IMLebanon

بين تفجير سيّدة النجاة وأبو عدس ولواء أحرار السنّة! (بقلم طوني أبي نجم)

liwa2-ahrar-sunna-baalbeck

 

نعم للبنانيين ذاكرة حيّة.

ذاكرة لا يمكن أن تكون انتقائية كما يحلو للبعض أن يتمناها، بل هي ذاكرة حيّة لا تنسى أهمّ المحطات التي مرّ بها لبنان. وهذه الذاكرة تعمل بشكل مكثف في ظل ما نعيشه في هذه المرحلة الدقيقة من عمر لبنان والمنطقة.

فليس بريئاً على الإطلاق أن يولد حساب على تويتر باسم “لواء أحرار السنّة في بعلبك” يتبنى العمليات الانتحارية وغيرها التي تقع من دون أن يكون له وجود فعلي على الأرض، كما يتولى إثارة النعرات الطائفية من خلال افتعال تهديد المسيحيين من خارج أي سياق للأحداث التي تجري في محاولة سافرة لـ”أبلسة” الطائفة السنية في عزّ المعركة التي تخوضها إيران ضد السنّة من الخليج العربي الى مصر، مرورا بالعراق وسوريا ولبنان!

واللبنانيون مجرّبون عبر تاريخهم، فهم خبروا الأدوار المخابراتية التي كان يتم إدراجها تحت ما يُعرف بـ”الطابور الخامس”. ولا حاجة بنا للعودة الى التاريخ القديم لأن في التاريخ الحديث أمثلة وشواهد أكثر من معبّرة. ففي 27 شباط 1994 تم تفجير كنيسة سيدة النجاة في زوق مكايل بعملية استخباراتية تحمل بصمات واضحة. والأجهزة التي وقفت وراء العملية عملت على محاولة السيطرة على الرأي العام من خلال ضخّ كميات كبيرة من المعلومات المزورة والأفلام المركبة لاتهام “القوات اللبنانية” بتفجير الكنيسة وصولا الى حلّ الحزب واعتقال قائده.

ويذكر اللبنانيون كيف أن السلطة السياسية التي كان يسيطر عليها الجهاز الأمني السوري- اللبناني عمدت الى حجب الأخبار والبرامج السياسية عن التلفزيونات والإذاعات من أجل تسهيل تركيب الأفلام. كما يذكر اللبنانيون “الضحية” جريس الخوري الذي عملت الأجهزة على تركيب كل الاتهامات حوله من أجل الإيقاع بـ”القوات اللبنانية”، ليتبيّن لاحقاً أنه بريء وأن لا صلة أساساً تربطه بـ”القوات”!

في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان لا بدّ من جريس الخوري آخر، فكان اسمه أبو عدس، مع فارق وحيد تمثل في أن جريس الخوري لم يمت بل صمد في زنزانة وزارة الدفاع رغم كل العنف الذي مورس بحقه. أما أبو عدس فكان مصيره قاتماً بعد الإيقاع به ودفعه الى تسجيل فيديو في محاولة لتضليل التحقيق في قضية اغتيال الحريري منذ اللحظات الأولى التي أعقبت الجريمة.

وبعد 20 عاماً على جريمة تفجير كنيسة سيدة النجاة، وبعد 9 أعوام على اغتيال الحريري يبدو أن ثمة مُخرجاً نصبت مخيلته ولا يزال يعتمد الطريقة نفسها في تركيب الأفلام، مع فارق أساسي وهو أن تكنولوجيا الاتصالات تطوّرت وخصوصا مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يعد قادراً على منع الأخبار والبرامج السياسية، لكنه في الوقت نفسه استفاد من انتشار هذه المواقع فلم يعد يحتاج الى “ضحية” تلعب دور بطولة في الفيلم الذي ينتجه، وبات بإمكانه استخدام مجرد “حساب- شبح” على موقع تويتر لمحاولة تحقيق الهدف نفسه: السعي الى تضليل الرأي العام وإقناعهم بحقيقة مزيّفة وغير موجودة.

هكذا وُلد حساب “لواء أحرار السنّة في بعلبك” على موقع تويتر ولأجندة واضحة جداً: تحميل الطائفة السنيّة مسؤولية جرّ البلد الى فتنة مذهبية يخطط لها فعلياً النظام الأسدي وينفذ “حزب الله” عملياً أجزاء كبيرة من هذه الخطة سواء بقتاله في سوريا أم في العراق.

لكن التطوّر الحاصل والذي بات يجعل من المستحيل قمع الرأي المخالف أو فرض بروباغاندا غبية على الرأي العام، هذا التطوّر مضافاً الى يقظة الرأي العام وذاكرته الحيّة أسقط سيناريو “لواء أحرار السنّة”، تماماً كما أسقطت جهود شعبة المعلومات في الـ2005 سيناريو أبو عدس وكما أسقط إيمان المسيحيين بقضيتهم ووقفة بطريركهم يومها مار نصرالله بطرس صفير أهداف سيناريو تفجير الكنيسة.

وما وقوف اللبنانيين اليوم بمختلف أطيافهم لتأكيد أنهم يرفضون الإرهاب تماماً كما يرفضون مخرجي الأفلام الهوليودية ومفبركي التحقيقات والملفات والمحاكمات ومحركي الحسابات الوهمية سوى تأكيد على أن “المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”، وعلى أنهم إذا لم يكونوا متحدين سيندمون على قاعدة “أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”!