IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم السبت في 04/04/2020

بين سد بسري وسد الجوع، “صامدون” خطت اليوم أولى خطواتها على الأرض، وانتقلت المساعدات من عداد الشاشة إلى يد تعطي ويد تأخذ، بلا منة وبلا عراضات واستعراضات. حملة بحجم شعب يليق به هذا الوطن، وإن كانت دولته بزعمائها وسياسييها شوكة في خاصرته، استنزفت مقوماته ثلاثين عاما، ولا تزال تتناتش المراكز والمناصب، كأن ثورة لم تكن، وكأن وباء لم يعتقل كوكبا كاملا، يهدد الصغير والكبير، ولا يقيم وزنا أو حسابا لا للمقامات ولا لمراكمي الثروات. ولم تقو على ردعه لا أنظمة قوية ولا دول عظمى.

لكن اللبناني الذي فرقته السياسة وصنفه الزعيم بين موال ومعارض وجعل منه تابعا بالواسطة، أثبت اليوم أنه مواطن مكتمل الصفات الانسانية، وأنه مواطن عابر للطوائف والمذاهب، وأنه متى جاع جاره تقاسم معه رغيف خبزه، ومتى أن من فقره كان الصدى لأنينه.

واحد وعشرون ألف متبرع ونصف الألف معهم، قدموا القليل حتى صار الكثير، والكثير سيصبح أكثر، ف”صامدون” مستمرة بكم ومنكم ولكم، إلى أن تصل المساعدات إلى كل بيت تخطى عتبته الجوع، وسكن أمعاءه الخاوية، شمالا وجنوبا، ساحلا وجبلا.

اليوم كانت البداية، حيث أزيلت الحدود الوهمية والسدود السياسية، وبرهن كل متبرع على أنه مواطن بكفالة من كل جائع، لم يسأل لا عن الانتماء ولا عن الهوية ولا عن فحص دم بالوطنية. اليوم بكت عين في ضيعة كفردونين الجنوبية، فمسحتها يد في قرية الشيخ محمد العكارية. والدمعة كانت الصفعة لكل ضمير نائم لنواب أشبه بالخلايا النائمة عن أوجاع وإهمال مناطقهم.

اليوم أصبحنا على وطن يبني فيه الإنسان جسر عبور نحو أخيه الإنسان. فلكل متبرع ولو من لحمه الحي، ألف تحية. ولكن الطريق لا يزال في أوله، وثمة آلاف الأسر على مساحة الوطن بحاجة إلى يد العون، وبالتكافل والتضامن والتبرع سنعبر، مقيمين في انتظار العائدين، فغدا تصل أولى طلائع القادمين من الاغتراب، بأربع رحلات تصل تباعا إلى مطار بيروت، حيث استكملت كل الإجراءات.

وما بعد الوصول لن يكون كما قبله، إذ دخلت هذه الأزمة كغيرها منطقة التجاذبات السياسية والتعليم على بعض، مثلها مثل قصة التعيينات التي أفرزت فريقين في المبارزة، حكومة انتفض رئيسها في وجه قوى سياسية اعتادت المشاكسة وانكشف عجزها، حكمت ثلاثين عاما وتحاول بالتعيينات استعادة ما خسرته في الثورة، وآخرين أمسكوا بمفاصل الحكم ثلاثة عقود، تحاصصوا واستغلوا وتقاسموا وألغوا وجلسوا ينتقدون ما صنعت أياديهم.

اليوم ثبت بالوجه الشرعي أن الناس للناس، ولينصرف السياسيون إلى استخراج لقاح لأزماتهم الأشد فتكا من الوباء نفسه.