيار الازرق» الى رسم علامة استفهام حول حرصه الكبير على «المناصفة» طالما انه لم يُقابل بالمثل، فيبحث عن صيغة جديدة للبلدية في الانتخابات المقبلة؟ وهل رسب الحلف في امتحان العاصمة لعدم قدرته على شحذ همم قواعده وحثها على المشاركة؟هل يشكل التحالف الثلاثي المسيحي في زحلة، قاعدة للإنطلاق معا نحو الإئتلاف في الانتخابات النيابية؟

اسئلة كبيرة قد تاخذ وقتا طويلا قبل ان ترتسم ملامح الاجابات عليه، بعد اكتمال عقد الديمقراطية البلدية والاختيارية. وبناء على الاجوبة التي ستكون الساعات المقبلة كفيلة بتظهيرها، تتوقع المصادر ان يبني كل طرف على الشيء مقتضاه، والانظار في هذا الاطار ستتوجه نحو «بيت الوسط» في شكل خاص، فكيف سيتفاعل الحريري، ونحو البلدية التي ستكون امام الاختبار الاول لتجانسها وقدرتها على العمل كفريق موحد.