IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم الأحد في 14/04/2019

لم تكن مجرد انتخابات فرعية في طرابلس، إنما كانت المدينة أمام عرض أحد الآلام. والشكوى لغير الله مذلة، وعلى نسبة التصويت الضئيلة خرج الناس إلى الشوارع، ليس بحثا عن صندوق اقتراع بل عن صناديق وعدوا بها منذ ثلاثة عقود ولم تأت، عن مرافق ومرافئ، عن إدارات عامة ومعرض دولي مهمل، عن منطقة اقتصادية “خالصة مدتها”، وعن مؤسسات عامة تحت موت سريري حيث لا مدراء عامون، ولن تجد إلا “من يحزنون”.

افترش ناس طرابلس الشاشات اللبنانية اليوم، فوجدوا فيها ضالتهم. أفرغوا قهرهم عن عمر سياسي ناهز سبعة وعشرين عاما، قالوا ما لم يقله ناخب في الجمرة، اشتكوا قياداتهم، لعنوا، صرخوا وصوتوا في الهواء الطلق، ولو دققت الداخلية في فرز الأصوات الليلة لعثرت بين الأوراق على مرارة شعب، على ثورة غضب تسكن تحت رماد الأسماء المرشحة، فهذه طرابلس التي سجلت اليوم أوسع رسالة “انتحاب” على وضع بائس وصلت إليه، ودفعت ببعض المواطنين إلى توسل خمسة عشر ألف ليرة لبنانية ثمنا لصوت.

هذه طرابلس التي خرجت رؤساء حكومات وزعامات وأغنى رجالات الوطن المتربعين على لوائح ثروات العالم، ولو فكر نجيب ميقاتي باستثمار في مدينته ونقل شركاته إليها، لو راسلها عبر ال”ليبان بوست” وزرع فيها أولى شركات الخلوي ولم يسحب قروضا على اسم الوطن، لو نظر إليها محمد الصفدي كنظرته إلى “الزيتونة باي”، لو لم يبادلها بمعادلة تمكين امرأة، ولو رآها سعد الحريري من “كادر” لا يشبه السلفي، لو حدث كل ذلك “لعمرت المدينة” وتحالف زعماء المال على بناء عاصمة الشمال من جيبهم الخاص، لكنهم آثروا إذلال ناسهم ودفعهم إلى طلب الخدمة والمال حتى يظل المواطن رهينة الزعيم ويأتمر بصوته.

هذه طرابلس التي يريدونها، والتي دفعت الناخبين اليوم إلى مقاطعة معيبة على أصحاب الدعوة حتى وإن فازت ديما جمالي بالمقعد هذا المساء، ولكن ماذا كان سلاحهم؟، استنفار العصبيات واستحضار “حزب الله” الذي لم يكن باله عندهم، ولا سجلت له أي مساهمات في التدخل، ولو فعل لكان سدد النصح إلى فيصل كرامي والأحباش وجبل محسن وبعض المناصرين بقلب النتيجة أو تسجيل هدف في مرمى “المستقبل”. لكن “حزب الله” ترك المقاطعين على راحتهم، فيما تولى اللواء أشرف ريفي مساعدة المرشحين المعارضين عبر انزلاقه إلى تصريح “الصفيرة” الشهير الذي كاد يغير المعالم.

وعلى مدى اليوم الإنتخابي، كانت التصريحات السياسية تأتي من العالم الآخر، لكأن نجيب ميقاتي لم يحكم ويترأس حكومات، ومحمد الصفدي لم يتسلم وزارات، وأشرف ريفي لم يمر من جنب العدليات والمعلومات، وسعد الحريري لم يغدق على طرابلس الوعود بالخيرات. سبعة وعشرون عاما على حكمهم طرابلس ولم يقدموا لها، لا من جيبهم ولا من جيب الدولة. ظلت مناطقها فقيرة، مسجونوها وعدوا مرارا بالعفو وبقوا قيد الانتظار، وما سجن القبة إلا عينة من معاناة ترتفع صرختها يوما بعد يوم. كلهم كانوا في الحكم، والآن يريدون التغيير عبر “المسكينة” ديما جمالي التي مشت خلفهم لا تلوي على قرار أو تصريح، تتدلى كعنقود عنب، فيما زعماؤها الداعمون يريدون قتل الناطور.

انتهت الفرعية إلى عودة ديما لمقعدها سالمة، بعدما خاضت معركة بلا منافسين سياسيين، وبمولود أرادوه مفقودا وحابوه حد حرق المكاتب والتكفير.