IMLebanon

عن “الستّين”… و”خطيئة” العزل والتحجيم!

lebanese-parliament-new

 

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

إذا ما تمَّ التعمّق في حجم ونوعية العقَد التي ما زالت ماثلة في طريق تأليف الحكومة، سيبدو أنّها أصغر من ألّا تُحلّ، أو أنّها من النوع المستعصي على الحلّ والتفاهم على تدوير زواياها وتفكيكها.مِن الصعب التصديق أنّ حقيبة وزارية لهذا الطرف أو ذاك، ومهما كان نوعها، أساسية أو خدماتية، تعطّل حكومة إنْ كان هناك قرار جدّي وصادق وحازم بتأليف حكومة يُراد لها أن تكون حكومة شراكة.

وهنا تَبرز فرَضية أنّ هذا التأخير أو التعطيل لا يبدو أنّه تعطيل موضعي محصور بالتركيبة الحكومية وحصَص الأطراف فيها، بقدر ما هو تعبير عن أزمة حقيقية، أبعد من الحكومة، وصار من الضروري والملِحّ البحث، لا بل «النّبش» عن الأسباب والأهداف الكامنة خلفَها، وعمّا إذا كانت هناك «أجندة مخفية» يشكّل تأخيرُ تأليف الحكومة البندَ الأوّلَ فيها.

سُمّيت الحكومة المنوي تشكيلها حكومة إجراء الانتخابات النيابية وفقَ قانون جديد يَجري إعداده قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي، أي قبلَ 20 حزيران، واتّفَق الجميع على أنّ الوقت ضيّق يوجب التعجيلَ في تأليف الحكومة لتتفرّغ لمهمّة إعدادِ القانون، خصوصاً أنّ كلّ يومِ تأخير يضعِف من إمكانية وضعِ قانون جديد للانتخابات.

وإذا ما استفحلَ التأخير أكثر فمعنى ذلك أنّه يُضيّق الخيارات إلى الحد الأقصى ويَجعل من «قانون الستّين» أو «قانون الدوحة» المرذول من كلّ الأطراف – وفقاً لمواقفهم وتصريحاتهم – الشرَّ الذي لا بدّ منه بل لا مفرّ منه، وبالتالي إجراء الانتخابات النيابية على أساسه.

مسار التأليف يوحي وكأنّه دخلَ في استراحة طويلة، معنى ذلك أنّ القانون الجديد صار على أهبةِ الدخول في دائرة الخطر، بما يفتح البابَ على احتمالات شتّى، خصوصاً أنّ هذا التأخير أعاد إحياءَ لغةِ التمديد للمجلس النيابي، وتتداولها صالونات ومستويات سياسية، والبعض يدخل إلى هذا العنوان على شكل جرعات لزرعه في الذهن العام، فيلبَسه لباسَ الضرورة، إذ يُسقَط عليه إسمٌ حرَكيّ مثل «التمديد التقني» وما شابَه ذلك. مع أنّ لغة التمديد هذه مرفوضة أوّلاً من الرئيس ميشال عون، وثانياً من الرئيس نبيه بري الذي أكّد استحالة اللجوء إلى التمديد تحت أيّ ظرف وتحت أيّ عنوان.

يبقى قانون الدوحة!

ثمّة مقولة سائدة أنّ في حال عدم التوصّل إلى إعداد قانون جديد، فلا ضيرَ مِن إجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون الحالي، أي قانون الدوحة المعروف بقانون الستّين. فهو على علّاته، وكما يقول أصحاب هذه المقولة، يبقى الحلَّ الموجود في اليد. ولكن هناك من يقول في المقابل إنّ التمديد المرفوض للمجلس، إذا كان شرّاً على البلد، فقانون الستّين يطيح بالبلد كلّه ويطلِق رصاصة الرحمة عليه.

