IMLebanon

خيارات صعبة تواجه المقرضين التقليديين

FinancialTimes

توم بريثوايت ومارتن أرنولد وتريسي ألووي

يستطيع وارن كاندرز أن يوقف رصاصة، لكنه يجد صعوبة في الحصول على قرض مصرفي.

يقول الرئيس التنفيذي لـ “سفاري لاند”، الشركة المصنعة للدروع والخوذات المستخدمة في مكافحة الشغب ـ مقرها فلوريدا ـ: إن محاولة الحصول على تمويل مصرفي أصبحت مؤلمة: “يوجد كثير من الناس الذين بإمكانهم أن يستخدموا الأموال لأغراض إنتاجية، لكن لا يمكن للبنوك إقراضهم بالطريقة التي اعتادوا عليها سابقاً. شخصياً، أعتقد أن هذا يعد سبباً قوياً في أن اقتصادنا لا يبلي بلاء حسناً على النحو الذي يجدر به”.

إنها شكوى شائعة ناجمة عن تداعيات طال عليها الأمد من أزمة عام 2008، جعلت البنوك تحجم عن الإقراض بسبب ميزانياتها العمومية الهشة جداً، أو لأن الأجهزة التنظيمية تعمل على إعاقتها.

في هذا الفراغ عززت مجموعة متنوعة من “بنوك الظل” أعمالها التي تعتبر أقل تأثرا بالقوانين التنظيمية، ما يطلق لها الحرية في الاستيلاء على الأعمال الجديدة. وسواء تمت هيكلتها كما هي الحال مع مديري الأصول، أو شركات التأمين، أو منصات النظير للنظير على شبكة الإنترنت أم لا، فإن هذه المجموعات جميعها تجد السبل التي تتيح لها أخذ أموال المستثمرين واستخدامها لتقديم الائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي.

فقد حصل كاندرز على تمويل لتوسيع تجارته من فرانكلين سكوير، أو مما تسمى “شركة تطوير الأعمال”، وهي سلالة من التمويل غير المصرفي تتزايد شعبيتها في الوقت الذي تكبح فيه البنوك جماح مخاطرتها.

وتجمع شركات تطوير الأعمال الأموال من المستثمرين الأفراد وتستخدمها للاستثمار في سندات الشركات في السوق الوسطى – حيث تستطيع تحسين عوائدها من خلال الديون، لكن يتم وضع حد أعلى لها يعادل مرة واحدا من حقوق الملكية، في حين أن البنوك تحتاج إلى 15 ضعفاً.

إن نمو هؤلاء الممولين البديلين يفرض خيارات معقدة على مؤسسات النظام المصرفي التقليدي، التي يضطر العديد منها إلى التنافس مباشرة مع “بنوك الظل” للحصول على العملاء وكبار الموظفين. والبنوك التي أصبحت الآن مقيدة بقواعد أكثر صرامة فيما يتعلق برأس المال والحدود العليا للمكافآت، غالباً ما تجد نفسها هي الطرف الخاسر.

لكن هناك أيضاً فرص مهمة للتعاون. وبالفعل يعقد مزيد ومزيد من البنوك صفقات مع صناديق التحوط وشركات التأمين التي تسمح للبنوك بتفريغ الأصول الخطرة وإعادة توزيع رؤوس أموالها نحو أعمال إضافية.

الأصل والظل

ظهرت المواجهة على السطح في البداية. غاري كوهن، رئيس “بنك جولدمان ساكس”، أعطى الدعم الكامل لهذا الموقف أثناء لقاء صناع السياسات وقادة الأعمال في “دافوس” في المنتدى الاقتصادي العالمي في 2011، وحذر في الوقت نفسه من أنه ستكون هناك مشاكل ومتاعب في المستقبل.

وقال: “أنت تطلب من نظام “بنوك الظل” الجديد أن ينمو بحجم أكبر وأكبر. المخاطر هي المخاطر، سواء كانت موجودة في كيان خاضع للتنظيم أم لا. قلقي هو أننا آخذون في دفع المخاطر بشكل أكثر وأكثر من قطاع خاضع للتنظيم إلى قطاع أقل تنظيما وأكثر غموضاً”.

ومنذ الأزمة المالية، ظهرت جميع أنواع الشركات الجديدة، لا سيما في لندن، لتقوم بدور البنوك مباشرة. فقد جمعت شركة “هايفين كابيتال مانجمنت” ملياري دولار لأحد الصناديق لإقراض المال للشركات الأوروبية المتوسطة الحجم. وتم تقديمه بالفعل لعشرات الشركات، بما في ذلك شركة “صن سيكر” لصناعة اليخوت وشركة “كور” المنتجة للوجبات الخالية من اللحوم.

