IMLebanon

التكامل العربي: شرط التنمية وأمن المجتمعات

Port-of-Beirut

فراس أبو مصلح

الكيانات السياسية القائمة وأنظمتها «نمر من ورق»، تداعى «عند الاختبار»، قالت مهى يحيى، الباحثة في مركز كارنيغي، مشيرة إلى أن التكامل الاقتصادي العربي «سبيل أساسي للقفز فوق الواقع المرير» عبر مشروع اندماج ونهضة يؤسس له المشترك الحضاري.

تقدمت اتفاقيات تحرير التجارة بين البلدان العربية والكتل الاقتصادية غير العربية (كالاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة والسوق المشتركة لبلدان الجنوب) بوتيرة أسرع بكثير من اتفاقيات تحرير التجارة العربية البينية، «في ظل التزامات عميقة فرضتها تلك الترتيبات على الاقتصادات العربية، وأحكام تجارية تجاوزت في الكثير من الأحيان ما تفرضه الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف؛ وبرغم ذلك، ظلت الدول العربية ترفض تقديم تنازلات على المستوى العربي مماثلة لتلك التي قدمتها للأطراف الخارجية»، سواء في مجال تحرير تجارة السلع والخدمات، أو انتقال الأشخاص الطبيعيين، وإقرار قواعد تفضيلية للمنشأ، وتقليص العوائق الفنية والقيود غير الجمركية. ربما كانت تلك الإشكالية الرئيسية التي طرحها تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بعنوان «التكامل العربي: سبيل لنهضة إنسانية»، أو «الاندماج العربي: موجب للتنمية» بحسب عنوان النسخة الإنكليزية من التقرير، الذي يزعم معدوه تقديم «تحليل واقعي وجديد للتكامل العربي، يرمي إلى تقديم رؤية استراتيجية لتكريس التكامل العربي الفعال بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية».

«التكامل الاقتصادي هو عصب التكامل الشامل»، بحسب التقرير الذي يُجري قراءة لـ«التطلعات والخطط الطموحة (للتكامل) منذ منتصف القرن الماضي»، حيث أُبرمت اتفاقيات تخدم هذا الغرض، تحت ضغط «اعتبارات أمنية وسياسية وتجارية ومالية؛ لكن الدول العربية لا تزال تعاني تبعات قلة الالتزام» بالاتفاقيات تلك، كما «لم تُطرح بعد قضية التكامل العربي في إطار رؤية استراتيجية ومتكاملة للنهضة والتنمية الإنسانية»، ولم يجرِ «تطوير المؤسسات عبر الوطنية»، الأداة العملية لترجمة التوجه المعلن.

أقام مركز كارنيغي للشرق الأوسط يوم أمس حفل إطلاق للتقرير المذكور، بهدف إطلاق نقاش حوله، «استعداداً لانعقاد القمة الاقتصادية والاجتماعية العربية المقبلة في بداية عام 2015 في تونس، وفي ظل المناقشات الجارية حول تشكيل الاتحاد الجمركي العربي في إطار جامعة الدول العربية». قدمت مهى يحيى، الباحثة في مركز كارنيغي، الإشكالية موضوع التقرير، فتحدثت عن هشاشة في البنى الاجتماعية ـــ الاقتصادية وتهميش في الكيانات السياسية الناشئة من تقسيم أقاليم العالم العربي إلى «جغرافيا لا تعبّر عن المجتمعات»، حيث تقاطعت التحولات الدولية مع الهشاشة الداخلية للكيانات العربية لتجعلها «عرضة للاستباحة».

تحدثت الأمينة التنفيذية للإسكوا ريما خلف عن عقود من الزمن اتسعت فيها الهوة بين الفقراء والأغنياء، وزاد فيها القهر، ما مكّن الخارج من الاستباحة والنهب؛ كما تحدثت عن «أزمة ثقافية» تتجلى باستعار العصبيات الإثنية والمذهبية، مهددة كيانات دول «الاستقلال». خُمس العرب تحت خط الفقر، وثلثهم أمي، ومعدل بطالة الشباب منهم من الأعلى في العالم، ونساؤهم الأقل مشاركة في الاقتصاد، تقول خلف، مشيرة إلى أن «الاحتلال والتدخلات الأجنبية» في جذر هذه المشكلات، وتجلياتها الأكثر فجاجة ملايين اللاجئين والأطفال العرب الذين يتهددهم الجوع. «لا سبيل لتجاوز الأزمة إلا بنهضة شاملة»، تؤكد خلف، مشيرةً إلى أن أول أركان النهضة «حكم ديمقراطي صالح»، فتكامل اقتصادي يبدأ بتخفيف الحواجز أمام التجارة العربية البينية، وخفض كلفة النقل إلى النصف، ما من شأنه تحقيق وفر قدره 750 مليار دولار، وخلق 6 ملايين فرصة عمل.

