IMLebanon

قطر تمول موازنتها العامة في 2030 من خارج قطاع الهيدروكربونات

fana

أفاد تقرير لوكالة “قنا” القطرية الذي ينشر ضمن الملف الاقتصادي لاتحاد وكالات الانباء العربية (فانا)،ان دولة قطر تبذل جهودا حثيثة لتنويع اقتصادها بعيدا عن المخاطر التي يفرضها الاعتماد على قطاع واحد والتحول من التركيز على القطاع الهيدروكربوني إلى مساهمة كبيرة وفاعلة للقطاعات غير النفطية بما يعنيه ذلك من قوة أداء وتنافسية وقدرة على تحقيق النمو المستدام.

وأوضحت نشرة الآفاق الاقتصادية لدولة قطر 2013-2014 الصادرة عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء، أن معدل النمو في الاقتصاد غير الهيدروكربوني سيصل الى ما نسبته 10.3 في المائة هذا العام ارتفاعا من 9.8 في المائة عام 2013.

وتؤكد النشرة أن المحرك الأساسي لهذا النمو هو النشاط الكثيف الذي تعرفه قطاعات الصناعة والبناء والتشييد والخدمات وارتفاع عدد السكان، وحجم الإنفاق المالي الضخم البالغ حوالي 210 مليارات دولار والمقرر تنفيذه خلال الفترة من 2014 – 2021، وفقا لصندوق النقد الدولي، والمتوقع أن تمول الموازنة الحكومية ما يقرب من 160 مليار دولار منه.

ومع هذا النمو في المكونات الرئيسية للقطاع غير الهيدروكربوني يتوقع أن تنمو حصته في الناتج المحلي الإجمالي من /9ر49/ بالمائة هذا العام إلى /2ر57/ بالمائة في عام 2016 وهو ما يجعل دولة قطر دخلت بالفعل مرحلة جديدة من التنويع الاقتصادي باتجاه هدف تمويل معظم موازنتها العامة من دون الاعتماد على إيرادات الغاز والنفط مع حلول العام 2020 وتمويلها بشكل كامل من مصادر غير هيدروكربونية بحلول العام 2030.
وتأخذ هذه الحقيقة بعدا أكثر واقعية بالعودة إلى الأرقام المسجلة للأعوام القليلة الماضية والتي تبين أن حصة القطاع غير الهيدروكربوني في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للدولة ارتفعت من 40.4 في المائة في العام 2005 إلى 43.2 في المائة عام 2012 وفقا لوزارة التخطيط التنموي والإحصاء، ثم إلى 45.6 في المائة عام 2013 مع توقعات بأن تصل 50.8 في المائة في نهاية هذا العام.

ولفت التقرير الى ان المرتكز الأساسي في هذا التحول هو رؤية قطر الوطنية 2030 التي حددت دعامتها الاقتصادية ثلاثة أهداف مترابطة تسعى من خلالها إلى استدامة مستوى معيشة عال، وتوسيع القدرات الإبداعية وريادة الأعمال وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي.

وتعرف تلك الرؤية الاستدامة بأنها تلبية احتياجات الجيل الحالي دون المساس باحتياجات الأجيال المقبلة من خلال إحراز تقدم في ثلاثة اتجاهات متوازية ومترابطة يعزز بعضها بعضا هي توسيع قاعدة الإنتاج في اقتصاد يشهد ازديادا في عدد السكان، وحرص الحكومة على الاستقرار الاقتصادي وتعزيز الكفاءة، إضافة إلى العمل مع القطاع الخاص على تنويع الاقتصاد وتشجيع ثقافة الاكتشاف والابتكار.

وأمام توسيع قاعدة الإنتاج في عدد من القطاعات الإنتاجية إلى أقصى مدياتها (77 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا) واستثمار أكثر من 40 مليار ريال لزيادة كفاءة الحقول النفطية (بو الحنين البحري إلى ضعف مستوياته الحالية مثلا)، تركزت الجهود بموازاة مع ذلك على تنويع الاقتصاد القطري بغية خلق المزيد من الوظائف والفرص للأجيال القادمة، وجعله أقل عرضة لدورات الازدهار والكساد في أسعار النفط والغاز الطبيعي وتعظيم الإيرادات من الأنشطة غير الهيدروكربونية بما يؤدي إلى تحولات هامة في ثقافة ومؤسسات المجتمع القطري.

