IMLebanon

الكباش السياسي والإنحلال الإقتصادي

Liwa2

ماجد منيمنة

على وقع الهاجس الأمني المتواصل المربوط بالتطورات الإقليمية, وآخرها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، لم تظهر بوادر حلحلة بشأن أزمة الرواتب والأجور المهددة بأن لا تصرف في آخر الشهر، ، في وقت تستمر فيه أزمة سلسلة الرتب والرواتب على حالها دون تحقيق أي خرق في جدارها، فيما حط ملف الجامعة اللبنانية على طاولة مجلس الوزراء وسط خلافات في وجهات النظر بين مؤيد ومعارض , مع إحكام الطوق على عقدة تصحيح الإمتحانات الرسمية التي لا تبشر بحلحلة في وقت قريب وتضع طموحات الطلاب اللبنانيين في مهب الريح.
بالطبع، لا يمكن توجيه الإتهام إلا للمسؤولين وللجهات الرسمية ولا يمكن الإستكانة إلى العجز الذي يشل الجهات الرقابية بحكم الثغرات والهوامش التي تعانيها القوانين والتشريعات ، الأمر الذي يستدعي بالضرورة تطوير وتحديث هذه القوانين والتشريعات بالتوازي، وبما يضمن إغلاق الأبواب سلفا أمام من  تسوّل لهم نفوسهم تطويع القانون وتحويله إلى غطاء على ما يدبرونه من مكائد سياسية وطرق ملتوية لإختلاس ونهب المال العام.
الموازنة المقترحة وأرقام الإنفاق حتى اللحظة تحرج الحكومة وكل الوزراء والمسؤولين المعنيين بالملف، كونها تكشف عورات كثيرة، وتؤكد من جديد أن المشكلة ليست في توازنها أو في توفير السيولة، بقدر ما إيجاد وتحفيز خطة محكمة التنفيذ، لتحقيق تطلعات شعب ثلث سكانه دون سن 35 سنة، ونسب البطالة مرتفعة بين شبابه لتتجاوز نسب خيالية تفوق ال 33%.
مثل هذا الموقف المحمود لن يصمد ما لم يكن بداية لإستراتيجية طويلة الأمد، فالغرض من عرض الأرقام المالية وتثبيتها هو لكسب المصداقية، والأرقام لا تكذب خاصة في موازنة الدولة. كما أن تقوية الموقف التفاوضي لمواجهة إستنزاف المالية العامة يحتاج بناء ثلاث قواعد: القاعدة الأولى، هي وضع حد للفساد المستشري، فالناس ترى بأن النافذين قد إستولوا على الآلاف المضاعفة مما يمنح من خدمات للشعب، ومن دون وجه حق، ومن دون محاسبة، كما أنه لا يوجد فاسد واحد في السجن، بل أن بعضهم يتصدر التشريع لحماية المال العام. والقاعدة الثانية، هي وقف الهدر في النفقات العامة، فتكلفة المشاريع الرديئة نسبتها عالية جدا، ومصاريف كبار المسؤولين مرتفعة إلى حد الجنون، وميزانيات وأعداد الهيئات والمؤسسات العامة في تضخم لأغراض المنفعة الخاصة وشراء الولاءات السياسية، ولابد من إغلاق كل حنفيات الهدر. والقاعدة الثالثة، هي الإلتزام بإعداد لبنان مركزاً تجاريا ومركزاً ماليا منافساً، ويفترض هنا أن يوجه عقل وعضل الحكومة إلى كل ما يدعم هذا البرنامج وفي ردم الفجوات وتقوية الوضع التنافسي للإقتصاد في إختيارات لأهداف صائبة، حينها سيكون من السهل لدى سلطات القرار، كلها، والناس جميعا ومعظمهم، معرفة ماهية السياسات القائمة ومبرراتها وتلمس النفع المباشر لها. نحن نعلم بأن الطريق طويل وشاق، ونعرف بأن الموقف التفاوضي للإدارة العامة الحالية ضعيف ، ولكننا نرغب في بداية صحيحة، لإستعادة بعض الأمل في المستقبل القريب. إن السبب المعروف لإنخفاض الإنفاق يتعلق بآلية صرف المستحقات التي تختلف عليها الوزارات ، ويتنازع عليها بمحسوبيات ، وبالسير على نهج بيروقراطية تقتل الإنتاجية، وسوء تقدير من وزراء يطلبون المخصصات المالية لمشاريع، هم غير قادرين إصلا على تنفيذها ولكنهم يدرجونها في موازناتهم ولغاية في نفس يعقوب.
