IMLebanon

مشاريع سدود «على الورق» والشح يطرق الأبواب …التنفيعات السياسية وتخاذل نواب بيروت حرموا العاصمة من المياه

Liwa2

لم يطرق اليأس باب فتحي شاتيلا الخبير الهيدرو جيولوجي بعد أكثر من 20 عام من السعي والمناشدات التي لم تلق آذاناً صاغية لإرواء بيروت الكبرى وأهلها بالمياه العذبة… ولكن شاتيلا وهو الأكثر حرصاً على الثروة المائية لخبرته العميقة بملفها والأشد غيرة على مصلحة منطقته بيروت بات أول العاتبين والناقدين لتخاذل الدولة ومسؤوليها بمن فيهم القيّمين على بيروت والمتحدثين باسمها.
قبل أن يشرع شاتيلا بشرح تفاصيل قضية المياه وأسباب غيابها عن بيروت يقول بحرقة «فقدت ثقتي بكافة المسؤولين، لا أحد يريد السعي لإرواء بيروت… فالجميع متواطئ وسياسيو بيروت متخاذلون».
شاتيلا لم يبنِ قناعته ببناء سد الدامور وجر المياه عبره الى بيروت على أفكار وأهداف غير معلنة إنما بناها على دراسات وافية ومتعدّدة، تثبت جدوى بناء سد الدامور الذي من المتوقع أن يؤمن نحو 97 مليون متر مكعب من المياه سنوياً وبكلفة أقل كثيراً من غيره من المشاريع اي نحو 153 مليون دولار.
شاتيلا الذي غاص في تفاصيل دراسات محلية ودولية توصّل الى نتيجة تكاد تكون أكبر خطر على بيروت من حرمانها من المياه وهي أن «مصالح السياسيين المناطقية والسياسية والمادية حرمت بيروت من المياه منذ عشرات السنين وحتى اليوم وهناك الكثير من الإستخفاف بمصالح العاصمة» داعياً أهالي بيروت الى «التحلّي بالوعي مخاطر ممارسات السياسيين ومخاطر السدود التي تقام باسمهم من دون أن ينتفعوا منها».
عزة الحاج حسن شيباني

