IMLebanon

لبنان قال كلمته وينتظر ردّ الرياض وسلام يزورها مستهلاً جولة خليجية

يُفترض أن يكون مجلس الوزراء قد رسم خريطة طريق لإعادة تطبيع العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية، بعدما اهتزّت نتيجة القرار السعودي بوقفِ هبة الأربعة مليارات من الدولارات المقدّمة لتسليح الجيش والقوى والأمنية اللبنانية. فقال لبنان بالإجماع ما لديه منتظراً ما سيكون عليه ردّ الرياض التي سيَزورها رئيس الحكومة تمّام سلام على رأس وفد وزاري، على أن ينتقل منها إلى بقيّة العواصم الخليجية.

بعدما تجاوزَت قوى 14 آذار أمس الأوّل القطوع وأصدرَت بياناً جامعاً رفضَ الإساءة للملكة العربية السعودية، تجاوزت «حكومة المصلحة الوطنية» مطبّ اهتزاز العلاقات اللبنانية ـ السعودية، فأكدت في بيان بالإجماع التمسك «بالإجماع العربي في القضايا المشتركة» وجددت التمسك بسياسة النأي بالنفس، وكلفت رئيسها تمام سلام إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لبناني.

فيما ناشد الرئيس سعد الحريري خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقادة دول الخليج عدمَ التخلي عن لبنان. في وقتٍ قال «حزب الله» بلسان وزيره محمد فنيش، ردّاً على سؤال حول زيارة وفد وزاري للمملكة: «عندما تعتذر السعودية لحزب الله نفكّر بزيارتها ضمن وفد».

وفي حين لم يفاجئ سقف بيان مجلس الوزراء أحداً لأنّ الحكومة بتركيبتها القائمة والتناقضات داخلها لا تستطيع اتّخاذ موقف أبعد منه، بقيَ التعويل على ان تتلقف المملكة هذا الموقف علّها تعيد النظر في موقفها.

إتّصال فرنسي ـ سعودي

وعلمت «الجمهورية» أنّ اتصالاً فرنسياً ـ سعودياً حصل في الساعات الاربع والعشرين الاخيرة لمعرفة مدى تمسّك الرياض بوقف الهبة العسكرية للبنان، وقد لاحظ الجانب الفرنسي انّ الامر قابلٌ للمعالجة.

وكان الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والتنمية الدولية رومان نادال قال ردّاً على سؤال خلال مؤتمر صحافي عَقده امس، حول وقف برنامج «دوناس» لمصلحة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية الذي تموّله السعودية: «نحن نواصِل حوارنا مع السلطات السعودية واللبنانية لبلوغ هدف حماية لبنان».

وأضاف: «إنّ التزام فرنسا إلى جانب لبنان لحمايته من تداعيات الوضع في المنطقة هو جزء من استراتيجيتنا في الشرق الأوسط. وهدف برنامج «دوناس» الذي تموّله السعودية، هو المساهمة في مدّ القوات المسلحة الوطنية للبنان بالعتاد لتمكينها من حماية البلاد بكل استقلالية».

سلام يباشر اتصالاته

وعبّرَ سلام مساء عن ارتياحه إلى نتائج جلسة مجلس الوزراء معتبراً أنّها كانت «قطوع ومرَق»، لافتاً الى انّ الجهود التي بُذلت لم تذهب هباءً. مكرراً «أنّنا امام محطة خطيرة لها تداعياتها على كلّ الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية في لبنان، ناهيك عمّا يتهدّد مصالح عشرات الألوف، لا بل مئات الألوف من اللبنانيين المقيمين في دول الخليج العربي وإماراته».

وأضاف: «إنّ مَن يستهين بحجم المخاطر التي يمكن أن تحصل قد يكون قرّر التعامي عن الحقائق أو أنه من غير المقيمين في لبنان ولا يتعاطى الشأن العام».

وقالت مصادر رئيس الحكومة لـ«الجمهورية» إنّه سيلتزم بما تقرّر في مجلس الوزراء وإنّه سيباشر الاتصالات الضرورية مع المراجع المعنية في السعودية ودول الخليج لترتيب المواعيد الخاصة بالجولة التي قرر مجلس الوزرء تكليفه القيام بها، رافضاً إلتزام أي مواعيد تتصل بالجولة، وإنّ كلّ شيء سيظهر في أوانه.

