IMLebanon

«أقزام» الشركات يجلسون على قمة الجبل النقدي

FinancialTimes
جيليان تيت

منذ عقد من الزمان، كان أمناء الخزينة هم الأقزام الخفية لعالم الشركات. كانوا يكدون في المكاتب الخلفية لإدارة التدفقات المالية والنقدية للشركة، لكنهم نادراً ما يظهرون في دائرة الضوء.

هذا الأسبوع قالت رابطة المحترفين الماليين: “تقليدياً، كانت دائرة الخزينة الناجحة هي التي تظل غير مرئية. إذا كانت تؤدي مهامها بنجاح (…) فإن الإدارة العليا لم تكن تعطي الأمر اهتماماً يذكر للدائرة”.

انظروا الآن كيف تغير الزمن. هذا الأسبوع أيضاً أصدرت وكالة “فرانس برس” مسحاً يجري مرتين سنوياً لأعضائها، يشير إلى أن أقزام الخزينة أولئك يتلقون مزيدا من الاهتمام من رؤسائهم. نحو 84 في المائة من المشاركين في الاستبيان يقولون: إن دورهم تغير بشكل ملحوظ في العامين الماضيين لأنه تم إقحامهم في المناقشات الاستراتيجية على نطاق أوسع. وبدلاً من مجرد إدارة النقد أصبحوا يبدون رأيهم حول قضايا مثل السياسة الضريبية، وعمليات الاندماج والاستحواذ، وإدارة سلسلة التوريد أيضاً. ويقول ثلاثة أرباع أمناء الصناديق: إن لديهم إمكانية وصول “قوية” و”ممتازة” للقاء كبار التنفيذيين، و83 في المائة يتوقعون أن يصبح دورهم أكثر أهمية في السنوات الخمس المقبلة.

هذا التغير ملفت للنظر تماماً بحيث أخذت الهيئات التجارية تتدافع للتجاوب معه. وعلى الرغم من أن وكالة “فرانس برس” معتادة على التركيز على المهارات التقليدية للخزينة، مثل محفظة الاستثمار، إلا أنها تركز الآن على التدريب على “القيادة” و”الاتصالات”. ويلاحظ كريغ مارتن، رئيس وكالة “فرانس برس”، أن “أمناء الخزينة يخبروننا بأنه في السنوات الثلاث إلى الخمس الماضية، قد تغير دورهم حقاً”.

وربما يبدو مغرياً رفض هذا واعتباره مجرد تجاعيد طفيفة لأنثروبولوجيا الشركات؛ أمناء الخزينة ليسوا الجنس الوحيد في قطاع الأعمال الذي شهد تحولا في المهمة التي انتدب إليها. وكما يلاحظ جون توس، أمين خزانة شركة “هانيويل”، فإن دور “مراقب حسابات” الشركة تغير أيضاً قبل عقد من الزمن في أمريكا، حين أدخل قانون “ساربانس ـ أوكسلي” قواعد محاسبية جديدة. لكن الاتجاه الحالي يعد علامة على حكاية أوسع.

أحد العوامل الدافعة لذلك هو أن أزمة الائتمان في عام 2008 أجبرت التنفيذيين على إيلاء المزيد من الاهتمام إلى المخاطر ذات الاحتمال المنخفض والتأثير الكبير. العامل الآخر هو الحال الغريبة للعالم المالي – كما يتضح ذلك من الإجراءات التي لم يسبق لها مثيل من البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي. ومنذ عام 2009، ارتفعت التدفقات النقدية للشركات، لكن كان الاستثمار منخفضاً ولم تقم الشركات بتسليم المساهمين الكثير من الأرباح. وحطمت تجمعات السيولة لدى الشركات الأمريكية رقماً قياسياً بلغ تقريباً تريليوني دولار في نهاية العام الماضي، أي بزيادة قدرها 50 في المائة عن مستواها في عام 2007، وفقاً لبيانات من استراتيجيات الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزينة.

وهذا يعني أن أمناء الخزائن يواجهون ضغوطاً متزايدة لتوزيع السيولة. لكن مع وجود أسعار فائدة في القاع، من الصعب العثور على العوائد. بالتالي يُطلَب من أمناء الخزائن “إجراء تقييم بالغ وتحسين مختلف الاستخدامات الاستراتيجية للنقد”، واستكشاف “البدائل التشغيلية مثل النفقات الرأسمالية، أو الاستحواذ، أو تطوير المنتجات”، كما يقول أليكس فيتنبرغ، وهو شريك في شركة “أوليفر وايمان” للاستشارات. ويضيف فيتنبرغ أنهم أيضا يميلون إلى “فرص الأعمال غير التقليدية مثل مالية المورد، أو إقراض النظير للنظير، أو ولاء العملاء واستراتيجيات الدفع”. ويطلب من أولئك الأقزام أن يصبحوا بارعين بشكل كبير. ويتم النسخ على نطاق واسع للتكتيكات غير التقليدية من قبل شركات مثل شركة “فايزر” و”أبل” للتعامل مع النقد المحاصر (في الخارج) أو إدارة ميزانياتهم العمومية.

هل تسليط الضوء هذا على أمناء الخزائن يعتبر أمراً جيداً؟ نعم، إذا كنت تؤمن بأنه يجب على الشركات أن تتبع نهجاً أكثر تكاملاً في إدارة شؤونها – أو إذا كنت أمين خزينة أو مستشار إدارة طموحا. لكن لا ينبغي لأحد أن ينسى أن هذا الاتجاه هو أيضاً نتيجة طبيعية للعالم المالي المشوه بشدة. لو كان لأمريكا قانون حول ضرائب الشركات أقل سخفاً من القانون الحالي، ستكون هناك حوافز أقل لألعاب المراجحة. وإذا شعر التنفيذيون بثقة أكثر إزاء الآفاق الاقتصادية، فإنهم سيستخدمون قدراً أكبر من أموالهم للاستثمار في المصانع والموظفين. ربما هذا مجرد مرحلة عابرة (ما يثير الاهتمام والفضول هو أن بيانات وكالة “فرانس برس” تشير إلى أن أكوام السيولة للشركات الأمريكية تنمو الآن بوتيرة أبطأ من العام الماضي). لكن طالما أن البنوك المركزية لا تزال تنخرط في التجارب النقدية غير التقليدية سيكون أحد التأثيرات الجانبية أن أمناء خزائن الشركات المساهمة سوف يواجهون ضغوطاً ليصبحوا أكثر “إبداعا”. الأفضل هو فقط أن نأمل بألا ينتهي الأمر بهؤلاء الأقزام إلى التخلي عن الحذر في هذه الأثناء. إذا كان الأمر كذلك، يمكن أن ينتهي المطاف بهم أن يصبحوا على مرأى من جميع الناس في المستقبل، ولكن لجميع الأسباب الخاطئة.