IMLebanon

هذا ما تتكبّده الخزينة في ملف التفرّغ في الجامعة اللبنانية

Joumhouriya-Leb

أنطوان فرح

في الآونة الأخيرة، احتلّ ملف تفرّغ الاساتذة في الجامعة اللبنانية حيزاً مهماً من الاهتمام السياسي على مستوى مجلس الوزراء. ومثل أي ملف حياتي او اجتماعي، خضع ملف الجامعة للتسييس، الى أقصى الدرجات، حتى اختلط الحق بالباطل، وبات التفريق بينهما صعباً. ما هي طبيعة هذا الملف، وهل له تأثيرات اقتصادية ينبغي التوقّف عندها؟
في الاسابيع الماضية، وفي كل جلسة لمجلس الوزراء، كان ملف تفرّغ الاساتذة في الجامعة اللبنانية على طاولة البحث. وفي كل مرة كان يتردّد أن الملف سيمر، من دون نتيجة. وأثبتت الوقائع، ان الملف مُسيّس الى اقصى الحدود، كما هي حال كل ما له علاقة بالقطاع العام.
وقبل التطرّق الى التداعيات الاقتصادية المرتبطة بهذا الملف، لا بد من توضيح أبعاد هذه القضية، لكي تتكوّن لدى الرأي العام، فكرة عن طبيعة النقاشات، وماهية المسألة المطروحة في البازار السياسي.
للدخول مباشرة الى الملف، لا بد من ذكر الحقائق التالية:
اولا- لا تزال حتى الساعة الاعداد النهائية للاساتذة المطروحين للتفرّغ غير دقيقة، على اعتبار ان الرقم يرتفع وينخفض سياسياً، وهو قابل للتفاوض، بدليل ان الرقم كان قبل نحو اسبوعين حوالي 1400 استاذ، ثم جرى خفض الرقم الى حوالي 1170 استاذا بعد جولة مفاوضات بين وزير التربية وتيار المستقبل. فهل ان شطب 230 استاذا من لائحة المطروحين للتفرّغ يعتبر امرا عاديا؟
وهل كان هؤلاء الذين جرى شطبهم ممن لا يحق لهم التفرّغ، لكن اسماءهم حُشرت في اللائحة من دون وجه حق؟ ام ان من حقهم التفرّغ وقد جرى شطبهم لأسباب وحسابات سياسية؟ هذه الاسئلة تشكل في حد ذاتها مضبطة اتهام بحق من يتعاطى مع هذا الملف.
ثانيا – لا توجد شفافية في اوضاع الاساتذة الموجودين على لائحة التفرّغ لجهة اثبات مؤهلاتهم وحقهم في التفرّغ وفق مندرجات القانون 66 الذي ينظم هذه العملية.
ثالثا – لا توجد دراسات تُظهر الحاجة الحقيقية للجامعة، خصوصا ان التعاقد قد يتم لسد ثغرة مؤقتة، او موضعية، وهو لا يبرّر تفريغ كل المتعاقدين، من دون اثبات الجدوى الاكاديمية.
هذه الملاحظات في المضمون والشكل، لا تنفي وجود ملاحظات في النتائج المتوقعة للتفرّغ. اذ أن الكلفة التقديرية على الخزينة لانجاز ملف التفرّغ في الرقم الذي رسى عليه في المرة الأخيرة (1170 استاذا)، يصل الى حوالي 84 مليار ليرة، وهو رقم لا يُستهان به بالنسبة الى خزينة هدّد وزير ماليتها بأنها لن تكون قادرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام في نهاية شهر تموز. ومن ثمّ، كيف ستبرّر الحكومة الموافقة على هذه المصاريف الاضافية، من دون ايجاد تمويل في المقابل، في حين انها تشترط في موضوع سلسلة الرتب والرواتب تأمين التمويل بشكل كامل ومضمون قبل الاقدام على إقراراها؟
الى ذلك، هناك علامات استفهام حول عدد الاساتذة، من حيث المقارنة مع العام 2008، حين تمّ تفريغ 670 استاذا بكلفة اجمالية قاربت الـ 32 مليار ليرة سنويا. واذا كان عدد طلاب الجامعة اللبنانية لم يرتفع حسب الاحصاءات المتوفرة، سوى بنسبة ضئيلة، لماذا قد تحتاج الجامعة الى زيادة عدد الاساتذة المتفرغين بنسبة 200 في المئة؟

هذه التساؤلات تدفع الى طرح الموضوع من زاوية أخرى أيضا تتعلق بمبدأ التفرّغ. اذ ان فلسفة تفريغ اساتذة الجامعة اللبنانية لا يقوم على فكرة التعليم فقط، لأن التعاقد كفيل بسد هذه الثغرة، واحيانا يكون ناجعا اكثر من التفرّغ على اعتبار ان في الامكان الاستعانة باكثر من استاذ لاختيار الافضل في كل مادة تعليمية واكاديمية.
فلسفة التفرّغ تقوم على فكرة تحويل الجامعة الى مختبر أدمغة لانجاز الدراسات العلمية. هذا المركز العلمي، يُفترض ان يكون مرتبطا بسوق العمل، بحيث تستطيع الجامعة ان تموّل ذاتها، وربما تحقق فائضا، عبر التعاطي مع سوق العمل، وتحويل الدراسات الى مشاريع اقتصادية تفيد منها المصانع والشركات لتطوير اعمالها، ومن البديهي ان المؤسسات مستعدة لدفع ثمن هذه الدراسات، وهي في الاساس تشتري هذا النوع من الدراسات، لكن ليس من الجامعة. وهنا تكمن نقطة ضعف أخرى تحتاج الى نقاش ومعالجة.
تبقى ملاحظة هامشية أخرى، تكمن في العدالة الاجتماعية. اذ بات معروفا، ان الدولة ارتكبت خطيئة قاتلة عندما اختارت السلك القضائي وسلك التعليم الجامعي لزيادة سلسلة الرتب والرواتب، دون سواهما من موظفي القطاع العام. هذه التفرقة هي التي حرّكت هيئة التنسيق النقابية للمطالبة بالمساواة، وهذا حق بديهي.
ألا ينطوي ملف انجاز التفرّغ اليوم على مغالاة اضافية في التفرقة بين القطاعات، وصبّ الزيت على النار؟ كل هذا الكلام لا ينفي الحاجة الى بت ملف تثبيت الاساتذة المتعاقدين في الجامعة وفق أسس علمية، وبعد دراسة الجدوى الاكاديمية والاقتصادية.
لكن طرق المعالجة تحتاج الى اعادة نظر، وقد يكون من المفيد، وبعد تشحيل الاضافات السياسية في اللائحة، وتكوين فكرة موضوعية وعلمية عن الحاجات والحقوق، اعتماد مبدأ «التقسيط» في التثبيت، بحيث يتم التوافق على العدد الاجمالي، ومن ثم يُصار الى تثبيت 100 أو 200 استاذ سنويا. وبهذه الطريقة تستوعب الجامعة الوضع بطريقة أفضل، وتستوعب الخزينة الزيادات من دون «عسر هضم».