IMLebanon

المصارف اللبنانية في العراق: ضربة حظ

Joumhouriya-Leb
انطوان فرح
في اواخر العام 2010، كان هناك ما يشبه السباق المحموم بين المصارف اللبنانية الكبيرة، للتوسّع في اتجاه سوريا، التي مثّلت في تلك الحقبة فرصة ذهبية للتواجد في سوق نامية وواعدة، وعلى وشك الانفتاح. وبعدما استكملت معظم المصارف الكبيرة انتشارها، بدأت المصارف المتوسطة تسعى الى نيل نصيبها من الكعكة.

وصودف ان أحد تلك المصارف حاول الدخول الى السوق السورية بالتزامن مع صدور قوانين جديدة قضت برفع حجم الرساميل المطلوبة للسماح بانشاء مصرف خاص. وقد سعت ادارة المصرف الى اقناع السلطات النقدية السورية في حينه باعفائها من تطبيق القانون الجديد على اعتبار ان طلب فتح مصرف والموافقة عليه تمت قبل صدور قانون زيادة الرساميل. لكن الطلب رُفض، واضطر المصرف المتوسط الحجم الى العدول عن مشروع التواجد في سوريا مُكرهاً. وبعد اشهر قليلة، وبعدما اندلعت الحرب في سوريا، بدت ادارة المصرف سعيدة، واعتبرت ان الحظ خدمها ونجت من «قطوع» تكبُّد خسائر باهظة.

هذا السيناريو قد يكون تكرّر هذه المرة في العراق، ومع كل المصارف اللبنانية التي باتت متواجدة هناك. وقد حاولت تلك المصارف أن تُقنع السلطات العراقية بتعديل بعض الأنظمة التي ترعى العمل المصرفي الخاص في البلاد من أجل اطلاق حرية المصارف، بما يسمح بتنمية الاعمال.

لكنها اصطدمت دائما بتعنّت السلطات العراقية، وعدم جهوزيتها لتلبية المطالب. وقد جرت المحاولة الأخيرة في هذا الاتجاه، قبل حوالي الشهرين، من خلال المؤتمر «المصرفي العراقي ــ اللبناني»، الذي عُقد في بيروت.

وعبّر عن هذا التوجّه رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل، الذي قال امام المؤتمرين، ما حرفيته: «أؤكّد أننا لم نذهب إلى بغداد وأربيل والبصرة من أجل الدخول في مناقصات العملات الأجنبية، فهذه عملية بطبيعتها محدودة والأرجح أنها أيضاً مؤقَّتة. نحن في العراق من أجل الصيرفة الشاملة».

وكان مُقدّراً أن تواصل المصارف اللبنانية الضغط في اتجاه إقناع السلطات العراقية بتعديل الانظمة، للسماح لها بالصيرفة الشاملة. لكن هذا الأمر لم يتحقق، ولا شك في أن المصارف التي كانت مستاءة من هذا الوضع، تشعر اداراتها اليوم بالارتياح، وتعتبر انها كانت محظوظة لأن السلطات العراقية، لم تسمح لها بالتمدّد في اعمالها، كما كانت ترغب.

في الواقع، تبدو الخسائر التي قد تتعرّض لها المصارف اللبنانية المتواجدة في العراق، بسيطة نسبياً، بعد اجتياح «داعش» لمناطق واسعة، ودنو البلد من حرب أهلية محتملة، بفضل محدودية النشاط الذي تمارسه هذه المصارف هناك. ويكاد عمل تلك المصارف ينحصر في تجارة العملات.

هذا النشاط لا يستوجب رساميل كبيرة، ولا يحتاج الى محافظ دسمة، وهو بطبيعة الحال لا يحقق أرباحاً مجزية. لكن المصارف كانت تأمل في تغيير هذا الوضع مع الوقت، بحيث تكون متواجدة في السوق، وتستفيد من قدراته في وقت مبكر، عندما يبدأ الانفتاح.

هذا الوضع الذي كان مصدر شكوى، صار اليوم موضع ارتياح. ولن تكون هناك مخاطر تُذكر في حال تفاقم الوضع الأمني اكثر في العراق.
لكن ضربة الحظ هذه، لا يمكن ان تكون مؤشرا على التفاؤل، ذلك ان المصارف اللبنانية التي تتمتع بحجم يفوق قدرة السوق المحلي على استيعابها، مُلزمة بالتوسّع خارج الحدود، لتأمين ايرادات اضافية تتماشى وحجم الاموال المكدسة لديها.

وهي تواجه اليوم معضلة الخيارات المحدودة في دول المنطقة. اذ أن الدول النامية التي تسمح للمصارف الاجنبية بالعمل لديها، صار معظمها مُصنفاً في خانة الدول المضطربة، اجتاحاتها الثورات والحروب، وهي لم ترسو على وضع ثابت بعد، كما هي الحال في سوريا، تونس، السودان، مصر وليبيا.

أما الدول الخليجية التي تتمتع باستقرار مُقنع، فان أنظمتها، ونمط اسواقها قياساً بمداخيلها المرتفعة، وحجم مصارفها، كل هذه الامور لا تسمح للمصارف اللبنانية بالتوسّع هناك، على غرار ما تستطيع أن تنجزه في الدول الأخرى.

وهنا تعود المعضلة الى نقطة الصفر: ما هي الاسواق الواعدة والآمنة نسبيا التي يمكن أن تتوسّع في اتجاهها المصارف اللبنانية؟

الجواب المنطقي، ان الاحتمالات شبه غائبة، والخيارات ضيقة الى أقصى الحدود. ومن هنا، تبدو الحاجة اليوم الى إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، اكثر الحاحاً.

وقد وعد رئيس الحكومة تمام سلام باعطاء هذا القانون الاولوية. واذا نجح في ذلك، ستكون السوق المحلية هي المُتنفّس الأهم، لتوظيف أموال المصارف في الداخل اللبناني، ويكون ذلك بمثابة إنجاز يخدم القطاع المصرفي، ويؤمّن للمواطن قطاعات خدماتية افضل بكثير مما هي عليه اليوم.