مجلس الوزراء

وكان مجلس الوزراء قد أكد في بيان تلاه سلام «وقوفَ لبنان الدائم الى جانب إخوانه العرب، وتمسّكه بالإجماع العربي في القضايا المشتركة والذي حرصَ عليه لبنان دائماً». وجدّد تمسّكه بما ورد في البيان الوزاري لجهة التزام سياسة النأي بالنفس». وأكد ضرورة «تصويب العلاقة بين لبنان وأشقّائه وإزالة أيّ شوائب قد تكون ظهرت في الآونة الأخيرة».

ولفتَ سلام الى أنّ المجلس تمنّى على رئيسه «إجراءَ الاتصالات اللازمة مع قادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لبناني لهذه الغاية».

وعبّرَ سلام عن إدانتِه واستنكارهِ بشدة ما تعرّضَت له سفارة المملكة العربية السعودية في إيران، وهو ما يتعارض مع المواثيق الدولية وكلّ الاتفاقات ومع كلّ ما يحمي البعثاتِ الدولية في الدول الأخرى.

وقال «إنّ المملكة هي أمّ الجميع وهي كبيرة الجميع، وبالتالي كنّا دائماً على حِرص أن يكون التواصل مع المملكة، ومن الطبيعي أن يكون أيّ تحرّك في هذا الإطار، وكما قلت في كلمتي لنبدأ بالمملكة العربية السعودية».

مخاض ولادة البيان

وقد دامت جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية والماراتونية نحو سبع ساعات، وغابَ عنها الوزير المستقيل أشرف ريفي، وخصّصت للبحث في تداعيات القرار السعودي. وولِد بيان المجلس بعد مخاضٍ دام أربع ساعات ونصف ساعة.

وعلمت «الجمهورية» أنّه بعد كلام سلام في مستهل الجلسة، أعربَت كلّ القوى السياسية على طاولة المجلس عن إرادةٍ بعدم انهيار الحكومة وأخذِ البلد الى التفجير والفراغ ، وجاءت المداخلات السياسية تحت سقف إقرار الجميع بضرورة الحفاظ على الاستقرار.

وبعدما أدلى كلّ بدلوِه، أعطى سلام وزير المال علي حسن خليل إشارة ببَدء العمل بمسوّدة البيان التي كان أعدّها رئيس الحكومة. وتحوّلت القاعات الجانبية في السراي الحكومي خلايا تواصل واتصالات لكنّ صيغة البيان كانت استقرّت في قاعة بدأ فيها العمل بين خليل ووزيرَي «حزب الله» محمد فنيش وحسين الحاج حسن.

وبعد نقاش تمّ التوصل الى تفاهم أوّلي. ثمّ انضمّ وزراء «المستقبل» إلى سلام وخليل وفنيش لمناقشة الصيغة التي تمّ التفاهم عليها. وخضَع البيان لتعديل وشطب وإعادة صوغ أكثر من مرة لكلّ فقرة وكلمة فيه، عبر اتّصالات أجراها خليل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو في الطائرة الى بلجيكا، وكذلك مع الحريري، الى ان تمّ التوصل الى صيغة ترضي الجميع وتعبّر عن وجهة نظر أساسُها الإجماع العربي من دون تعرّض أيّ مكوّن للخطر. وأصرّ برّي على ذِكر عبارة «صون الوحدة الوطنية».

المشنوق يعترض

ولدى مناقشة صيَغ البيان اعترضَ وزير الداخلية نهاد المشنوق وتحفّظَ على بعضها ووجَد في إحداها ما يعطي فريقاً لبنانياً «حقّ الفيتو على الإجماع العربي» فانسحبَ من الجلسة، لكنّ سلام تدخّلَ لإقناعه بالعودة، في وقتٍ تلقّى المشنوق اتصالاً من الحريري فسحبَ اعتراضه بعد إدخال تعديلات على الصيغة المطروحة.

