IMLebanon

عواصف «داعش» وإسرائيل: «عين الحلوة» تحت المِجهَر

لن يشذّ مصير مقرّرات القمة العربية الحالية عن مصير مقرّرات القمم السابقة. سترسل هذه البنود الى دفاتر الأرشيف، لتصبح حبراً على ورق. هذا ما كان يحصل أيام كانت لجامعة الدول العربية نكهة، ولو بالحدّ الأدنى، فكيف بالحري في هذا الزمن حيث بالكاد تتذكر الدول الأعضاء أنّ هناك شيئاً اسمه جامعة الدول العربية.

لكن هذا لا يحجب الإشارات الصادرة عن السياسة الدولية تجاه الشرق الاوسط والتي ترى في القمة العربية مكاناً مناسباً لإلباسها الثوب الشرعي.

ثلاثة ملفات رئيسية فرضت عقد القمة العربية الـ 28:

ـ الملف الاول، يتعلق بإيران والنقاط التي كسبتها في المنطقة ما يستوجب إعادة تحجيم دورها ونفوذها وفق ما تطالب به دول الخليج خصوصاً.

ـ الملف الثاني، يتعلق بالحرب على الارهاب والسعي الى تأمين قوة عربية تملأ الفراغ الذي سينتج عن إزالة دولة «داعش».

ـ الملف الثالث، فتح الطريق في اتجاه تسوية اسرائيلية – فلسطينية والسعي الى إعادة تلميع صورة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ودوره وتعزيز شرعيته الفلسطينية والعربية.

هذه الملفات الثلاثة الاساسية تتناغم الى حدٍّ بعيد مع المنحى الجديد للسياسة الاميركية في ظل رئاسة دونالد ترامب و من دون أن تبتعد عن المواكبة الروسية.

قبل القمة العربية، شهدت واشنطن زيارتين مهمتين، الأولى لوليّ وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان والثانية لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو. وبعد القمة العربية ستشهد زيارات اخرى لا تقل أهمية تبدأ مع الرئيس المصري ثم رئيس السلطة الفلسطينية، فملك الأردن.

ففي واشنطن حيث الانقسام السياسي كبير والنزاع عنيف، تتصاعد الانتقادات ضد الرئيس دونالد ترامب حول وعوده الانتخابية الكاذبة، ومن بينها وعوده حول القضاء سريعاً على الارهاب، بما جعل كبريات الصحف الاميركية تصف بداية ولايته بالمتعثرة في الشرق الاوسط.

لكنّ ترامب المتعثر فعلياً في الداخل، يسعى الى صفقة كبيرة في الشرق الاوسط لاستثمارها داخلياً، وهو الذي يراهن على أنّ الظروف باتت ناضجة بمساعدة روسيا وبالشراكة معها.

وتهمس اوساط ديبلوماسية أميركية بأنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي سيحظى باستقبال مميَّز في واشنطن، سيسمع من ترامب رغبة اميركية بإقامة قاعدة عسكرية في جزيرتي تيران وصنافير المتنازع عليهما بين مصر والسعودية، على أن تعطيهما مصر لاحقاً للسعودية وفق ترتيبات معيّنة، فيما تتولّى السعودية تكاليف انشاء القاعدة العسكرية الاميركية التي ستكون مهمتها تأمين الممرات المائية وإبعاد طموح ايران وحتى روسيا من السيطرة على المنطقة. ولذلك تشير هذه الاوساط الى وعد اميركي لوليّ وليّ العهد السعودي بزيادة محدودة للدعم العسكري الاميركي في اليمن.

وفي موازاة ذلك، تعزّز روسيا من حضورها العسكري في سوريا من خلال قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية في حميميم اضافة الى وجود قاعدة تنصّت متطوّرة في درعا.

لذلك يعمل خبراء روس على تدريب وحدات حماية الشعب الكردي على اساليب الحرب الحديثة في عفرين، في ظلّ سعي كردي الى زيادة عديد المقاتلين من ستين ألفاً الى مئة ألف، وهو ما يعني ضمان نفوذ روسي قوي في هذه المنطقة في الشرق الاوسط بالتفاهم مع واشنطن.

وفي وقت يُكثر الاكراد من حديثهم حول نفوذهم في منطقة داخل نظام فيدرالي سيُعتمد لسوريا، عزّز الجيش الاميركي من تمركزه في منبج واضعاً حاجزاً بين مناطق نفوذ تركيا والاكراد، وكان معبراً حصول اول هجوم جوي اميركي- كردي مشترك قرب المنطقة.