وما يَخشاه هؤلاء هو أن يكون هناك سيناريو خطير، ينطوي على مماطلة متعمَّدة في تأليف الحكومة، وأن يكون القصد هو تأخير هذا التأليف إلى ما بعد كانون الأوّل الجاري، والذهاب إلى حكومة في الشهر المقبل، وتحت ذريعة إعداد البيان الوزاري والأخذ والرد حوله، ثمّ جلسات الثقة بالحكومة في مجلس النواب في أواخر كانون الثاني أو شباط، يتآكل الوقت أكثر فأكثر، وعندها يأتي من يقول إنّ المهَل تضغَط علينا ولم يعُد في إمكاننا تجاوُزها، وبالتالي صارت إمكانية إعداد قانون جديد للانتخابات صعبة لا بل مستحيلة، وبالتالي لم يبقَ في يدنا إلّا واحد من خيارَين أحدهما علنيّ هو قانون الستّين… والثاني ضمني وهو التمديد. وكلاهما ينطوي على مخاطر.

لماذا؟

هناك قلق أكثر من جدّي من قانون الدوحة المعروف بقانون الستين النافذ حالياً، ذلك أنّ ظروف الوصول إليه في العام 2008 في العاصمة القطرية اختلفَت عمّا هي عليه اليوم. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن حصلت انزياحات جذرية وكثيرة في المشهد السياسي الداخلي ولم تعُد اللوحة السياسية لوحة توازن بين «8 و14 آذار»، وبينهما النائب وليد جنبلاط بيضة القبّان.

في انتخابات 2009 حكمت الستّين تحالفات ومعادلات أنتَجت المجلس النيابي الحالي، وأمّا مع الانزياحات التي شهدتها اللوحة السياسية، فقانون الستين صار أمام تحالفات ومعادلات من نوع آخر، فأيّ مشهد سيكون عليه البلد إذا ما أجريَت الانتخابات وفقَ هذا القانون وعلى أساس التحالفات الجديدة؟

وما يبعَث على الريبة لدى القلقين من الستّين، هو أصداء بَلغَتهم حول الحركة الدولية تجاه لبنان في الآونة الأخيرة، والتي تحثّ على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وفق القانون الحالي.

المريب بالنسبة إلى هؤلاء أنّهم شعروا بأنّ هذه الحركة في جانب منها مستنسَخة عن تلك الحركة التي شهدها لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يومها كان استعجال دوليّ على تشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة نجيب ميقاتي وإجراء الانتخابات في موعدها وعلى أساس قانون الـ2000 الذي عُرف بقانون غازي كنعان، والذي عاد اللواء جميل السيّد وأكّد أبوَّته له.

وجرَت الانتخابات على أساسه وأنتجَت أكثرية حَكمت البلد منذ ذلك الحين. وكان عون وحلفاؤه أكثرَ المستهدَفين منها والمواجِهين لها سياسياً. واليوم تأتي الحركة الدولية وكأنّها لذات الهدف، أي إعادة إنتاج أكثرية حاكمة ومتحكّمة، ولكن هذه المرّة عبر قانون الستّين بتحالفاته الجديدة.

ما هو قانون الستّين؟

يتأكّد من انتخابات العام 2009، أنّ قانون الستّين، شكّلَ أكبر خدعة تمثيل للمسيحيين، وجَعلهم مراهِنين على الصوت السنّي في زحلة وعكّار وبيروت، وعلى الصوت السنّي والشيعي في البقاع الغربي، وعلى الصوت الدرزي والسنّي في الشوف، وعلى الصوت الدرزي في عاليه. وكذلك على الصوت الشيعي في بعبدا وجزّين وجبيل وسائر الدوائر.

الرسالة التي أطلقَها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قبل أيام عن تحالفٍ ثلاثي سياسي وانتخابي بين «القوات» والتيار الوطني الحر وتيار «المستقبل»، فرضَه الواقع الرئاسي الجديد، وينسجم مع ما يقال عن أجزاء غير معلنة من إعلان النوايا بين «القوات» و«التيار»، وأجزاء غير معلنة ما بين «التيار» و«المستقبل»، أحدثَت أكثرَ مِن نَقزةٍ لدى الأطراف الأخرى.