 قصة إبريق الزيت
قصة المياه وجرها الى بيروت تعود الى عشرات السنين ولكن أحد أحدث فصولها بدأ في مطلع العام 2010 حين وضعت وزارة الطاقة والمياه دراسات لمشروع يقضي بتزويد بيروت الكبرى بكمية تبلغ 50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه نهر الليطاني المخزنة في بحيرة القرعون والمحولة إلى نهر الأولي، تبلغ أكلافه 370 مليون دولار أميركي.
وقد تم الإتفاق على أن يقوم البنك الدولي بتقديم مبلغ قدره 200 مليون دولار لتمويل هذا المشروع أما المبلغ المتبقي قدره 170 مليون دولار فستقوم مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان بدفع 140 مليون د. أ. ومبلغ 30 مليون دولار ستدفعه الدولة اللبنانية.
وبتاريخ 4/11/2010، تقدّم شاتيلا وبتوقيع 50 شخصاً من أهالي مدينة بيروت، بتقديم شكوى إلى لجنة الشكاوى في البنك الدولي، طالباً منها عدم الموافقة على تمويل هذا المشروع لأسباب عديدة، أهمها أن كمية المياه المنوي جرها والبالغ قدرها 50 مليون متر مكعب، لم تعد متوفرة، وان المشروع الأفضل لحل الأزمة المائية لمدينة بيروت هو تخزين مياه نهر الدامور الذي يمكن أن يرفد بيروت بكميات أكبر من المياه وخلال مدة قصيرة لا تتجاوز اربع سنوات وبأكلاف زهيدة.
وبعد أخذ ورد مع لجنة الشكاوى، قررت اللجنة بتاريخ 29/7/2011، تمويل مشروع تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الليطاني بمبلغ قدره 200 مليون دولار، بعد أن أكدت الوزارة لخبراء أرسلهم البنك الدولي إلى بيروت في مطلع العام 2011، بأن كمية المياه المتوفرة بصورة مستديمة تبلغ 50 مليون متر مكعب.
وبعد مرور حوالى شهرين من تقديم البنك المبلغ المذكور لتنفيذ المشروع، وافق مجلس الوزراء بموجب القرار رقم 2/2011 بتاريخ 11-10-2011 على استلام القرض المالي المذكور، كما اعلن ان كمية المياه المتوفرة لبيروت هي ضئيلة جداً وستنعدم خلال بعض السنين وان المشروع هو غير اقتصادي ولا يمكن تنفيذه!!
والنتيجة أن المياه بقيت الغائب الأكبر عن بيروت وضواحيها.
عقبات بسري وجنّة
لم تتوقف دراسات ومحاولات وزارة الطاقة غير المجدية عند هذا الحد ففي العام 2013 قررت وزارة الطاقة والمياه تنفيذ مشروعين اثنين يدخلان ضمن منظومة مائية كبيرة لتزويد بيروت الكبرى بالمياه هما سد بسري على نهر الأولي وسد جنة على نهر ابراهيم، تبلغ أكلافهما 1100 مليون دولار أميركي، إلا أن شاتيلا يرى أن هذين السدين ستصادفهما عقبات ومشاكل فنية ومالية قد تجعلهما لا يبصران النور.
وانطلاقا ً من المخاطر المحدقة بمشروعي بسري وجنّة دق شاتيلا ناقوس الخطر عدة مرات.
ومن أهم العقبات التي سوف تعرقل تنفيذ سد جنة بحسب شاتيلا هي شدة رشوح الطبقات الجيولوجية التي سيتم تخزين المياه فوقها بسبب تشققها وبسبب الفجوات المنتشرة فيها، لا سيما أن السد يبعد أكثر من 50 كيلومتراً من القسم الغربي لمدينة بيروت الذي هو بحاجة للمياه وأن أكلاف إنشائه وجر المياه لبيروت يجعل منه مشروعا غير مجدٍ إقتصادياً.
ويدعم شاتيلا كلامه بتقرير الفريق المائي الذي قام بوضع دراسة لموقع سد جنّة بتاريخ 3 حزيران 2012، أشار فيه إلى أن نسبة التسرّب عند بُحيرة السد تتراوح ما بين 35-52٪ وتبدأ من إرتفاع 800 متر وحتى 860 متراً، وان التسرب الأكبر هو ما بين 810 و820 متراً، والنتيجة أنه يستحيل تحديد نسبة التسرّب قبل إنشاء السد.
ولم ينسى شاتيلا سد بسري إذ أشار إلى أن الطبقات الجيولوجية التي سيُنشأ سدّ بسري فوقها تتكوّن من مواد دلغانية رملية ليّنة وغير متماسكة كذلك فإن هذا السد الذي يبلغ وزنه نحو 100 مليون طن، وسيجمّع مياه بوزن يفوق 100 مليون طن، يقع على مسافة لا تبعد أكثر من كيلومترين اثنين من فالق روم الزلزالي الذي ما زال ناشطاً.
أهمية الدامور
الحل النهائي بحسب شاتيلا هو سد الدامور وقد قام بدراسة مشروع عام 1996 يقضي بإقامة سد على نهر الدامور يبعد 6 كيلومترات فقط من مدينة بيروت كون الأوضاع التخزينية مثالية وفريدة من نوعها، ويمكن في المرحلة الاولى تخزين وجر 97 مليون متر مكعب سنوياً بواسطة سد يعلو 100 متر فقط وبتكلفة قدرها 153 مليون دولار أميركي أما في المرحلة الثانية فيمكن تخزين وجر 120 مليون متر مكعب سنوياً بواسطة سد يعلو 135 متراً وبكلفة 250 مليون دولار أميركي مقارنة مع اكلاف المنظومة المائية التي تزيد عن 1100 مليون دولار اميركي (المنظومة التي اعتمدتها الوزارة اي سدّي بسري وجنة) غير أن الوزارة قررت طي تنفيذ مشروع سد نهر الدامور لتلبية مصالح قوى سياسية تابعة لأحزاب نافذة.
السياسة وتعليق «الدامور»
وعن عدم الإكتراث بمشروع سد الدامور على الرغم من جدواه الإقتصادية والاستمرار بالسير بمشروع سد بسري أكد شاتيلا أن هناك تقاطع مصالح قوي بين متعهدين وسياسيين منتمين الى كبرى الأحزاب السياسية لاسيما حركة أمل والحرب التقدمي الإشتراكي وتيار المستقبل والتيار العوني وتصل حصص العمولات والسمسرات الى ملايين الدولارات.
وتتوزع بحسب شاتيلا مشاريع السدود سياسياً على أطراف نافذين، ويستفيد منها عدد من الجهات المعنية بمشاريع المياه، غُضّ النظر عن الدراسات المتعلقة بتخزين مياه نهر الدامور، رغم أن تنفيذ السدّ يوفر على المالية العامة أكثر من مليار دولار.
التعرفة الى ارتفاع
وإذ حذّر شاتيلا من الإستمرار بالسير في مشروعي بسري وجنة قال: إن المصيبة بعد المباشرة بمشروع بسري أن اهالي بيروت سيدفعون ثمن القرار الخاطئ اي انهم سيتحملون ارتفاع اكلاف مشروع سد بسري على نهر الاولي وسد جنة الذي تبلغ تكلفته 1100 مليون دولار بدل سد الدامور 97 مليون متر مكعب بتكلفة 153 مليون دولار وهذا يعني أن تعرفة المياه ستتضاعف في السنوات القليلة المقبلة في حال الإستمرار بمشروعي بسري وجنة.
اين فعاليات بيروت؟
وهنا أعرب شاتيلا عن استيائه من استهتار السياسيين بأزمة المياه فقال: لا احد من فعاليات بيروت تدعم مشروع سد الدامور وجميعهم منخرط في دوامة المصالح والتنفيعات.
وتابع آسفاً إن هناك خطط منذ عشرين عاماً تهدف الى حرمان بيروت من مياه نهر الدامور وأن مصالح السياسيين المناطقية والسياسية والمادية حرمت العاصمة وضواحيها من المياه منذ عام 1970 وحتى اليوم وهناك الكثير من الإستخفاف بمصالح أهالي بيروت.
وأضاف شاتيلا بحرقة «على فعاليات العاصمة وأهلها الى يعوا مخاطر ممارسات السياسيين ومخاطر السدود التي تقام باسمهم من دون أن ينتفعوا منها».
وأعرب عن فقدانه الثقة بنواب بيروت الذين يشهدون على الظلم والجور الذي يمارس على اهالي العاصمة وهم صامتون لا بل متواطئون.
وعن سبب لجوء الوزارة الى تنفيذ مشاريع مشكوك بنجاحها عزا شاتيلا السبب الى كسب تاييد شعبي تحديداً في سد جنة الذي أكسب الوزير آنذاك آلاف الأصوات.
كتاب الى سلام
وعن آخر المحاولات التي بادر بها شاتيلا لتأمين المياه الى بيروت وحمايتها من فساد المشاريع أكد توجيهه كتاب الى رئيس الحكومة الحالي تمام سلام «ولكن لم ألق جواباً حتى اللحظة»
وقد شمل الكتاب ملخص عن مشروع جنة والثغرات التي يتضمنها وملخص عن المشروع البديل أي سد الدامور ومما جاء في الكتاب إن الاموال التي سوف تستعمل لتنفيذ سد جنة هي تلك التي قامت مصلحة مياه بيروت بجبايتها خلال السنوات الماضية من اهالي مدينة بيروت. فهل يجوز استعمال هذه الاموال لتنفيذ مشروع سد جنة التي يبعد عن مدينة بيروت اكثر من 40 كيلومتراً، بدلاً من تنفيذ مشروع سد نهر الدامور المجاور لبيروت بأكلاف زهيدة وخلال مدة وجيزة لا تزيد عن اربع سنوات؟
وهل يمكن ان نلوم اهالي بيروت اذا امتنعوا عن تسديد فواتير المياه عندما يشاهدوا الاموال التي دفعوها لتحسين اوضاعهم المائية، تذهب لمساعدة مناطق اخرى بينما هم يعانون من العطش.
خلال العقود الماضية، اصبحت وزارة الطاقة والمياه مرتعاً للفساد واهدار الاموال العامة وذلك برضى وتوافق جميع الاحزاب التي تعاقبت على تسلم مقاليدها. امامكم الآن فرصة نادرة لوضع حد لهذه العربدة. فاتخاذ القرارات الصعبة تتطلب رجالاً لا يخشون قول كلمة الحق. ادعوكم للوقوف بجانب حقوق ابناء المدينة التي تحبونها. وسيسجل لكم التاريخ انكم كنتم اول من تصدى للمؤامرة المخططة لتعطيش اهالي بيروت.

