IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار “الجديد” المسائية ليوم الخميس في 9/2/2023

واحدٌ وعِشرونَ ألفَ قتيل.. والزلزال لا يزالُ نَهِماً، لا يرتوي, يَرفعُ آلافَ الأجساد كالأرقام.. ويحاربُ أرواحاً تقاوِمُه تحتَ الركام. وبأربعةِ أيامٍ من العزلة تستمرُّ عملياتُ رفعِ الأنقاض، والتي يَخرُجُ من باطنِ أرضِها بِضعةُ أطفالٍ أحياء، كأنّهم وُلِدوا الآن وبعُمرِ اليومِ الواحد. وفي المكانيْن المنكوبين، تُركيا وسوريا.. فإنّ الوقتَ والحزنَ والانهيارات والهزّاتِ المتتابعة لا تَسمحُ بمرورِ الجِنازات، ولا بتأمينِ بيوتٍ دافئة للمشرّدين الذين توزّعوا على جَنَباتِ الطرق وداخلَ خِيَمِ الإيواء. فالزلزال لم يَترُكْ جنباً يتّكئُ على جنب، وأضرارُه تحتاجُ إلى عُمرانِ السنين.. لكنّ انتظارَ ارتداداتِه أصعبُ من حدوثِها، لاسيما معَ ارتفاعِ موجاتِ المنجّمين في علمِ الزلازال والعارفين بالصفائحِ الأرضية. ولبنان الواقعُ على فيالقَ زلزالية يَشهدُ على تخبّطِ الصفائحِ التحليلية وكَثْرةِ قارئي كفِّ الأرض.. وهم منذُ وقوعِ الكارثة الطبيعية يتمايلونَ كالهزّاتِ في توقعّاتِهم ويُجرون على اللبنانيين اختباراتٍ في الأعصاب. غيرَ أنّ صوتاً من المهدّئاتِ العِلمية بَرزَ في الساعاتِ الماضية، معَ تطميناتِ الخبيرِ الجيولوجي طوني نمر أنْ لا داعي إلى حزْمِ الحقائب، وأنّ الأرضَ تحتاجُ من أسبوعٍ إلى عَشَرَةِ أيام لتعودَ إلى المستوى نفسِه الذي كانت عليه. ولم تَجزِمْ أيٌ من الخبراتِ العِلمية بتوقّعِ موعدِ حدوثِ الهزّات او ترقُّبِ دُنوِّها.. وكلُ التنبؤاتِ في هذا الشأن مصدرُها غيرُ مستندٍ الى وقائعَ جيولوجية.

وعلى الصفائحِ السياسية وقشرةِ الأرضِ المارونية.. فإنّ أركانَ الطائفة احتفَوا اليوم بعيدِ شفيعِ الموارنة، وقدّموا ما استطاعوا من زهدٍ وقداسةٍ وتنسُّك. لكنّ الزعماءَ الموارنة “ما اهتزّوا”، وهم على استعدادٍ لإطالةِ أمدِ الشغور في الموقعِ الماروني الأول سنواتٍ إضافية، ما لم ينتزعوا حقوقاً ومكاسبَ ومواقع.

قد يَخجل القديس مارون برعيتِه السياسية.. وربما قالَ لهم على بُعدِ ألفٍ وخمسِمئةِ عام: إنكم خرّبتم أرضاً وكِياناً وأفسدتم ما صنعتْهُ يدايَ الطاهرتان. فإنْ اتفقتم تقاسمتُم البلاد.. وإنْ اختلفتم دمّرتموها في حروبٍ ونزاعات، وأوقعتم وطنَكم من شغورٍ إلى شغور. وبعقديْن اثنين كان الفراغُ يتسيّدُ الرئاسة.. من عامِ ألفين وسبعة ثم ألفين وأربعةَ عَشَر، وصولاً إلى الفراغِ الثالث اليوم. فبأيِ احتفالٍ تَستقبلون عيد مار مارون؟ وكيفَ ستُنقِذُ بكركي تشتّتاً مارونياً سياسياً لم تَقْوَ على جمْعِه في مناسبةٍ واحدة.