خصوصاً أنّ الإحصاءات الانتخابية على أساس الستّين والتي أجريَت في هذا الجانب، تُظهر أنّ هذا التحالف يحصد انتخابياً ما يزيد عن ثلثَي المقاعد في مجلس النواب، ما يتيح له الحكمَ والتحكّم دون سائر الآخرين.

هناك استسهالٌ في هذا التقدير وتبسيطُ أمورٍ من بعض المزهوّين بالوقائع الجديدة للمشهد الداخلي، لا بل مجازَفة كبرى، فإنْ كان التوجّه جدّياً نحو هذا الأمر فمعناه:

– محاولة إلغاء أو تحجيم كلّ القوى السنّية الأخرى، أي من هم خارج إطار تيار «المستقبل».

– محاولة إلغاء أو تحجيم كلّ القوى والعائلات والبيوتات المسيحية، وتحديداً سليمان فرنجية، حزب الكتائب، وغيرهم.

– محاولة تحجيم وليد جنبلاط وتقليص مساحته التمثيلية، ومحاولة التحكّم بالصوت الدرزي في الشوف وعاليه وصولاً إلى البقاع الغربي.

– محاولة عزلِ الطائفة الشيعية كمكوّن وطني. والملاحظ هنا أنّ هناك من قال علناً بمحاولة جذبِ برّي إلى هذا المركب، وبري سخرَ مِن هذا الأمر، وكأنّ هذا البعض يبيّن علناً أنّ الهدف هو عزلُ «حزب الله»!

إذا كان التفكير جدّياً في هذا الاتّجاه فإنّ من يفكّر بذلك ربّما هو يتجاهل طبيعة التركيبة والصيغة التي يقوم عليها لبنان، وربّما هو ينسى مسألة مهمّة اسمُها موازين القوى الداخلية. في العام 1975 أدّت محاولة عزلِ المسيحيين وعزلِ الكتائب إلى الحرب الأهلية، فكيف الحال إذا كان الهدف هو عزلُ الحزب، الذي حاربَ العالم عام 2005 وفي حرب تمّوز 2006 وفي 7 أيار 2008، ثمّ شارَك بالقتال إلى جانب الأسد في سوريا، وها هو ينتظر في هذه الأيام أن يتلوَ بيانَ النصر في حلب، أليس هناك من يقرأ هذا المشهد؟ ربّما هناك من في ذهنه محاولة استباق الوقائع الإقليمية لفرضِ وقائع داخلية بمعادلة رقمية تُنتج أكثرية حاكمة له.

ما تَقدّم يوصل إلى خلاصة مفادُها أنّ قانون الستّين أو قانون الدوحة هو الوجه الآخر لقانون الـ 2000، إذ إنّه يؤدّي إلى النتيجة ذاتها والتي خبرَ سلبياتها جميعُ اللبنانيين وحفرَت هوّةً في ما بينهم وأدخَلت البلد في أزمةٍ ما زال يعاني منها.

في الإحصاءات، الأكثرية الساحقة من اللبنانيين مسلمين ومسيحيين ضد قانون الستين، باعتباره يضرب مفهوم الشراكة، يفتح البلد على مشكل، ويعَدّ جريمة تاريخية بحقّ استعادة المسيحيين لحقوقهم ودورهم، والأخطر أنّه يَقطع الطريق نهائياً على فرصة إعادة إنتاج النظام السياسي اللبناني بما يحاكي آمالَ وطموحات أكثرية الشعب اللبناني.

وإذا كان هناك من يدفع في اتّجاه الستّين فثمة من يرفض الاستسلام لهذا المنحى، ويدفع نحو قانون انتخابي لا يلغي أحداً، يحفظ التركيبة والصيغة والتوازنات ويصحّح التمثيل، ويتيح هذا التمثيل للجميع ويعطي كلّ طرفٍ حجمه الحقيقي والطبيعي، وليس حجماً منفوخاً مبنيّاً بقوّةِ غيره وليس بقوّته الذاتية. والوقت لم ينفد بعد للوصول إلى مِثل هذا القانون.