ولأن التنويع الاقتصادي يعني ضمن ما يعنيه استحداث صادرات ومصادر غير هيدروكربونية للإيرادات، ويعني ضمنا تقليص ما للقطاع العام من دور قيادي في اقتصاد قطر بتعزيز نمو القطاع الخاص، فقد عمدت الدولة إلى تطبيق سياسات تنموية تهدف إلى بناء اقتصاد تقل فيه هيمنة الموارد الطبيعية ويحقق الاستقرار والنمو المنشود.

وأشار تقرير قانا الى ان أهم الآليات التي مكنت دولة قطر من تفعيل سياسة التنويع هي توسيع مساهمة القطاع الخاص في عملية التنمية، والتوظيف الجيد لموارد النفط والغاز في الإنفاق على تنمية القطاعات الاقتصادية الواعدة وتوفير المناخ الملائم لجذب الاستثمارات، وإنشاء المناطق الاقتصادية والحرة، وتكوين شراكات إستراتيجية مع الشركات العالمية متعددة الجنسية، وتحديث القوانين والتشريعات، والعمل على تكوين كوادر وطنية فاعلة.

إضافة إلى ذلك، أسهمت آليات أخرى بفاعلية في تنويع مصادر الدخل كالصندوق السيادي لدولة قطر والتطوير المتنامي لمشاريع البتروكيماويات، والشركات المساهمة العامة والخاصة، وفوق كل هذا المناخ العام المستقر الذي عملت من خلاله تلك الآليات من عوامل سياسية داخلية وخارجية، وطفرة اقتصادية تعيشها الدولة أدت لارتفاع معدل النمو.

ولقد تردد صدى هذه السياسة في العديد من المبادرات التي اعتمدتها الدولة، واقعا ملموسا، للوصول إلى اقتصاد تنافسي متنوع حيث استثمرت وشجعت على زيادة استثمارات القطاعين الخاص والأجنبي في قطاعات لا ترتبط بالطاقة مثل الخدمات المالية والصحة والتعليم والرياضة والسياحة المرتبطة بنشاطات الأعمال.

وتضمن بعض من أهم هذه التطورات في السنوات الأخيرة زيادة التمويل والتحويل لبنك قطر للتنمية للمساعدة في تطوير القطاع الخاص حيث زادت الدولة، وهي المساهم الوحيد في بنك قطر للتنمية في 2008، رأس ماله من 200 مليون ريال إلى 10 مليارات ريال من أجل تعزيز نمو القطاع الخاص في الدولة بما يتوافق مع رؤية قطر الوطنية 2030.

ويقدم بنك قطر للتنمية مجموعة واسعة من الخدمات والمنتجات تتنوع بين خيارات تمويلية مختلفة ودعم استشاري وإرشادي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في ما يتعلق بإنشاء ونمو وتوسعة أنشطتها وكذلك خدمات التصدير من أجل تعزيز الصادرات من قطر إلى الأسواق الدولية.

وفي هذا السياق (دعم القطاع الخاص) أطلقت دولة قطر جهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، لزيادة نسبة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل حوالي 15 في المائة فقط من الاقتصاد القطري، من خلال تقديم المنح على أساس الأداء، وفرص للشركات الوليدة.

وتدعم شركة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة “قطر للمشاريع” التابعة له، هذا القطاع من خلال تهيئة بيئة خصبة لنموه وازدهاره، وتهدف الشركة التي تأسست عام 2011 لرعاية وتحفيز نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحديد المهارات اللازمة لتفعيل النمو الاقتصادي، والمساعدة على إنشاء جيل جديد من رواد الأعمال على الساحتين المحلية والعالمية.

وتقدم باقة متكاملة من البرامج التعليمية والخدمات الاستشارية التي تسعى لبناء وصقل المهارات الإدارية للعملاء، وتعمل اضافة الى ذلك، مع الهيئات الحكومية والقطاع الخاص لتسويق خدمات ومنتجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتغلب على التحديات والحواجز التي تحول دون تطورها وازدهارها.

ومع اضطلاعها بأرقى الخدمات الاستشارية والتعليمية والبحثية، لمساعدة رواد الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة على تحقيق الأهداف المنشودة، تواكب مسيرة الدولة للتحول إلى اقتصاد متنوع مبني على العلم والمعرفة، من خلال توفير المناخ الأمثل لهذه المشاريع حتى تنمو وتزدهر.

أما شركة المناطق الاقتصادية “مناطق” وهي ذراع آخر للجهاز، فتستهدف إيجاد حلول مناسبة لتطوير الصناعات والاستثمارات الوطنية للشركات الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص وتهيئة بيئة اقتصادية مستدامة تدعم الأنشطة الاقتصادية المختلفة وتساهم في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030 عبر تنويع الاقتصاد القطري.