الحريري

ورأى الحريري في البيان الصادر عن مجلس الوزراء «أموراً كثيرة إيجابية»، وقال إنّ سلام «بذلَ جهداً كبيراً، وهو مشكور عليه». وأعلنَ «أنّنا نتطلّع إلى تصحيح العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لأنّ ما حصل غير مقبول، خصوصاً ما حصل اليوم (أمس) بعد جلسة مجلس الوزراء، حيث خرج وزير الخارجية وكأنه لم يحصل شيء، وداخل الجلسة لم يتكلّم بأيّ موقف، ولسوء الحظ نحن نتعامل مع الدول بنحو غير مسؤول، بينما الدول تتعامل مع لبنان أكانَ في السابق أو اليوم كدولة، وهذا مسيء للبنان إذا أكملنا في طريقةٍ كهذه،

وإذا اعتقدَ أعضاءُ في الحكومة أنّ في إمكانهم التذاكي عبر محاولة الإيحاء بأنّهم شرَحوا موقف لبنان وهم لم يفعلوا ذلك، ففي الواقع كان هناك قرار وبيان عن الجامعة العربية، والقرار كان واضحاً والبيان كان واضحاً، والنأيُ بالنفس عن القرار هو خطيئة بحقّ لبنان واللبنانيين، وعلى وزير الخارجية الكفّ عن القول إنّه نسّقَ الموقف مع رئيس الحكومة، فهو لم يكن صادقاً في ما راجَع به رئيس الحكومة».

وثيقة التضامن

وكان الحريري دعا إلى لقاء عُقد في «بيت الوسط» تحت عنوان: «الوفاء للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي»، وتخلله توقيع وثيقة «التضامن مع الإجماع العربي، والوفاء للدول العربية الشقيقة» .

وأكد الحريري «أنّ الوفاء للمملكة يعني الوفاء للبنان، والإساءة للمملكة تعني الإساءة للبنان». وقال: «إذا كانت الديبلوماسية هي سياسة تدوير الزوايا، فهناك من أرادها سياسة لتدمير علاقات لبنان بأشقّائه العرب».

وأكد «أنّ أيّ إهانة توجّه الى السعودية ودول الخليج العربي، سنردّها الى أصحابها». وقال: «إنّ أحداً لن يتمكن من إلغاء عروبة لبنان، وإنّ مواقع الدولة والمؤسسات الحكومية، ليست محميّات للسياسات الإيرانية في المنطقة».

وخاطبَ الحريري القيادة السعودية وفي دول الخليج قائلاً: «إنّ الأصوات الشاذة التي تتهجّم عليكم لا تنطق باسم لبنان ولا تمثّل اللبنانيين. هي أصواتُ مَن انقلبَ على العروبة ومَن خرج على الإجماع الوطني. ولن نعطيَها فرصة الاستيلاء على الجمهورية اللبنانية مهما بلغَت التحديات». وشدّد على «أنّ لبنان سيبقى وفياً لعروبته وأشقّائه، ولن نسمح بسقوطه في الهاوية الإيرانية. نعم، لن نسمحَ بتسليم لبنان لمشروع الفتنة وتقسيم المنطقة».

باسيل

وكان وزير الخارجية جبران باسيل عَقد فور انتهاء جلسة مجلس الوزراء مؤتمراً صحافياً أعلن فيه أنّه «إذا خُيِّرنا بين الإجماعِ العربيِّ والوَحدةِ الوطنية فسننحازُ إلى الوَحدةِ وعدمِ تفجيرِ البلد والمَسِّ باستقراره»، لافتاً إلى أنّ «مواقف الخارجية متقدّمة أكثر من البيان الذي صدر اليوم (أمس) في موضوع التضامن مع السعودية، لأنّنا أكّدنا إدانتَنا التعرّضَ للسفارة السعودية في طهران منذ اللحظة الأولى، إلّا أنّنا رفَضنا البيان الذي يدين «حزب الله» كونه مكوّناً داخلياً، وذلك سيُحدث توتراً في الداخل اللبناني».

وأشار إلى أنّه في حال تشكيل وفد وزاري برئاسة سلام «من الطبيعي أن نشارك لشرح موقف لبنان، عِلماً أنّ الوزارة تقوم بدورها في هذا المجال منذ البداية»، مؤكداً «حِرصه على اللبنانيين في الخارج، ولا نريد التدخّل بشؤون الدول، ولكن نطلب تفهُّمَنا».