إم آند جي، ذراع إدارة الاستثمارات لشركة التأمين برودينشال، استثمرت ملياري جنيه استرليني في عمليات اكتتاب خاصة بها – من خلال تقديم قروض مهيكلة على شكل سندات للطرح الخاص – وساعدت في تمويل شركات من بينها سلسلة محلات القهوة، كافيه نيرو. وقالت شركة “ليجال أند جنرال”، أكبر صندوق لإدارة التقاعد في المملكة المتحدة، في وقت سابق هذا العام: إنها تعتزم أن تحذو حذو إم آند جي وتبدأ بالإقراض للشركات البريطانية المتوسطة الحجم.

الأمن والسلامة

وهناك جدل نشط حول ما إذا كان هذا التحول يجعل النظام أكثر أمناً أو أكثر خطورة.

دان زويرن، الرئيس التنفيذي لآرينا إنفيستر، صندوق التحوط الأمريكي الذي يركز على الإقراض للشركات التي ليست لديها إمكانية الوصول إلى القروض المصرفية، يقول: “من الأفضل لهذا أن يتم دفعه بعيداً عن الميزانيات العمومية الخاضعة للقوانين التنظيمية”.

لكن مصرفيون يجادلون بأن الأجهزة التنظيمية تقوم بإجبارهم على الانسحاب من عمليات اتخاذ المخاطر، التي هي حيوية، وترك الاقتصاد الحقيقي يعتمد على البدائل الأكثر تقلباً، القائمة على آليات السوق، التي أثبتت عدم موثوقيتها بعد انهيار “بنك ليمان براذرز” في عام 2008.

وفي شباط (فبراير) من هذا العام قال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك “جيه بي مورجان تشيس”، للمساهمين: “سيكون هناك بنوك الظل. لكن الفرق بينها وبين “جيه بي مورجان” هو أننا بعد 17 أيلول (سبتمبر) 2008 كنا نقدم القروض إلى السوق المتوسطة. كنا نقوم بإقراض المليارات من الدولارات للمدن والمدارس والولايات والمستشفيات، في حين كانت أسواق (التمويل) لا تقوم بذلك. لقد تهربت الأسواق من القيام بذلك”.

الرفع المالي

سواء كان ذلك خيراً أم شراً، فإن التحول من البنوك العادية إلى بنوك الظل يمكن أن يشاهد في السوق المزدهرة، التي هي قروض الرفع المالي – أو القروض المقدمة للشركات التي يكون تقييمها الائتماني منخفضاً – حيث تحد الأجهزة المنظمة من قدرة البنوك على القيام بأخطر أنواع الإقراض.

واستمر المصرفيون في التحذير من أن القواعد الجديدة من المرجح أن تدفع قروض الرفع المالي إلى بنوك الظل، وحتى أبعد من قبل عن سيطرة الأجهزة التنظيمية. ويشيرون إلى أنه إذا كانت السلطات تشعر بالقلق حيال أسواق الائتمان المحمومة، فإن استهداف البنوك من غير المرجح أن يبرد نشاط السوق بشكل عام. وفي أحد الأمثلة الأخيرة على ذلك اضطر بنك “مورجان ستانلي” إلى التنازل عن موقعه باعتباره قائد ضمان الاكتتاب الرئيس على التمويل بالرفع المالي، لصالح شركة “جيفريز” غير المصرفية التي لا تخضع للقيود التنظيمية الجديدة، وذلك في عملية الاستحواذ على شركة “بريكمان” لأعمال البستنة.

ويقول مسؤول في أحد الأجهزة التنظيمية المالية في الولايات المتحدة: “هذا أحد الأمثلة التي يتحول فيها النشاط بشكل واضح جداً من القطاع المصرفي إلى القطاع غير المصرفي. والتحدي هو أن الاحتياطي الفيدرالي لا يملك أية سلطة على الأسهم الخاصة”.

تعاون وفوائد

رغم جميع الاعتراضات والتذمر، العديد من البنوك التقليدية تجني فوائد من ازدهار بنوك الظل التي توفر لها العملاء والتعاون.

ويقول جيمس جورمان، الرئيس التنفيذي لبنك “مورجان ستانلي”: “لا أعتقد أن (بنوك الظل) تقوم بعمل تلك الأشياء التي تعتبر سيئة. إن المجالات الرئيسة تدور حول الأسهم الخاصة وتداول الأصول المتعثرة. إنها تؤدي الأعمال التي يتم تقييد البنوك العادية عن القيام بها وتملأ ذلك الفراغ. أعتقد أنها صحية للبلاد”.

وفي حين أن بعض بنوك الظل تتنافس مع البنوك العادية على الأعمال نفسها، إلا أن بعضا آخر منها صنع معها علاقة عمل.

