IMLebanon

زعامة آل سكاف في عهدة ميريم

ودّعت زحلة والبقاع الوزير والنائب السابق، رئيس الكتلة الشعبية، الياس سكاف. وداع رسمي وشعبي مهيب نادراً ما شهدته المنطقة. فالراحل، رغم ما له وما عليه، نجح في ترسيخ صفته كـ «بيك الأوادم» في وجدان خصومه قبل محبيه ومناصريه ومريدي زعامته المتوارثة أباً عن جد

من سيكمل مسيرة الزعامة السياسية لآل سكاف في زحلة؟ سؤال بدأ يُطرح بقوة في الأوساط البقاعية مع بدء صراع الراحل الياس سكاف مع المرض قبل أكثر من سنتين. وهو كان يدرك هذه المعضلة التي سيحدثها غيابه، ولم يكن يخفي قلقه، في لقاءات عائلية، من تحيّن «وحوش» السياسة الفرصة للانقضاض على تاريخ عائلته وإقفال بيته السياسي في حال رحيله، خصوصاً أن عود نجليه، جوزف وجبران، لم يشتدّ بعد.

ومع لحظة إعلان الوفاة، انتقل هذا القلق إلى محازبي الكتلة الشعبية الذين ينتظرون انتهاء فترة الحداد لمعرفة وصية «البيك» حول اسم «ولي العهد» الذي سيتبوأ الزعامة في مرحلة «انتقالية»، ريثما تنتهي مهمة إعداد أحد نجليه لتولي «العرش السكافي». فيما تشير كل المعطيات إلى أنّ إدارة المسار السياسي للعائلة وحزب الكتلة الشعبية ستناط بأرملته إلى حين يقرر أحد نجليه متابعة المهمة. ويقول مقربون من العائلة إنهم يعوّلون على ميريم طوق سكاف في الحفاظ على زعامة العائلة وإرثها السياسي. ويوضح أحد «السكافيين» أنّ سكاف «تدرك حجم العبء الذي سيلقى على عاتقها، أقلّه حتى يبلغ ولديها السنّ القانونية ويقرّر أحدهما إكمال الطريق».

واجه آل سكاف عبر تاريخهم السياسي ــــ من الجد طعمة إلى الحفيد الياس، مروراً بالمؤسس الفعلي لموقعهم السياسي جوزف سكاف ــــ مدّاً وجزراً سياسيَّين، وخاضوا «حروباً» لم يقصّروا فيها في استخدام كل أنواع «الأسلحة السياسية» دفاعاً عن وجودهم وكيانهم، فانتصروا في معارك وهُزموا في أخرى، إلى أن انحصر كيانهم في حدود «جمهورية» زحلة، بعدما كان البقاع من شماله إلى جنوبه ملعبهم السياسي الواسع عبر تحالفات عائلية وسياسية. وهم يدركون وجود متربّصين وطامحين وحالمين بوراثة هذا البيت السياسي وجمهوره. وهؤلاء قد لا يتأخرون في محاولة إحداث شرخ في العائلة أو الاعتراض، من منطلق مذهبي، على تولي سيدة، يصفها محبوها ومبغضوها بـ»المرأة الحديدية»، مقاليد العائلة السكافية. إلا أن العارفين بتفاصيل البيت السكافي يؤكدون أن الزعامة لا يمكن أن تخرج من بيت الراحل الياس سكاف حتى ولو تولتها ابنة آل طوق البشراويين الموارنة، فـ «السيدة ميريم أصبحت ابنة آل سكاف الكاثوليكيين، ولا يمكن أحداً في زحلة وخارجها أن يلعب على هذا الوتر المذهبي أو المناطقي». أما اللعب على وتر إثارة شرخ في العائلة فـ «غير وارد، خصوصاً أنّ أبناء عم الراحل (أبناء ميشال سكاف) وشركاءه في ممتلكات العائلة وعقاراتها ليسوا في وارد العمل السياسي، أقله في الفترة الحالية». ويؤكد أحد مسؤولي حزب الكتلة الشعبية أن الاتفاق «واضح وصريح، وجميع أبناء العائلة متفقون على اسم المرجعية السياسية للعائلة وتيارها الشعبي في الوقت الراهن».

