IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار الـ”OTV” المسائية ليوم الثلثاء في 24/03/2020

حولت العولمة الكرة الارضية في عقدين الى قرية صغيرة , وحولت كورونا الارض في اسبوعين الى مقبرة كبيرة ، جعلت الثورة الرقمية الانسان معادلة اصطناعية افتراضية وجعلت الكورونا الانسان ضحية فعلية واقعية ، ازالت العولمة الحدود والفواصل والكيانات واقامت كورونا سدا عاليا وجدارا عازلا بين الدول والامم وداخل الاوطان , في قلب كل بيت وفي عقر كل دار وفي هيكل كل عائلة ، فتحت العولمة الفضاء والهواء والارض والسماء وصورت للانسان وادخلت في روعه ان كل شيء مباح له وان كل مكان حق له.؟

من هايد بارك الى ناشيونال بارك الى يللوستون الى تايم سكوير وترافلغار سكوير ، كل فسحة للبيتلز والرولينغ ستونز وبوب مارلي وفيل كولينز والتون جون وغيرهم من العمالقة ومن اجمل ما تصورته احلام الانسان ، وجاءت كورونا لتجعل من الارض سجنا كبيرا ومعسكر اعتقال اين منه داشاو وبوخنفالد واوشفيتز ، بعد كورونا ستعود اميركا جزيرة كبيرة منعزلة التزاما بتعاليم المدرسة الجفرسونية مثلما كانت قبل اغراق لوزيتانيا في الحرب العالمية الاولى ومثلما كانت قبل بيرل هاربور في الحرب العالمية الثانية وقبل كوريا وفييتنام وانغولا والموزامبيق وحروب الشرق وبترول الصحراء وانظمة الشخص والصنم .

في السنوات الاخيرة كابرت وفاخرت اميركا . سطت وجنت بالقوة والخوة مئات مليارات الدولارات ، اليوم وفي اسبوعين تخسر تريليونات الدولارات في البورصة المذعورة والاسهم المكسورة . كورونا تجتاج بلاد العم سام من نيويورك الى لوس انجليس .

اما اوروبا التي كنا نتغنى بها ونتمنى التمثل بها فصرنا نصلي كي لا يصيبنا ما اصابها من عظيم داء ووخيم بلاء .

كورونا فضح اكذوبة الاتحاد الاوروبي والتجربة الاندماجية واختراع الشينغن ووهم اليورو . اليوم كل دولة في اوروبا : يا رب نفسي . الذي لم يكن ليخطر في بال يحصل : طائرات روسية قيصرية في عاصمة الكثلكة روما وفي قلعة من قلاع الاطلسي . اوروبا ترفض المساعدة الاميركية وترحب بالمساعدة الروسية . المسمار الكبير في نعش الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي دق . الحبل ربط حول العنق وينتظر ازاحة الكرسي من تحت ارجل المحكوم .

العالم تغير في اسبوعين وسيتغير اكثر بعد شهرين وقد لا يكون هو ذاته الذي نعرفه بعد سنتين . العولمة التي اوهمت الانسان ان الكون برمته ملعبه وميدانه اليوم تعيده كورونا الى واقعه وتقول له : خليك بالبيت . لم يعد هناك فرق بين القبر والقصر . تقلصت الهوة وضاقت المسافة . لم يفت الاوان للتفكر والتذكر . التفكر بما سيكون عليه عالمنا في قابل الايام والتذكر ان الانسان مهما علا واستعلى , مهما كبر وكابر , مهما تجبر وتبختر فان مصيره الحسرات والزفرات , الشموع والدموع , كمشة تراب وكومة عظام وان من بيده الصولجان اليوم سيكون مرعى للديدان غدا ولن يبقى الا وجه ربك الاكرم .

يبقى التحدي الاكبر في الوحدة والبقاء في التضامن والامتحان الاكبر في المحبة والدرس الاعظم في التواضع . في زمن التخلي المؤقت نرجو التجلي الدائم وهو لا ريب ات الى الارض التي احبها الله اكثر واكبر واعظم بكثير من الفاسدين والمنافقين والمرائين , الذئاب الذين يأتون بثياب الحملان , يتبرعون ويسخون ويمننون بمال سرقوه من ارملة وفقير وجائع وشريف ومكافح وعصامي . هؤلاء وجه رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا الشجاع فرنسيس اليوم صفعة قاسية برفضه مالهم القذر ومساعداتهم المشبوهة واحسانهم الملطخ بدماء الناس والمغمس بعرق الفقراء . قال لهم : شعب الله لا يحتاج الى اموالكم القذرة . ما قاله خليفة بطرس يصح عندنا ايضا وينطبق على البعض : ليتك لم تزن ولم تتصدق ..