لا قيمة لترشيد المياه طالما أن ثروتنا المائية تُهدر بسبب غياب السدود ونصائح قباني «كمن يعطي حبة أسبيرين
لمريض سرطان
تتوزع مشاريع
السدود سياسياً
رغم أن تنفيذ
سدّ الدامور يوفر
على الخزينة
مليار دولار

فضائح بالجملة

1- Blue gold يقف وراءه سياسيون ويشكّل أكبر خطر على الثروة المائية في لبنان لا سيما لجهة المشروع الذي تنادي به الجمعية أي بناء 14 سداً وربطهم مع بعضهم وهذا أمر مستحيل تقنياً بسبب فوارق الإرتفاعات والمسافات بين السدود ومن المرتقب أن تستكتب شركات لبنانية ودولية في المشروع بنحو 5 مليار دولار.
2-المهندسة المعمارية أ.غ. تشغل منصب رئيسة مصلحة المياه الجوفية والجيولوجيا في وزارة الطاقة كما ويشغل مهندس مدني مسؤولية المنشآت الفنية الخاصة بالسدود.
3 – وزارة الطاقة والمياه اليوم خالية من أي خبراء جيولوجيين أو هيدروجيولوجيين يمكن الاعتماد عليهم في ملف المياه الجوفية لاسيما السدود.
4- بعد منع وزارة الطاقة حفر الآبار وفي غياب السدود نشُط سوق الرشاوى في الوزارة إذ استمر حفر الآبار لكن عن طريق السماسرة الذين باتوا يجنون ملايين الدولارات.