وتغطي المناطق الاقتصادية الجديدة مساحة تعادل 50 كيلومترا مربعا وتتوزع على ثلاث مناطق، الأولى بمساحة (4 كيلومترات مربعة) للخدمات اللوجستية، والثانية بمساحة (12 كيلومترا مربعا)، والثالثة بمساحة (34 كيلومترا مربعا) وتهدف للتركيز على دعم الصناعات البتروكيماوية والتحويلية.

وتوفر هذه المناطق الثلاث بيئة مثالية لتطوير عدد من الصناعات الحيوية وذلك لمواقعها المتميزة بالقرب من مطار حمد الدولي الجديد وميناء الدوحة.

ولأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة غالبا ما تعاق بسبب النقص في ثلاثة شروط مهمة للنمو والازدهار هي التمويل وخدمات تطوير الأعمال التجارية وإتاحة الوصول إلى أسواق التجارة ورأس المال، تعمل “صلتك” وفق إطار عمل من ثلاث ركائز لتزويد تلك المشاريع بإمكانية الوصول لما تحتاجه من أجل النمو والازدهار في الاقتصاد العالمي التنافسي الحالي.

وتوجه “صلتك” معظم برامجها في قطر من خلال مركز بداية لريادة الأعمال والتوجيه المهني وتتشارك مع عدة منصات استثمارية محلية وخارجية لتزويد المشاريع الصغيرة والمتوسطة برأس المال وخدمات تطوير الأعمال التي تشتد الحاجة إليها وللمساعدة في حفز الصناعات المولدة للوظائف. وقد ترافق مع هذه الجهود اعتماد الدولة خلال الفترة الأخيرة فقط، برنامجا استثماريا طويل الأجل تطرح من خلاله سلسلة من الأسهم لعدد من الشركات المملوكة للدولة (قطر للبترول) للاكتتاب العام لصالح المواطنين وقدرت قيمة الطرح بحوالي 50 مليار ريال على مدى عشر سنوات تقريبا، وكانت شركة “مسيعيد” للبتروكيماويات القابضة المرحلة الأولى ضمن هذا البرنامج.

وذكر تقرير فانا ان الدولة القطرية أعلنت مؤخرا عن مشاريع لتحفيز القطاع الخاص تمثلت في “أسواق الفرجان” التي تهدف إلى تعزيز نمو القطاع التجاري والخاص، ودفع عجلة النمو الاقتصادي بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية لعام 2030 في إيجاد بيئة اقتصادية متنوعة ومستدامة حيث يتم لأول مرة تشييد أسواق تجارية على أراض حكومية بمساحات مختلفة وفي مناطق سكنية متفرقة.

ومنذ أيام فقط أعلنت الدولة عن إطلاق كل من “جمعية المزارعين التعاونية” و”جمعية الصيادين التعاونية” لدعم وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في مشاريع الأمن الغذائي، وتوفير التسهيلات والضمانات اللازمة له، بغية رفع نسبة الاكتفاء الذاتي.
وأطلقت مشروعا لتطوير مناطق التخزين للقطاع الخاص يهدف إلى بناء مناطق تخزينية مناسبة بمواصفات ومعايير معتمدة وآمنة وسد الفجوة بين العرض والطلب على خدمات التخزين وتأمين الخدمات اللوجستية الفعالة للقطاع الخاص بما فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة وبأسعار تنافسية، هذا بالإضافة إلى 30 مشروعا صغيرا ومتوسطا في قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة باستثمارات تبلغ 562 مليون ريال.

وفي منحى آخر من مناحي التنويع، أطلقت حكومة دولة قطر سنة 2005 مركز قطر للمال لجذب شركات الخدمات المالية بغية تطوير هذا القطاع وإرساء بيئة أعمال ترتقي إلى العالمية عبر توفير منصة داعمة للنمو المحلي والإقليمي والدولي.

ويضم المركز أربع هيئات مستقلة من بينها هيئة مركز قطر للمال والهيئة التنظيمية وتعرف بهيئة تنظيم مركز قطر للمال والمحكمة التجارية والمدنية (الابتدائية ومحكمة الاستئناف) ومحكمة التنظيم.