ففي المملكة المتحدة تعاون باركليز في وقت سابق هذا العام مع بلوباي لإدارة الأصول، وهي شركة مقرضة بديلة يملكها رويال بانك أوف كندا، لتقديم قروض للشركات البريطانية المتوسطة الحجم. بلو باي، التي جمعت 810 ملايين يورو لصندوقها الأول منذ عامين، ستمول الجزء الأكثر خطورة من القرض، لكنها ستحصل على حصة أكبر من الأرباح.

ويقول أنتوني فوبل، رئيس الإقراض الخاص في بلوباي، إن البنوك لا ترغب في احتواء جميع مخاطر الإقراض للشركات المتوسطة في السوق “لكنها تشعر بالقلق حيال فقدان قاعدة العملاء لتستولي عليها البنوك البديلة”، نظراً لأهمية الخدمات المساندة التي تقدمها، مثل التحوط وإدارة السيولة والرواتب.

حضور مصرفي

وفي الولايات المتحدة، يتنافس غاري شيفرز، المتخصص في إيجارات المعدات، عادة مع البنوك لإقراض المال للشركات الراغبة في تجهيز المكاتب بالأثاث والهواتف وأجهزة الكمبيوتر.

لكن – كما هي حاله مع غيره من المقرضين غير المصرفيين – لا يزال هناك أحد البنوك في الجزء الخلفي من هذه الصفقات. ويحصل شيفرز، الرئيس التنفيذي لشركة نافيتاس لييز، على تمويل من ويلز فارجو، أكبر بنك أمريكي من حيث القيمة السوقية، ومن صن تراست، وهو بنك إقليمي كبير مقره في أتلانتا.

وكما يقول: “قبل خمس سنوات لم يكن أحد يقوم بإقراض هذا القطاع. في هذه الأيام كثير من الناس يحاولون. نحن نتلقى عدداً كبيراً من الطلبات من البنوك في هذه المرحلة من الزمن”.

وتجربته تعتبر تذكيراً بأنه في كثير من الحالات، تعتبر عملية نقل الأصول والأعمال لقطاع مصرفية الظل غير مكتملة وتبقى البنوك معرضة لبعض المخاطر الائتمانية على الأقل. وفي كثير من الأمثلة البارزة، تتقاسم المصارف خطر محافظ قروضها مع المستثمرين مثل صناديق التحوط وشركات التأمين – بدلاً من بيعها بالكامل – للحد من متطلبات رأس المال التنظيمي.

جان بيير موستييه، رئيس بنك يونيكريديت الاستثماري، يقول: إن مثل هذه الصفقات “التي تلتزم بالحد الأعلى من رأس المال التنظيمي” تعتبر طريقة مفيدة من أجل “تحرير القدرات” للإقراض الجديد. ويضيف: “أنا أنظر إلى الأمر باعتباره عملية لإدارة المخاطر لضمان أن لدينا تعاملات مع قطاع معين ضمن شهية المخاطرة التي لدينا”.

دور المنظمين

ويواصل كل من الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة ولجنة بازل للرقابة المصرفية مراقبة الصفقات عن كثب.

ولا تزال الأجهزة التنظيمية حذرة بسبب الطريقة التي استعانت فيها البنوك بالهياكل القانونية المعروفة كقنوات (الأدوات الاستثمارية المهيكلة) على مدى الفترة التي سبقت الأزمة المالية، لخلط الأصول بعيداً عن الميزانيات العمومية وتجنب الرسوم على رأس المال. وعندما فقدت الأصول قيمتها تركت البنوك دون وجود رأس مال كافٍ فيها لتغطية خسائرها.

وأثناء التطورات المؤدية إلى الأزمة، كانت الأدوات الاستثمارية المهيكلة جزءاً من التعريف الضيق لمصرفية الظل التي شملت أيضا التوريق المالي و”سوق الريبو (عمليات إعادة الشراء)” حيث أقرضت المصارف من أصولها في مقابل تمويل قصير الأجل.

الآن، مع تراجع الحرس القديم لبنوك الظل، نشأ نوع جديد من جماعات الظل، ركزت في معظمها على الإقراض المباشر لملء الفجوات. وهناك الكثير من الشركات والكثير من مسؤولي الأجهزة التنظيمية، وحتى عدد غير قليل من المصرفيين سعداء بهذه الحقيقة. ويقول كاندرز الذي اشترى سفاري لاند من بي إيه إي سيستمز في عام 2012 واستحوذ منذ ذلك الوقت على أكثر الشركات التي تشمل منتجاتها للشرطة والجيش بدلات ضد قنابل المعارك وروبوتات: “يمكن للبنوك أن تذهب إلى حد معين لا تستطيع تجاوزه”.

ويقول إنه سعيد لاختياره لـ “محطة تسوق واحدة” من مقرض غير مصرفي بدلاً من محاولة تجميع التمويل من عدة بنوك، مضيفا بضجر: “في محاولة الاصطفاف للحصول على القروض المصرفية التي ترغب بها، يمكن أن يشتعل رأسك شيباً”.