IMLebanon

الأجندة الخفيّة لمؤتمر «فتح» السابع: إنتاج وريث عباس

يوجد في داخل مؤتمر حركة «فتح» السابع، المقرّر في 29 الجاري، عنوان أساسي غير معلن، وهو هندسة نتائج المؤتمر التنظيمية والسياسية على أسس تُمهّد لتحديد هوية وريث محمود عباس في رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية و«فتح». والواقع أنّ أعمال المؤتمر التي ستعيد إنتاج «المجلس الثوري» واللجنة المركزية لـ«فتح»، ستُعيد إنتاج موازين القوى داخل هذا الفصيل الفلسطيني الأكبر الذي يعتبر الانتماء اليه وفق واقع التوازنات الفلسطينية وامتداداتها الخارجية، ممراً إلزامياً لأيّ شخصية تطمح لتولّي رئاسة السلطة.

كلّ المعطيات والاشتباكات الفلسطينية، وحتى الاقليمية، ذات الصلة بالتحضير لمؤتمر فتح السابع تَشي بأنّ «ابو مازن» قرّر ان يكون هو صانع إسم وريثه. وصار واضحاً لكثيرين من متابعي النزاع على وراثة عباس، انه قرّر استخدام المؤتمر مناسبة لإنتاج هوية الرئيس الثالث للسلطة الوطنية، وذلك «على حياة عينه»، على أن يتركه وديعة لدى «فتح» لتُسلّمه الرئاسة في رام الله بعد خلوّها منه.

في 5 كانون الثاني الماضي نُقِل عباس على عجل من مكتبه الى مستشفى الاستشاري في رام الله، وخضع لقسطرة في القلب. بداية، نفى مكتب الرئاسة الخبر، ثم لاحقاً صار متعذّراً نَفيه بعدما أكده مدير المستشفى.

صحة «ابو مازن» لا تعبّر عن كل الاسباب التي تجعل من قضية خليفته بمثابة مسألة مطروحة على نار حامية، سواء داخل «فتح» أو داخل كل طيف منظمة التحرير والفصائل الاسلامية الفلسطينية التي تناصب «فتح» خصومة شديدة.

فعباس ذاته ومحوره داخل «فتح» و«السلطة» هما ايضاً طرفان في السعي لفرض إسم خليفته منذ الآن على الواقع الفتحاوي خصوصاً، والفلسطيني عموماً، وكذلك على الواقع العربي ايضاً، خصوصاً مجموعة اللجنة الرباعية التي تضم مصر والسعودية ودولة الامارات والاردن.

وفي تفاصيل هذا النزاع الذي سيكون مؤتمر «فتح» بعد ايام أحد محطاته المهمة، وربما الحاسمة، تتمظهَر مواقع اساسية عدة بصفتها محاور في السباق الجاري منذ الآن بين اطراف فلسطينية واقليمية، يحاول كل منها إيصال مرشحه الى مقر رئاسة السلطة في رام الله بعد خلوّه من عباس:

ـ الموقع الاول يقوده «ابو مازن» شخصياً الذي يحاول «على حياة عينه» تحديد الشخصية الفلسطينية التي سترثه في رئاستي «السلطة» و«فتح». وضمن هذا السياق يخوض «ابو مازن» حرباً ضروساً ضد طموحات محمد دحلان لخلافته. وحملته ضده قادَته بداية الى إقصائه من «فتح»، وحالياً يحاول من خلال مؤتمر «فتح» إخراج كل جماعاته منها.

دحلان يسمّي مطاردة «ابو مازن» لجماعته داخل «فتح» بأنها ستبلغ مع انعقاد المؤتمر مرحلة «تَجريف» الدحلانيين من التنظيم ومن كل هيئاته القيادية التي سينتخبها.

ويؤشّر في هذا الاطار الى إجراءات اتخذها «ابو مازن» لجعل لوائح الاعضاء المشاركين في المؤتمر وانتخابات هيئاتها القيادية، خالية قدر الامكان من خصومه، اذ انه من اصل 2350 عضواً يحق لهم المشاركة في المؤتمر تمّ اعداد لوائح تتيح مشاركة 1400 عضو فقط.

