في الحادي والعشرين من شباط 2020، سجلت أول حالة من فيروس كورونا في لبنان. يومها، وصلت الحالة من قم، فتفجر غضب جزء من اللبنانيين تجاه إيران ومن لف لفيف محبيها في لبنان، ولنقل الأمور بكل صراحة حملت الطائفة الشيعية مسؤولية وصول الفيروس الى لبنان.
مرت أيام قليلة، فسجل المزيد من الحالات، ولكن هذه المرة جاءت العدوى من فرنسا وإيطاليا. يومها أيضا، شمت بقية اللبنانيين بحاملي كورونا الجدد، ولنقل الأمور أيضا بكل صراحة، حمل المسيحيون والسنة مسؤولية تفشي المرض داخل البلاد. تعادلت الطوائف أمام كورونا، فبحث اللبنانيون عن حجج جديدة، يحملون بموجبها مسؤولية الفشل بعضهم لبعض.
من منا لا يتذكر أول اغلاق للبلاد في آذار الماضي؟، وقتها جاء الإلتزام الكبير في بيروت وجبل لبنان، أما بقية المحافظات فجاءت نسب الإلتزام فيها متفاوتة الى شبه معدومة. حينها عادت طواحين الطائفية والطبقية للدوران، وعاد الحديث عن “مناطقنا ومناطقهم”، وعلا الصراخ …
“يا خيي سكروا عليون، نحنا شو خصنا؟، أين الدولة التي لا تتجرأ ولا تنفذ الاجراءات الصارمة “إلا عنا”… تروح تسكر بعكار وطرابلس والضاحية وبعلبك اذا بتسترجي”..
من إغلاق تام الى إغلاق تام آخر، تنقلت أيام السنة. اللبنانيون يتحدون المرض، والدولة تتخبط. تضع خططا للاغلاق، لا تترافق مع تحفيزات تبقي الأشد حاجة للعمل اليومي في منازلهم، تعيد فتح البلاد من دون وضع خطط لما بعد الاغلاق. تجهز ما تيسر من المستشفيات الحكومية وغرف العناية الفائقة، وتنتظر وعود المستشفيات الخاصة بتأمين غرف العناية الفائقة، من دون نتيجة، تماما كما حصل عندما وعدت هذه المستشفيات بتأمين مئة غرفة في حلول كانون الاول الماضي، ولم تفعل.
دارت دورة السنة كاملة، حتى وصلنا الى تشرين الثاني الفائت وعيدي الميلاد ورأس السنة… حاولت وزارة الصحة واللجنة الوطنية لمكافحة الكوفيد 19، تنبيه اللبنانيين الى خطورة الاختلاط. فالأرقام من حول العالم، أكدت أن سبعين في المئة من الاصابات تنتج عن الاختلاط في المنازل، أي تبادل الزيارات.
لكن التذاكي هذه المرة فاق التوقعات. تحولت المنازل والشاليهات الى أماكن تجمع، تنقل الكوفيد فيها بسهولة من شخص الى آخر، حتى بلغت الأعداد ارقاما قياسية، وامتلأت غرف العناية الفائقة في شكل شبه كامل، من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.
في أول أيام الـ2021، سقط كل اللبنانيين في الامتحان. من المسيحيين الى الشيعة الى السنة والدروز، من الفقراء الى الميسورين، من المقيمين الى المغتربين. من الدولة الى أجهزتها الأمنية.
واعتبارا من الأسبوع المقبل، سيكون كل هؤلاء أمام إغلاق تام وصارم، لثلاثة اسابيع.
فإما الالتزام الكامل ووقف الزيارات والتباكي على الاقتصاد والفقر والعوز، وإما الوصول الى كارثة صحية، لن تبقي لا طوائف ولا 6 و6 مكرر، ولا حتى دولة نحملها المسؤولية.