IMLebanon

مقدمة نشرة اخبار “تلفزيون أو تي في” المسائية ليوم الجمعة في 16/10/2020

في مثل هذه الساعات قبل سنة بالتمام والكمال، كان سعر صرف الدولار يقارب الألف وخمسمئة ليرة، وكانت هناك حكومة وحدة وطنية، وكان الوضع بالتأكيد أكثر استقرارا من الآن سياسيا واقتصاديا وحتى أمنيا، ولو أننا لم نكن نعيش في أحسن الأحوال… فبماذا نفعنا الحراك أو الانتفاضة او الثورة؟

السؤال الاخير تعبير عن حالة شعبية عامة، تطرح هذه الاسئلة واكثر، فماذا حققت حركة 17 تشرين خلال عام؟ الجواب الموضوعي يمكن ان ينطلق من تحديد ثلاثة انجازات في مقابل ثلاثة اخفاقات.
فلنبدأ بالانجازات:
الانجاز الاول: اكدت حركة 17 تشرين ان شعبنا حي، وان ما كان يقال عن لامبالاة شعبية بالاوضاع السياسية، لم يكن صحيحا. فالشعب اللبناني، ولاسيما في الايام الاولى للحراك، اثبت أنه معني بمستقبل الوطن، بحيث اتى تعبير الناس عابرا للطوائف والمذاهب والمناطق، وحتى للفئات العمرية.

الانجاز الثاني: كشفت حركة 17 تشرين ان الطبقة السياسية في غالبيتها، لم تكن على دراية بحقيقة الشعور الشعبي تجاهها، بحيث تجرأت مثلا على طرح رسم الواتساب، بما يرمز اليه على صعيد الحياة الشخصية واليومية للمواطنين، ظنا منها أن الاعتراض لن يحصل، وأنه لو حصل، سيكون قابلا للاستيعاب السريع. هذا من دون الاغفال بأن التيار الوطني الحر تميز عن سواه بالتعبير عن عدم القدرة على تحمل الاخطاء المستمرة، وانتظار اشارة من رئيس الجمهورية للتحرك وقلب الطاولة، وذلك في كلمة رئيسه جبران باسيل في ذكرى 13 تشرين التي سبقت الانتفاضة بأربعة ايام.

الانجاز الثالث: اسقطت حركة 17 تشرين محرمات كثيرة، سواء لناحية بعض الملفات التي بات فتحها اكثر سهولة، او لجهة بعض الشخصيات التي صار توجيه النقد اليها، ولو بأقسى العبارات، امرا واردا في كل لحظة، الى جانب تحويل مسألة تعديل الدستور واعادة النظر في الطائف الى قضية مطروحة.

لكن في مقابل الانجازات الثلاثة المذكورة، تقتضي الموضوعية ايضا ان نتحدث عن ثلاثة اخفافات:
الاخفاق الاول: الفشل في طرح مشروع موحد يجمع القوى المشاركة في الحراك او الانتفاضة او الثورة، ليكون قادرا على استقطاب فئات مجتمعية عاشت على مدى عام حالا من الضياع ازاء طروحات متناقضة نسبت الى الحراك، وتخبط في اطلاق المواقف من النزوح السوري والحرب او الثورة السورية، مرورا بإلغاء الطائفية السياسية وقوانين الانتخاب خارج القيد الطائفي والانتخابات المبكرة، ووصولا إلى سلاح المقاومة والقرار 1559. ولعل من ابرز علامات غياب المشروع البديل، ان ندور على انفسنا دورة كاملة، قبل ان نعود بعد عام الى طرح رئيس الحكومة التي اسقطها الحراك، رئيسا لحكومة انقاذ.

الاخفاق الثاني: الفشل في تقديم شخصية او هيئة قيادية يمكن التحاور معها، وهو ما منع قيام حوار بناء مع من يحمل طروحات اصلاحية منذ عقود، وتجسد بعدم التجاوب مع دعوات الحوار المتتالية التي وجهها رئيس الجمهورية الى المتظاهرين، علما أن ابرز من تناول موضوع غياب الشخصية او الهيئة القيادية التي يمكن التواصل معها باسم الحراك، كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.

الاخفاق الثالث: الفشل في التمييز الواضح بين الحراك الصادق والعفوي، والتحركات الحزبية المكشوفة، التي عبرت عن نفسها بالشتائم الموجهة ضد شخص وفريق واحد، او من خلال محاولات تقطيع الاوصال وقطع الطرقات، والاعتداء على الجيش والقوى الامنية والممتلكات العامة والخاصة، الى جانب أعمال العنف وتخريب وسط بيروت، وصولا إلى الاعتداء على الاعلاميين، حيث كانت للـ OTV حصة الاسد في هذا الاطار، على رغم أنها تميزت على مدى عام بفتح هواءها لجميع اللبنانيين على اختلاف الانتماءات والمشارب والاهواء، في مقابل قنوات خصصت اربعا وعشرين ساعة على اربع وعشرين للتحريض في اتجاه واحد فقط لا غير.

في كل الاحوال، ما قبل 17 تشرين لم يعد كما بعده، وهذا ما ادركه الجميع بالتأكيد. واذا كان الخلاف سيبقى مستمرا حول ما تحقق او لم يتحقق خلال عام، فالاكيد ان التغيير لم يعد امرا غير قابل للتحقيق، ومصيرا يهرب منه البعض الى الامام، عاما بعد عام.