IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم السبت في 15/02/2020

قد تحتاج المهرجانات الخطابية إلى خصوم لإثارة الجمهور، وإلى عصبيات لفرزهم طائفيا، لكن خصم سعد الحريري هذه المرة هو التاريخ، وحقبة لم تطو أوراقها بعد، وشهود ما زالوا أحياء يتذكرون. فالحريري الابن ظهر في العلن جبرانا واحدا عطل له العجلة الحكومية، لكنه في المضمون غير معالم ثلاثين سنة مضت، ولم يجف حبرها ولا هي قابلة للعزل.

ففي السياسة ربما تجاز للحريري المهارة في تدوير الزوايا لحفظ الود مع وليد جنبلاط، وتدويرها أفقيا لعدم قطع الوصل مع “القوات”، وعموديا لحل أزمة قبر شمون على حساب حكومته، والمهارة تأخذ رونقها في تحييد “حزب الله” عن الصراع، وهو الاسم الذي كان رفيق خطابات القدح والذم. لكن رئيس الحكومة السابق يقف عند زاوية الطاقة فيتكهرب بخطوطها، و”يلبس” التعطيل في الماء والتيار لوزراء طاقة متعاقبين، متنازلا عن دوره كرئيس وكمسؤول عن كل الوزراء. فالكهرباء “شرقطت” على أيام والده رفيق الحريري، وكأنه لم يكن هناك من أي دور للوزير الراحل جورج فرام، أو قبله للوزير الراحل ايلي حبيقة.

غير أن الابن ليس سر أبيه، فالطاقة بالنسبة إليه هي وزراء أخفقوا في مهماتهم. لا يتحمل تبعات إخفاقاتكم لكأنه رئيس حكومة “نكرة”. وفساد الطاقة والكهرباء ليس مسؤوليته، بل تقع حمولته على وزراء فتحوا على حسابهم.

وبتقويم سريع للنائب جميل السيد، فإن الحريري حاول إقناعنا بأن الجميع اغتصبه في السلطة، وأنه كان “مستر عفيف”! لكن الغبي من استغبى الناس. غير أن الرد الأشمل كان للرئيس السابق اميل لحود، الذي يحتفظ بأدق التفاصيل عن مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولن تحتاج تلك المرحلة إلى ذاكرة ثاقبة، لأنها علمت في الوطن كما علم استشهاد الحريري.

وبما يرويه لحود عن إنجازات عهد الرفيق أنه: رجل أعمال دعم وصوله عبد الحليم خدام، وأنه منح غازي كنعان مفتاح بيروت حزنا على مغادرته لبنان. والحريري الراحل كان ينوي بيع قطاعات المياه والكهرباء والخلوي، وهو نفسه من لم يعارض التوطين في قمة بيروت. وكان يرشي الرؤساء والقيادات، وبينهم خمس مئة ألف دولار شهريا رفضها لحود.

وفي عبارة تدفع إلى ترجمة عكسها، قال لحود للحريري الابن “إن والدك كان خصما ذكيا على الأقل”. وسواء الرئيس الذكي أم نقيضه، فإن الطرفين يتشاركان في اثارة العصبيات الطائفية عند كل منعطف سياسي، وكلامه عن أهل السنة الباقين في هذا البلد، ولن يذهبوا إلى أي مكان، أعاد إلى الأذهان معارك الرفيق واحتماءه بالطائفة، وتسخيره دار الفتوى وشيخها، لدى كل استحقاق. وهي العصبية المذهبية نفسها التي عانتها عكار وطرابلس، حرمانا لم يسبقه أي حرمان.

لكن كلام الحريري سابقا، يختلف عن الحريرية اليوم، حيث طرابلس صارت عروسا للثورة، وعكار انتزعت صورا لم تعد تمثلها. فيما الحراك قام أساسا على محاربة العصبيات ونبذ المذهبية.