IMLebanon

ماذا يعني أن تُصبح المالية بلا احتياط؟

Joumhouriya-Leb

انطوان فرح

في القراءة السياسية للحل، جاءت النتائج مناسبة للطرفين. فريق وزير المال استطاع أن يخرج الى الناس ليزف أن الرواتب تأمنت من دون مخالفة القانون، وهو ما كان يطالب به الوزير من البداية.

وفريق 14 آذار، سيما منه تيار المستقبل، وتحديداً الرئيس فؤاد السنيورة، استطاع أن يطل على جمهوره للتباهي بأنه لم ينزل الى المجلس النيابي لقوننة الانفاق كما كان يطالب علي حسن خليل، وانه حقق كسبا اضافيا من خلال سحب مشروع قوننة الانفاق الذي سبق وارسلته الحكومة، وان التشريع سيتم لاحقا ضمن سلة واحدة تشمل تسوية كل الحسابات العالقة منذ العام 2006. وبذلك تنتهي قضية الـ11 مليار دولار الشهيرة.

هذا على المستوى السياسي والشعبي. أما على المستوى المالي والاقتصادي، فان المخرج الذي لجأ اليه الطرفان لتجاوز المأزق، ستكون له انعكاسات سيئة على مستوى الخدمات وتسيير شؤون الناس. ذلك ان استنفاد اموال احتياطي الموازنة من اجل دفع الرواتب، يعني عمليا تجميد الانفاق الحيوي من خلال الوزارات.

وهذا يشمل كل النشاطات، بما فيها المشاريع التي رصدت لها موازنات سابقة. وليس من المستبعد ان يكون تم تلزيم بعض المشاريع فما سيكون مصيرها في هذه الحالة؟ وهل تستطيع الدولة ان تدخل في بازار تأخير دفع استحقاقات الشركات التي حصلت على مشاريع يجري تنفيذها حاليا؟ هذا الوضع يؤثر بديهيا على حركة الاعمال، ويساهم في زيادة الضغط على الاقتصاد الوطني الذي لا يحتاج الى عوامل سلبية اضافية، وهو اليوم في اسوأ حالاته.

كذلك فان استنفاد اموال الاحتياطي يزيد في مخاطر ظهور أزمات تحتاج الى انفاق اضافي سريع. وبالتالي، ستكون اجهزة الدولة شبه مشلولة في الفترة المقبلة، بانتظار التسوية الشاملة التي ستؤدي الى اغلاق ملف الانفاق غير المقونن في السنوات الماضية، وتصبح الطريق مُعبدة امام إقرار الموازنات، لكي يعود الوضع المالي للدولة الى الخط الطبيعي.

«السلسلة»

بعد الانتهاء من ملف الرواتب، عادت الى الواجهة اليوم مسألة سلسلة الرتب والرواتب. وهو الملف الذي كان يفترض انه اقترب من نهايته السعيدة، لولا الحسابات السياسية أيضا. لكن مناخ التوافق على ملف الجامعة اللبنانية، وتقاسّم الحصص، أشاع اجواء من التفاؤل في احتمال تذليل العقبات المتبقية من امام ملف السلسلة. وفي هذا الاطار، يبدو أن الرئيس فؤاد السنيورة بات يلعب دور راس الحربة في التفاوض مع فريق
8 آذار، وأصبح الملف بين يديه.

وهو عندما استقبل هيئة التنسيق تعمد توجيه رسائل الى الفريق الآخر مفادها انه لن يوافق على إقرار مشروع السلسلة، إلا ضمن الشروط التي سبق ووضعها، ومن ضمنها خفض الارقام بنسبة 20 في المئة، لخفض الانفاق المقدّر في مجموعه بحوالي مليار و800 مليون دولار سنويا، مع احتساب رواتب التقاعد، والزيادات التي ستدفع في تعويضات نهاية الخدمة. ويريد السنيورة من خلال هذا الخفض
ضمان تغطية الانفاق الاضافي، بما فيه الانفاق الذي سبق وصُرف لدفع غلاء المعيشة، والذي يقدّر بحوالي 550 مليون دولار.

تبرز اشكالية زيادة 1 في المئة على الضريبة على القيمة المضافة. هذا الموضوع سبق أن تم الاقتراب من التوافق حوله، بعدما وافق الرئيس نبيه بري، شرط ان يتم إقراره من دون الحاجة الى تصويت الفريق الشيعي عليه.(حزب الله وحركة امل).

لكن هذا الطرح أفشل الاتفاق في المرة السابقة، وهو لا يزال النقطة الخلافية العالقة. اذ ان فريق 14 آذار لا يقبل بأن يخرج نوابه من جلسة السلسلة، ليُقال ان فريق 8 آذار أقر سلسلة الرتب والرواتب للناس، وفريق 14 آذار اقر زيادة الضريبة على القيمة المضافة على الناس. والنقاش سوف يتركز على ايجاد مخرج لهذه الاشكالية السياسية. والمطلوب صيغة شبيهة من حيث النتائج بصيغة الرواتب، أي وفق قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

تبقى الاشارة الى ان إقرار السلسلة صار ملحاً اكثر، وهذا ما أشار اليه وزير المال أخيراً، على اعتبار ان الحكومة بدات عمليا تنفيذ جزء من مشروع السلسلة من خلال دفع زيادة غلاء المعيشة، من دون تأمين واردات للانفاق الاضافي، وبالتالي لم يعد ممكنا تمرير موازنة جديدة، وبعجز مقبول من دون إقرار ما تبقى من مشروع السلسلة، وتحديدا الجزء المتعلق بالرتب (الدرجات)، والذي يتضمن بنودا مخصصة لرفع حجم الايرادات، وهو ما تبحث عنه الحكومة حاليا، من اجل دعم المالية العامة الرازحة تحت ضغوط متعاظمة.