سلام يردّ

كلام باسيل استدعى ردّاً من المكتب الإعلامي لسلام أوضَح فيه «أنّ بيان مجلس الوزراء صدر بإجماع الوزراء المشاركين في الاجتماع بمن فيهم الوزير باسيل نفسه، وأيّ خروج عن هذا النص هو من قبِيل الاجتهاد الشخصي ولا يعبّر عن موقف لبنان الرسمي».

ردّ على الردّ

وسارَع باسيل إلى تأييد بيان سلام «بكلّ مضمونه، ومع أنّه لا يفهم سببَ صدوره، فإنه يتفهّم أنّ الإجماع يتطلّب خفضَ السقوف السياسية، مع أنه لم يكن يتوقّع هذا المقدار من الانخفاض السريع لدى بعض أطراف الحكومة الذي لم يكن مرتفعاً سوى صوتهم في الأيام الأخيرة».

الموقف السعودي

وكان مجلس الوزراء السعودي جدّد في جلسةٍ عَقدها برئاسة الملك سلمان تأكيدَ ما عبّرَ عنه مصدر سعودي مسؤول في شأن وقفِ الهبة العسكرية، مؤكداً وقوفَ السعودية إلى جانب الشعب اللبناني وعدم التخلّي عن لبنان، والاستمرار في مؤازرته.

وأشار إلى أنّ «المملكة تقابَل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظلّ مصادرة ما يسمّى «حزب الله اللبناني» لإرادة الدولة، كما حصَل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد التي تتنافى مع القوانين الدولية والأعراف الديبلوماسية، فضلاً عن المواقف السياسية والإعلامية التي يقودها ما يسمّى حزب الله في لبنان ضد المملكة العربية السعودية وما يمارسه من إرهاب في حقّ الأمة العربية والإسلامية.

وقدّر المواقف «التي صدرت عن بعض المسؤولين والشخصيات اللبنانية بمن فيهم دولة رئيس الوزراء السيّد تمام سلام، الذين عبّروا من خلالها عن وقوفهم وتضامنهم مع المملكة، ومعرباً عن الاعتزاز بالعلاقة المميّزة التي تربط المملكة العربية السعودية بالشعب اللبناني الشقيق والتي تحرص المملكة دائماً على تعزيزها وتطويرها».

إيران

ومن جهتها، أبدت إيران استعدادها لتسليح الجيش اللبناني، وقال المتحدّث باسم الخارجیة الایرانیة حسین جابري أنصاري ردّاً علی سؤال عمّا إذا کان لبنان قد طلب تعویض النقص الناجم من قطعِ مساعدات الحكومة السعودیة له: «لم نتلقَّ طلباً رسمیاً من الحكومة اللبنانیة في هذا الشأن».

وذكّرَ بأنّ إيران»أعلنت سابقاً استعدادها وعلی أعلی المستویات لتقدیم المساعدات للجیش اللبناني الذي یُعتبر رمزاً للوحدة الوطنیة وحاملاً للسیادة ویقف فی مواجهة الإرهاب».

وأشار إلی «أنّ الحكومة السعودیة أعلنت وبعد استعداد ایران لتقدیم المساعدات للجیش اللبناني، بأنّها ستقدّم منحة بقیمة 4 ملیارات دولار کمساعدات للبنان، لكنّها تخلّت أخيراً ولذرائع خاویة عن تقدیم هذه المنحة». وأكّد «أنّ الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة تعلن دعمها الكامل للحكومة والجیش في لبنان».

البحرين

بدوره، أعربَ مجلس الوزراء في البحرين عن «تأييده التامّ ومساندته لقرار السعودية بإجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع لبنان ووقف مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبنانية». وأشاد «بالدعم والمساندة السعودية للدول الشقيقة والصديقة». وأعربَ عن تطلّعِه «إلى أن تتوقف الممارسات التي تضرّ بمصالح الشعب اللبناني وارتباطه الأصيل بمحيطه العربي وتتناقض مع المصلحة العربية».

جنبلاط

وفي المواقف، قال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط : «لا نريد أن نكون مع محور ضدّ آخر» وأكّد «سياسة النأي بالنفس»، مكرّراً أنّ «هناك ثلاثة مرشّحين لرئاسة الجمهورية، فلننزل إلى المجلس النيابي ولتكُن اللعبة ديموقراطية ويتمّ اختيار أحدِهم».