IMLebanon

غياب التفاهم السياسي يجعل رحلة البحث عن قانون الإنتخاب شاقة وغير منتجة

غياب التفاهم السياسي يجعل رحلة البحث عن قانون الإنتخاب شاقة وغير منتجة

القوى السياسية ترتكز في مقاربتها لهذا الاستحقاق على النكد والكيدية

ما دامت المناخات الإقليمية والدولية غير مؤاتية لانتخاب رئيس فمن العبث انتظار معالجة أي ملف خلافي

صحيح أن وضع قانون الانتخاب على مشرحة اللجان النيابية المشتركة التي انطلقت في رحلة البحث عن قانون جديد يُشكّل نقطة ضوء في ظلمة التشريع والواقع السياسي العام، غير أن المناخات السياسية الموجودة لا توحي بأن هذا القانون من السهل أن يبصر النور، أو أن يصبح في قبضة اليد ما لم يُحط بتفاهم سياسي واسع ما زال بعيد المنال حتى هذه اللحظة.

وإذا كان قد حاول البعض في الجولة الأولى لاجتماعات اللجان الإيحاء بأن الأجواء جيدة وأنه من الممكن الحصول على تُصوّر مشترك حيال قانون جديد للانتخابات، فإنه سها عن باله بأن النقاش حول هذا الموضوع قد أخذ جولات وجولات من النقاش منذ ما قبل التمديد الأول للمجلس النيابي وبقي طبخة بحص، حيث أن أي فريق سياسي لم يبدِ أي مرونة أو استعداد للتراجع قيد أنملة عن مواقفه، وإلى الآن لم يتغيّر أي معطى سياسي من شأنه أن يبعث على الاعتقاد بإمكانية تبدّد الأجواء والذهاب في اتجاه التفاهم على قانون انتخابي في وقت قريب، اللهم إلا في حال طرأت تطورات جوهرية على المشهد الإقليمي أدت إلى حدوث تغييرات على مستوى الساحة السياسية.

وبغضّ النظر عن النتائج التي أفضت إليها الجولة الأولى من عمل اللجان إن لجهة الاتفاق على موعد جديد الاثنين أو حصر النقاش بأربعة اقتراحات قوانين ومشروع الحكومة، فإن مصادر نيابية رأت أن النقاش دار تحت سقف الحقد السياسي المتبادل عبّر عن نفسه بعدم الرغبة في الوصول إلى قانون يعبّر عن تطلعات النّاس وتمثيلهم، والعمل على وضع قانون على قياس البعض على جري العادة وهو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.

وفي رأي المصادر فإن الرئيس نبيه برّي رمى من وراء إعادة أمر قانون الانتخاب إلى اللجان المشتركة تقريب المسافات بين القوى السياسية وفتح قنوات تواصل في ظل الأفق الداخلي المقفل على كل شيء، غير أن هذه القوى يبدو أنها لا تريد التقاط هذه الإشارة وهي ماضية في توسيع رقعة الخلاف والحفاظ على المسافات المتباعدة من أجل إبقاء الوضع القائم الذي أنتج مجلساً نيابياً لا يُنتج، وجعل الشلل التشريعي يستوطن في البرلمان لسنوات، كل ذلك من منطلق أن غالبية القوى السياسية ترتكز في مقاربتها لأي ملف أو استحقاق خلافي على مبدأ الكيدية الذي حتماً لا يوصل إلا إلى الطريق المسدود.

وتؤكد المصادر أن قانون الانتخاب لا يقل أهمية عن الاستحقاق الرئاسي وأن كِلا الاستحقاقين يحتاجان إلى تفاهم سياسي واسع، وما دام هذا التفاهم غير متوافر فإن اللجان ستغرق في مناقشات عقيمة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، خصوصاً وأن اللجنة المصغرة كانت قد أخذت أكثر من شهرين من النقاش وكانت النتيجة صفراً، وهو ما حمل الرئيس برّي إلى عقد مؤتمر صحافي لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم من خلال إحالة الملف مجدداً على اللجان المشتركة آملاً بذلك عدم إغلاق الباب أمام النقاش وجعل قانون الستين أمراً واقعاً.

وترى المصادر أنه من العبث استمرار النقاش في الحلقة المفرغة والتفتيش عن صيغة موحدة لقانون انتخاب، لأنه ما لم يكن هناك من تفاهم سياسي يظلل هذه المناقشات نكون كمن يفتش عن «إبرة في كومة قش»، ونصل في نهاية المطاف إلى اعتبار القانون الحالي أفضل الممكن، ونقع في الدوامة ذاتها التي أنتجت انتخابات نيابية فاقدة للتمثيل الصحيح والمساواة، وكانت من أبرز الأمور التي أوقعت البلد في الأزمة السياسية التي حالت وما تزال دون انتخاب رئيس للجمهورية.

وتضيف هذه المصادر أنه ما دامت المناخات الإقليمية والدولية لا تساعد على إيجاد حلول للاستحقاق الرئاسي فإنه من الصعب الوصول إلى قانون انتخاب يحظى برضى كل الأطراف السياسية التي تعاني من انعدام الثقة في ما بينها، إضافة الى تأثرها بالعامل الإقليمي الذي يرخي بثقله على كل نواحي الحياة السياسية بدءاً بالاستحقاق الرئاسي وصولاً إلى أصغر ملف يُطرح، وأكبر دليل على ذلك الصيغة المتبعة في جلسات مجلس الوزراء حيث لا يوضع على جدول الأعمال أي ملف خلافي، وحصر البنود بالأمور العادية وذلك مخافة أن تُسقط هذه الخلافات آخر معقل مؤسساتي في البلد.

وتعتبر المصادر نفسها أن كل الملفات والاستحقاقات الداخلية باتت معلقة على حبل الانتخابات الرئاسية فإن حصل تفاهم على انتخاب رئيس، فإن باقي الملفات والاستحقاقات تنجز بسرعة البرق، باعتبار أن ملء الشغور الرئاسي سيتم حتماً على أساس تفاهم سياسي كبير، وهذا التفاهم ينسحب حكماً على ما تبقَّى من استحقاقات، وما دام انتخاب الرئيس متعذراً فهناك استحالة في وضع قانون جديد للانتخابات، أو الانطلاق مجدداً بالعمل التشريعي، وستبقى الأمور تحت سقف المثل القائل «تيتي.. تيتي، متل ما رحتي جيتي».