في المقابل، اثارت اسرائيل مع الاميركيين سعي ايران الى امتلاك موقع لها عند الشاطى السوري، وأنّ ايران طلبت من الحكومة السورية الإذن لاستئجار قطعة ارض كبيرة عند شاطئ اللاذقية لمدة 50 سنة لانشاء قاعدة بحرية عليها.

وذكرت وسائل اعلام اسرائيلية أنّ نتنياهو أثار هذه المسألة مع الرئيس الروسي خلال لقائهما الاخير، مضيفاً أنّ لايران ما يناهز 1500 عنصر من «الحرس الثوري» في سوريا، فضلاً عن زهاء عشرة آلاف مقاتل شيعي مضافاً اليهم ثمانية آلاف مقاتل لـ«حزب الله».

وحسب وسائل الاعلام الاسرائيلية، ستصبح ايران قوة كبيرة عند الحدود مع اسرائيل، وخصوصاً في ظل سعيها لإنشاء مصانع تحت الارض السورية لتصنيع صواريخ دقيقة جداً.

وعلى رغم أنّ الاوساط الاميركية تعتقد أنّ روسيا وحدها قادرة على التزام ملف ايران في سوريا، لكنّ القمة الروسية – الايرانية الاخيرة أظهرت تعاوناً اكثر بين البلدين وتوقيع مزيد من الاتفاقات الثنائية.

لكنّ إدارة ترامب تبدو واثقة من أنّ تحجيم دور ايران عبر روسيا قد يكون في حاجة الى خطوات مساعدة في هذا الاتجاه، تبدأ من القضاء على دولة «داعش» في الرقة قريباً جداً، وتستكمل من خلال إنجاز تسوية اسرائيلية ـ فلسطينية تمنع ايران ومعها «حزب الله» من الامساك ببريق القضية الفلسطينية.

صحيح أنّ 25 في المئة فقط من اليهود الاميركيين صوّتوا لمصلحة ترامب، لكنّ العلاقات الاميركية – الاسرائيلية سجّلت تقدّماً أقله حتى الآن.

وفسّر كثيرون الخطاب الحماسي لنائب الرئيس الاميركي مايكل بنس امام منظمة «ايباك» بأنه يدخل في هذا الاطار. إذ قال بنس امام 18 الف يهودي اميركي أنّ ترامب يدرس جدّياً نقل السفارة الى القدس.

لكنّ بنس عدّد ثلاثة اهداف رئيسة للسياسة الخارجية للادارة:

1- منع ايران من الحصول على ترسانة نووية.

2- تعزيز العلاقات الاميركية – الاسرائيلية.

3- السعي الى اتفاق شامل بين اسرائيل والفلسطينيين.

وبالتالي يتبيّن أنّ نقل السفارة هو شرط لانجاز تسوية اسرائيلية ـ فلسطينية، وبدت الحكومة الاسرائيلية مستاءة من صرامة المطالب التي حملها موفد ترامب اليها حيث فضّل نتنياهو الاعلان عن رفض جزئي لها خشية الاصطدام بترامب.

كل ذلك يعني أنّ المنطقة امامها ضغطاً كبيراً خلال المرحلة المقبلة والاهم أنّ امام تحريك الواقع الامني اعتراضاً:

ـ «داعش» ستتحرك امنياً في كل مكان، وخصوصا في صحراء سيناء، ولمَ لا في لبنان.

ـ اسرائيل ستسهّل الشغب الامني لإسقاط مشاريع التسوية بينها وبين الفلسطينيين.

ـ في مخيم عين الحلوة في لبنان رصد لسعي التنظيمات الاسلامية الى توسيع دائرة نفوذها بالسيطرة على المخيم، ولاسرائيل مصلحة في ذلك، مرة لتفجير الجنوب، ومرة أخرى لدفع الجيش للدخول الى المخيم وإنهاء حق العودة، ما يعني تقاطعاً في المصلحة بين اسرائيل والتنظيمات المتطرّفة.

لكنّ الأخطر وجود معلومات عن نية التنظيمات المتطرفة تحريك كلّ المخيمات الفلسطينية في لبنان دفعةً واحدة في حال انفجار الوضع في «عين الحلوة»، وطبعاً اسرائيل ترحب بذلك.

وتحاول السلطة اللبنانية ضبط وضع المخيمات من خلال السلطة الفلسطينية، لكنّ النزاعات الداخلية لحركة «فتح» تمزقها وتجعلها عاجزة.

من اجل كل ذلك، لا بد من التيقظ.