والحكومة بكل وزاراتها وكوادرها هي معنية بهذه الظاهرة وهي تتحمل مسؤولية كل إخفاق جديد، وكل خيبة أمل لدى المواطنين، فإذا كانت المشاريع الإستثمارية تنتظر، فإن صبر المجتمع الذي ضاق بواقعه الصعب وعَجْز الحكومات بدأ ينفذ، كما أن وعود التنمية بدأت تتبخر، ومشاريع تقليص الفجوة بين العاصمة وباقي المحافظات، ليس إلا كلاما تنفيذه مؤجل، ولكن إلى متى؟
لا إنتخابات لرئاسة الجمهورية ولا تسهيل لحلحلة الملفات الإقتصادية العالقة وحملات التحريض والإتهامات المتبادلة مستمرة حتى إشعار آخر والوطن ينقسم ويتشرذم وتعصف به المواقف السياسية النارية التي تصب الزيت على نار التوترات وترفع من منسوب الإحتقان الداخلي الذي لم يعد يحتمل كل هذا التمادي. كما أن تخلي بعض القيادات السياسية عن مسؤولياتها الوطنية تجاه قضايا الناس, الذي لم يعد تحتمل أوضاعهم هذا الإهتراء السياسي والأمني والإقتصادي والإجتماعي والمعيشي الذي يقود البلاد نحو الإنتحار.
فبين المطالبة بإنتخاب رئيس جمهورية والبدء بالتحضير لإنتخابات نيابية, معركة كباش سياسي, فالبعض يحاول إعادة تعويم  المجلس النيابي الحالي والتمديد له ليبقى الوضع على حاله مكبلا بين طرحين متناقضين، فلا رئيس يتنخب في ظل الشروط والشروط التعجيزية المتبادلة ولا للحكومة الحالية من إمكانية لإعادة الحياة إلى مسار عملها لأسباب دستورية وقانونية وسياسية وطائفية ومذهبية وفي ظل إنحلال إقتصادي مميت. وهذا ما من شأنه ليس فقط تعطيل الخطوات التي يجب على المسؤولين إتخاذها لحماية الحقوق الإقتصادية، بل أيضاً من شأنه أن يزيد من هشاشة الأوضاع وإبقاء حالة الإنكشاف الأمني والسياسي للساحة اللبنانية في مرحلة دقيقة وبالغة الحساسية مع كل التعقيدات التي تمر بها المنطقة بأسرها ومع ما تحمل من إنعكاسات وإرتدادات على لبنان وأمنه وإستقراره وما تحوم من حوله من تحديات محدقة ومخاطر لا يمكن مواجهتها من خلال الإنقسامات والإتهامات المتبادلة بل فقط من خلال إعادة الحوار وبناء سياسة اليد الممدودة التي تؤدي إلى بلورة الحلول والتسويات التي تحفظ بالحد الأدنى وحدة لبنان وتحصن ساحته وتمكنه من تجاوز هذه المرحلة بأقل الأضرار والعواقب المميتة.
إن الشروط التعجيزية المتقابلة ليست سوى واجهة للكباش الإقليمي الذي يعطل كافة الحلول ويمدد حالة الشلل السياسي والمالي في لبنان والذي باتت أوضاعه الداخلية مرتبطة بملفات المنطقة الساخنة وما يسودها من حراك لعقد تسويات وصفقات لا تزال خلفياتها وأبعادها يلفها الكثير من الغموض، وهذا ما يجعل مصير الملفات المطروحة في لبنان مكبلة كل التكبيل.
فليرفع الغطاء عن منافذ ومسالك هدر المال العام، في البلد أضحى كل شيء فيه مباحاً، فهذه وسيلة أكثر نجاعة لحماية ثروات الشعب  من ذلك الإستعراض البرلماني البائس الذي يشغلنا به الإعلام، في حين أنهم يشفطون المال العام شفطاً، وبطرق غير خافية على أحد!.