وبحسب معلومات لـ«الجمهورية»، فإنّ هناك «سلّة أسماء» سيشكل المؤتمر بالنسبة اليها ساحة لاختبار ايّ شخصية منها ستثبت أحقيتها في ان تكون مرشحة «فتح» لخلافة «ابو مازن»: اول الاسماء هو جبريل الرجّوب (مواليد سنة 1958 من الخليل عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» والرئيس السابق لجهاز الامن الوقائي، ويتولى حالياً رئاسة المجلس الاعلى للشباب والرياضة) وتكمن قوته في انه يعتبر المرشح المفضّل لدى «ابو مازن».

والثاني هو حسين الشيخ (وزير الشؤون المدنية قضى 11 عاماً في السجون الاسرائيلية وعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح») الذي تعوزه ثقة عباس به، على رغم انّ لديه حيثية قوية داخل «فتح» في الضفة الغربية، وبالتالي داخل المؤتمر. وهو مقبول اميركياً ولا فيتو اسرائيلياً ضده.

اما الثالث فهو رئيس الحكومة السابق سلام فياض الذي على رغم انه ليس عضواً في «فتح» إلّا انّ مناخه كمرشح لخلافة «ابو مازن» سيكون موجوداً داخل اعمال المؤتمر، خصوصاً داخل كواليسه المعنية بإظهار نتائج له تؤشّر الى هوية الرئيس الفلسطيني المقبل.

مشكلة فياض الاساسية لا تتأتى من أنه موجود على لائحة غير المرغوبين لدى «ابو مازن»، بل العكس هو صحيح، ولكون الاتجاه العام في «فتح» يصرّ على الإتيان بشخصية فلسطينية لرئاسة السلطة تجمع بين منصبَي رئاستي «السلطة» و«فتح».

فمن وجهة نظر»فتح» انّ اهم شروطها لهوية رئيس «السلطة» ان يكون من صفوفها، وبعد ذلك تأتي شروطها الاخرى حول خصوصياته داخل التنظيم. وهدف «فتح» من ذلك هو ضمان بقاء بصمة القيادة الفتحاوية للواقع السياسي الفلسطيني قائمة، وذلك في مواجهة حركة «حماس» التي تنازعها على الحلول مكانها في أداء هذا الدور.

ـ الموقع الثاني الذي له ثقله في معركة وراثة «ابو مازن» هو دحلان الذي يستند الى دعم إقليمي يتمثّل بدول اللجنة الرباعية العربية. وتقول معلومات مستقاة من حركة «فتح» انّ رفض «ابو مازن» المصالحة مع دحلان والقبول بطموحاته داخل «فتح» والواقع الفلسطيني، كلّفه توتر علاقاته بدول اللجنة الرباعية ولا سيما منها السعودية التي جمّدت مساعدات مالية للسطلة على خلفية هذا الأمر.

ولكن «ابو مازن» مُصرّ في حربه على دحلان، فيما الاخير يَحشد حيثياته داخل «فتح» ويوسّع نطاق هجومه على رئاسة عباس لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث قاد في هذا الاطار مسعى لجمع المتضررين من «ابو مازن» سواء الفتحاويين أو الفصائل الاخرى، وعلى رأسها «حماس».

وفي المعلومات انّ مندوبين عن دحلان عقدوا العام الماضي في بيروت لقاء غير معلن مع قادة من «حماس» لنقاش أمر اساسي وهو طريقة تطويق «ابو مازن» داخل منظمة التحرير الفلسطينية وإضعافه داخلها عبر توسيعها لتصبح إطاراً للفصائل الاسلامية الوطنية، ما يمكّن دحلان من التسلل مجدداً الى «فتح».

ويلفت المراقبون ضمن هذا الاتجاه الى انفتاح دحلان على حركة «الجهاد الاسلامي» التي يتزعمها رمضان عبدالله شلّح، ومحاولته العام الماضي ترتيب موعد للأخير مع القاهرة، للبحث في إمكان عقد مؤتمر مصالحة فلسطينية في العاصمة المصرية.

ورفضت القاهرة طلب دحلان في حينه، ولكنها حالياً ولمناسبة اشتداد النزاع على وراثة عباس وعقد مؤتمر «فتح» السابع ذي الصلة بهذا الموضوع، دَعت شلّح لزيارة مصر قريباً، للبحث معه في عقد مؤتمر لترتيب البيت الفلسطيني برعاية مصر، ما يؤشّر الى اشتداد التدخل الاقليمي في معركة وراثة عباس التي فتحها مؤتمر «فتح» باكراً.