وتتمتع الشركات المرخص لها من قبل مركز قطر للمال ببيئة مواتية لمزاولة أنشطتها وفقا للمعايير العالمية كالأسس والمبادئ التنظيمية والنظام الضريبي التنافسي وتسمح هذه الميزات للشركات بالعمل على المستوى المحلي والدولي، وبتملك الأجانب فيها بنسبة 100 في المائة، مع إمكانية تحويل جميع الأرباح المتحصلة إلى خارج قطر.
وفي إطار حزمة سياسات التنويع الاقتصادي وكواحد من أهم مدخلاتها، تم تنفيذ استثمارات ضخمة في قطاع التعليم (المدينة التعليمية) وقطاع الصحة (مركز السدرة للطب والبحوث) حيث خصصت قطر نسبة 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدعم المبادرات البحثية.

وتشمل هذه المبادرات مؤسسة قطر، التي توسع فرص الحصول على التعليم وتدعم المؤسسات القائمة على المعرفة، وواحة العلوم والتكنولوجيا وهي بيئة مبتكرة متعددة التخصصات تشجع التعاون لعبور حدود البحوث التقليدية ومثال واضح على السياسات الموجهة نحو التنويع الاقتصادي ورفع الكفاءة الاقتصادية وتنشيط الاقتصاد القائم على المعرفة.
وتوفر الواحة مقار لشركات التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم وخلق فرص للعلماء وأصحاب المشاريع القطريين وتعمل بنظام المناطق الحرة، فتقدم بذلك كل التسهيلات لاستقطاب الراغبين في إقامة شركات متخصصة في المجالات التكنولوجية على أرض دولة قطر، وتتعدد الأنشطة داخلها بين تطوير التكنولوجيا والأعمال التجارية ذات الصلة.

ولا تقتصر مزايا العمل بالواحة على تأسيس شركات محلية أو فروع لشركات أجنبية بل تتعدى ذلك إلى تملك الأجانب بنسبة 100 في المائة فضلا عن حرية التجارة دون الحاجة إلى وكيل محلي أو كفيل وتعيين موظفين أجانب والإعفاء الضريبي واستيراد البضائع والمعدات والأدوات وإدخالها إلى المنطقة الحرة دون فرض رسوم وحرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح إلى الخارج دون قيود.

وفي ملمح آخر من ملامح سياسة التنويع التي تنتهجها الدولة، تم تعزيز مكانة قطر باعتبارها جهة سياحية مرموقة من خلال الاستثمار في البنية الأساسية وتنفيذ مؤتمرات الأعمال الرئيسية والأحداث الرياضية الهامة، وتظهر الأرقام الصادرة عن الهيئة العامة للسياحة النمو المتواصل في قطاع السياحة القطري حيث استطاعت تحقيق تحسن ونمو في جميع المؤشرات الرئيسية لقطاع السياحة كما ارتفعت أعداد السائحين من المنطقة والعالم وترافق ذلك مع ارتفاع نسبة إشغال الفنادق إضافة إلى ارتفاع عائداتها الإجمالية.

وتلعب الهيئة دورا رئيسيا في تنسيق تطوير قطاع سياحي مستدام في قطر وزيادة مساهمة قطاع السياحة في اقتصاد وطني متنوع وقد أسهمت مجموعة متنوعة من الفعاليات والنشاطات التي شهدتها قطر وزيادة الحملات الترويجية في دول المنطقة والعالم عن قطر كوجهة سياحية في نمو قطاع الترفيه.

كما يعتبر جهاز قطر للاستثمار وهو صندوق الثروة السيادي لدولة قطر الذي تأسس في العام 2005 لتعزيز اقتصاد دولة قطر من خلال تنوع العمل الاستثماري وبناء إدارات جديدة للأصول، مدخلا هاما من مدخلات التنويع الاقتصادي بالدولة حيث يهدف لأن يكون مركزا دوليا ماليا واستثماريا رئيسيا في المنطقة. وقد نفذ استثمارات في جميع أسواق المال الرئيسية فضلا عن أحدث الأسواق الناشئة، بجميع أنحاء العالم وذلك في قطاعات مختلفة تشمل الفئات المالية المدرجة والممتلكات والأصول البديلة والأسهم الخاصة.

وختم التقرير: هذه ملامح من الصورة وليست بالتأكيد هي كلها، ومع ذلك يجب القول انه رغم كل الجهود لتعزيز ورفع درجة التنويع الاقتصادي وتحقيق النمو في القطاع غير النفطي، ما زالت بعض المؤشرات الإحصائية تعكس استمرار اعتماد الاقتصاد القطري على الغاز والنفط، ومنها ارتفاع نسبة إيراداتهما من الإيرادات الحكومية الفعلية، وارتفاع نسبة الصادرات منهما من جملة الصادرات السلعية.