IMLebanon

“11 أيلول بَرّي”: فرنسا في دوّامة الإرهاب والخوف

nice-attack-2

 

 

كتب حموش أبوبكر في صحيفة “الأخبار“:

 

أثارت هجمة نيس الإرهابية، التي وقع ضحيتها 84 قتيلاً، على الأقل، وعشرات الجرحى، ليلة أول من أمس، أجواء غير مسبوقة من الصدمة والرعب، لم تشهدها فرنسا حتى خلال هجمات باريس الدموية، في تشرين الثاني الماضي.

وصل الرعب الذي عم فرنسا إلى أعلى هرم السلطة، فكان لافتاً أن الرئيس، فرنسوا هولاند، ورئيس حكومته، مانويل فالس، اضطرا بعد اختتام اجتماع الأزمة الطارئ الذي عقد في مقر وزارة الداخلية، فجر أمس، إلى الاستعانة بسيارتين مصفحتين، وحراسة مشددة ضمت أكثر من مئتي قناص من فرق النخبة التابعة لقوات الجندرمة، للعودة إلى قصر الإليزيه، رغم أنه لا يبعد عن مقر الداخلية سوى نحو ثلاثين متراً فقط! وجرت العادة أن يتنقل الرئيس ووزراؤه من وإلى وزارة الداخلية مشيا على الأقدام.

حالة الرعب غير المسبوقة هذه كان مردها إلى المنحى غير المتوقع الذي اتخذته هجمة نيس، من خلال تحويل شاحنة نقل إلى سلاح إرهابي، ليس عبر تفخيخها أو تفجيرها، بل للانقضاض بها على نحو ثلاثين ألفا من المدنيين الذين تجمعوا على امتداد كورنيش “برومناد دي أنجليه”، في نيس، لحضور احتفاليات الألعاب النارية، التي أقيمت هناك في مناسبة العيد الوطني الفرنسي.

هذا الصنف المبتكر من الهجمات الإرهابية كان قد سبق أن ورد ذكره ــ نظريا ــ في الأوراق الأخيرة التي عثر عليها بحوزة زعيم تنظيم “القاعدة”، أسامة بن لادن، في مخبئه الأخير في “أبوت آباد” الباكستانية، حيث دوّن بن لادن على دفتر من 82 صفحة عددا من “الخواطر” و”المشاريع”، ومنها فكرة تتعلق بتدبير عمليات وصفها بأنها ستكون بمثابة “هجمات 11 أيلول برية”، عبر “استعمال قطارات أو شاحنات نقل لصدم مبان أو تجمعات مدنية”.

كما أن أحد الناطقين الإعلاميين (الفرنكوفونيين) في تنظيم “داعش” وجه نداء الى المتعاطفين مع تنظيمه الإرهابي، في أيلول ٢٠١٤، دعا فيه إلى ضرب الدول الأوروبية بكل الوسائل، وقال: “إن لم تستطيعوا تدبير تفجيرات أو أعمال مسلحة، فهاجموهم بالسكاكين أو ادعسوهم بسياراتكم”. لكن هذه هي المرة الأولى التي توضع فيها مثل هذه المشاريع الدموية حيّز التنفيذ في عملية إرهابية بحجم هجمة نيس.

اللافت في هجمة نيس أيضاً البروفايل الاجتماعي والنفسي المغاير الذي يتسم به منفذ العملية. وهو فرنسي من أصل عربي، يدعى محمد لحوالج بوهلال، من مواليد نيس، ويتحدر من أصول تونسية من منطقة سوسة. بخلاف منفذي هجمات باريس وبروكسل، فإن بوهلال، البالغ من العمر 31 سنة، متزوج وأب لثلاثة أطفال. كما أنه لم يسافر إلى سوريا ولم يكن أصلا مصنّفا لدى أجهزة الشرطة كمتهم بالتعاطف مع الجماعات الجهادية، بل كان معروفا فقط كصاحب سوابق وقد أدين قضائيا في عدة جنح مرتبطة بالسرقة واستعمال العنف، وكان آخرها في شهر آذار الماضي.

هذه “الخلفية الاجرامية” لمنفذ العملية أدت دوراً في تحديد الأسلوب المبتكر لهجمة نيس. فإذا كان استعمال شاحنة نقل لدعس الضحايا في عمل ارهابي أمراً غير مسبوق، فإن ما يسمى véhicule bélier، أي السيارات أو المركبات الناطحة، أمر دارج جداً، منذ ثمانينيات القرن الماضي، في مجال عمليات السطو والسرقة، حيث اعتاد شبان أحياء الضواحي الفقيرة سرقة سيارات أو شاحنات والهجوم بها ليلا على واجهات المحلات التجارية في الأحياء الراقية للسطو على ما تحتويه من سلع!

وعلى الرغم من الطابع الفردي لهجمة نيس في جانبها التنفيذي، فإنّ كمية الأسلحة التي عثر عليها في الشاحنة تؤشر بأن منفذها كانت وراءه شبكة إمدادات لوجيستية قوية. كما أنّ التوقيت الرمزي الذي اختير للعملية، بالتزامن مع احتفالات العيد الوطني الفرنسي، ينم عن دقة في التخطيط لا يمكن أن تصدر عن شخص وحيد أو معزول.

وكان لافتاً أيضاً أن توقيت الهجمة سلط الضوء مجددا على القصور الأمني المتكرر لأجهزة مكافحة الاٍرهاب الفرنسية. كما أنه أعاد إلى الواجهة الجدل المستمر حول غموض وتذبذب إستراتيجية هولاند وحكومته “الاشتراكية” في مواجهة التهديديات الجهادية المتطرفة. فهجمة نيس جاءت بعد ساعات من الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي في مناسبة العيد الوطني، وفاخر فيه بالنجاحات التي حققتها حكومته في مواجهة الاٍرهاب خلال بطولة أوروبا الأخيرة لكرة القدم. حتى إنه جازف بالإعلان أن حالة الطوارئ القائمة في البلاد منذ هجمات تشرين الثاني الماضي ستُرفَع في 26 من الشهر الجالي بعدما “تراجعت حدة التهديدات”، قبل أن يعود أمس ليعلن للفرنسيين تمديد الطوارئ لثلاثة أشهر إضافية.