التقرير «مرجعية لنهضة عربية حديثة» تستند إلى فيلسوف العمران ابن خلدون (ذي الرؤية الاجتماعية الشاملة جميع نواحي الحياة)، يقول الرئيس فؤاد السنيورة، مؤكداً أن التكامل ليس مسألة اختيارية، بل حاجة مصيرية. رأى السنيورة أن تجارب الوحدة في القرن الماضي انطلقت من أفكار رومنسية، طُبقت «بعجل» ودون الاستناد إلى قاعدة ديمقراطية، وأنها لم تكن مبنية على مراكمة المصالح الاقتصادية المشتركة، برغم معاصرتها لإنشاء السوق الأوروبية، حيث جرى الاحتكام «للعقل وإرادة الشعوب»! أدى تراكم الفشل إلى اليأس والاستسلام والتشرذم والفتنة، فـ«تناسينا أن ما يجمع أكثر مما يفرّق»، قال السنيورة، محملاً «الأنظمة العسكرية والأمنية» مسؤولية فشل التنمية، ما مثّل «انتكاسة كبرى للدولة الوطنية» ظهّرها «الربيع العربي». «على رواد العروبة أن يتحلوا بالواقعية»، وأن يضعوا نصب أعينهم تحقيق التكامل الاقتصادي و«ثقافة التنوع» كهدف استراتيجي للقرن الحالي، قال السنيورة.

تحدث عبد الله الدردري، مدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في الإسكوا، عن الاحتلال و«الهيمنة الأجنبية البشعة»، وعن منظومة من الإقصاء والتهميش تهيمن على العالم العربي على جميع الصُعُد السياسية والاقتصادية والثقافية منذ «الاستقلال»، ما يبقيه في حالة «انفعال» لا تسمح له بالتصدي لمخاطر «وجودية» كأمن المياه. يلفت الدردري إلى ضآلة الاستثمارات والصادرات العربية البينية، مؤكداً أنها أقل من التبادل التجاري بين دول أفريقيا ما دون الصحراء، وأن النفط يهيمن على الصادرات العربية غير المتنوعة وغير التنافسية، برغم أنه «يستبشر خيراً» بمستقبل بعض المنتجات. مؤشر تركّز الصادرات مرتفع جداً، ودول عربية غير نفطية تتدهور في هذا المجال، يحذر الدردري. اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية، التي تقضي بتحرير السلع ذات المنشأ العربي من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل، بقيت «نظرية»، يقول الدردري، مع بقاء قيود غير جمركية تبلغ نسبتها 30%، إضافة إلى لوائح استثناءات للسلع تبلغ نحو الألف في الجزائر.

يبدأ العمل على إنشاء اتحاد جمركي وإنشاء منطقة تجارة حرة عام 2015، بحسب الدردري، الذي يعدّ الأمر مطلباً جماهيرياً، يمثل الخطوات الأولى على طريق التكامل فالاندماج الاقتصادي. الأهداف التالية للمشروع هي استبدال العمالة الأجنبية بالعربية، وخفض كلفة النقل إلى النصف، يقول الدردري، شارحاً أن الإسكوا بنت نماذج اقتصادية، وأجرت محاكاة لتقدير آثار الخطوات تلك، أظهرت إمكانية زيادة الناتج العربي بأكثر من 3 نقاط مئوية، أي من متوسط 3% إلى حوالى 6.1% خلال خمس سنوات، وأظهرت أن «كل الدول والمجتمعات مستفيد صافٍ» من الإجراءات هذه (باستثناء سلطنة عُمان، «بسبب تنوع اقتصادها»!؟)، وأن معدل البطالة سينخفض 4.3%، من 10% إلى أقل من 6%، وذلك للعمالة الماهرة وغير الماهرة، ودائماً بحسب الدردري، الذي يؤكد أن «لا نهضة دون تكامل»، وأن لا أحد يطالب «بأي شيء يتجاوز مقررات القمم العربية».