ميريم أصبحت ابنة آل سكاف الكاثوليكيين ولا يمكن أحداً أن يلعب على الوتر المناطقي

غير أنّ هذا الإجماع الحزبي والعائلي لا يمنع وجود «طامعين» في وراثة القاعدة الشعبية للحزب السكافي من منافسين تاريخيين وآنيين. فالأحزاب لم تقصّر في محاربتها لإلياس سكاف منذ 1992 وحتى رحيله. وهو كان قد اقتنع، بعد انتخابات 2009 النيابية وخسارته مقعده وحصة تياره، بأنّ التحالف مع الأحزاب «يضرّ أكثر مما يفيد»، وأعلن منذ ذاك أن لا تحالفات مع أحزاب على حساب كيان تيار عائلته السياسي. وترجم ذلك بخوضه، منفرداً، الانتخابات البلدية الأخيرة في زحلة، فحقّق فوزاً كاسحاً على لوائح الأحزاب ومموّليها من رجال أعمال محليين. ومع غيابه، باتت الفرصة سانحة أمام هذه الأحزاب وبعض رجال الأعمال المنافسين لمحاولة الفوز بقاعدته الشعبية. ويبدو حزب القوات اللبنانية في طليعة الطامحين إلى احتضان الجمهور السكافي، وظهر ذلك جلياً من خلال حشد محازبيه للمشاركة في مراسم التشييع أول من أمس. لكن، بحسب مطلعين، دون هذا الطموح صعوبات، فسمير جعجع لم يسلّف سكاف، منذ عام 2005، ديناً حتى يسترده ويأخذ حصة من جمهوره، كذلك إن حسابات حقل بشري لا تنطبق على حسابات بيدر زحلة بسبب غياب الود بين ابنتي العم، ميريم طوق سكاف وستريدا طوق جعجع.

الطموح القواتي يضاهيه طموح النائب نقولا فتوش، الخصم التاريخي للحزب السكافي، في استمالة، ولو قسماً، من أنصار الراحل إلى تياره بمعاونة صديقه مطران المدينة عصام درويش. وبحسب المطلعين أنفسهم، فإن ما أفسده الدهر بين الرجلين لن تصلحه محاولات آل فتوش لاحتضان محازبي سكاف واستمالتهم، وهي محاولات لم تتوقف في حياة سكاف وستزيد حكماً بعد رحيله. أما حزب الكتائب فلن يأخذ من الصحن السكافي نصيباً كبيراً، خصوصاً أن القاعدة الكتائبية في زحلة هي في غالبيتها «كتائب سكاف» أكثر مما هي كتائب النائب إيلي ماروني أو آل الجميّل. وحال الكتائب لا تختلف عن حال التيار الوطني الحر الذي كان حليفاً لسكاف قبل أن يفترقا بعد انتخابات 2009 النيابية. والتيار لن يقدر على التمدد نحو الجمهور السكافي الذي يجد في «زحلته» وحقوقها في الدولة والسلطة عصباً أقوى من عصب «حقوق المسيحيين» الذي يرفعه العماد ميشال عون.

يدرك القيّمون على انتقال الإرث السكافي صعوبة المرحلة المقبلة، لكنهم يبدون ثقة بأن موقع عروس البقاع وانفتاحها على جوارها يحولان دون جعلها أسيرة عصبيات حزبية. وهو ربما ما يدركه جيران زحلة الذين استقبلوا نعش الراحل في تعلبايا وسعدنايل ومفترق قب الياس، أكثر من أحزابها.

الزعامة التاريخية

تعود زعامة آل سكاف إلى منتصف عشرينيات القرن الماضي، وهي بدأت مع إلياس ناصيف طعمه سكاف الذي دخل المجلس النيابي إبان الانتداب الفرنسي عام 1925، وخاض بعدها كل المعارك الانتخابية حتى وفاته عام 1942، لينتقل إرث العائلة السياسي الى ولده جوزف. لم تخلُ مسيرة الأخير من نكسات انتخابيّة على رغم تثبيته للزعامة وتحوّله رقماً صعباً في المعادلة السياسية، بقاعياً ولبنانياً، فدخل في تحالفات انتخابية وسياسية أبرزها مع الرئيس كميل شمعون، وكانت له الكلمة الفصل في تشكيل اللوائح الانتخابية في كل دوائر البقاع، حتى أُطلق عليه صفة» سيد البقاع دون منازع»، إذ لم تشكل حكومة، على مرّ عشرات السنين، من دون أن تكون لجوزف سكاف حصة فيها، وهو تولى وزارات عدة في غالبية العهود. وكان يقف دائماً إلى جانب العهد، متابعاً سياسة والده الذي أوصاه بـ «ألّا تعارض الدولة، وكن لها كالظل الذي يرافق صاحبه، وإياك والابتعاد عنها…». دخل جوزف سكاف في خصومة سياسية مع قريبه جان سكاف، وخسر أمامه جولة عام 1951، وربح عليه في باقي الجولات. ولعل المرة الوحيدة التي خالف فيها وصية والده، كانت في مواجهته اللائحة المدعومة من السلطة والنهج الشهابي عام 1968 (عهد الرئيس شارل حلو)، وقد خسر حينها سكاف النيابة أمام خصمه الراحل جوزف أبو خاطر، ليعود بعدها إلى الندوة البرلمانية عام 1972 ويبقى فيها لاعباً أساسياً حتى وفاته عام 1991 عندما ورثه نجله الياس.