IMLebanon

«فاتكا» وشرخ النظام المالي العالمي

Joumhouriya-Leb

بروفسور غريتا صعب

الحديث عن هذا القانون ومفاعيله على الإقتصاد الأميركي والأميركيين ذات أهمية كبرى ربما، وتوضيح آثاره مثير، إذ كثيرون لا يعلمون بعد كيف يطالهم هذا القانون وكيف قد تكون مفاعيله سلبية عليهم كأفراد وعلى الإقتصاد الأميركي كجماعات.
وما هي الـFatca؟ إنها مبدئياً وسيلة وُضعت لاستهداف مَن يتهرب من دفع الضرائب الأميركية من خلال اخفاء اصول في حسابات مصرفية في الخارج، وتَفرِض على المصارف وشركات السمسرة وصناديق التحوط وصناديق المعاشات التقاعدية وشركات التأمين والصناديق الائتمانية، تقديمَ تقرير مباشر الى مصلحة الضرائب IRS عن حسابات جميع العملاء الأميركيين او الذين يملكون البطاقة الخضراء green card.
واعتباراً من اول تموز ٢٠١٤ تصبح المؤسسات المالية العالمية foreign financial institutions (FFI) ملزَمة بتقديم تقارير سنوية الى دائرة الإيرادات الضريبية IRS عن اسم وعنوان كلّ عميل وحساباته والتي تتخلّف عن ذلك تُفرض عليها ضريبة ٣٠٪ عن كل معاملاتها المتعلقة بالبورصة واسواق الأوراق المالية الأميركية بما فيها عائدات بيع الأوراق المالية.
الى ذلك ان الـ Fatca تفرض على الأميركيين وحاملي البطاقة الخضراء والذين يملكون اصولاً تزيد عن ٥٠٫٠٠٠ دولار إملاء طلب جديد (رقمه ٨٩٣٨) يبدأ مع السنة المالية ٢٠١١. هذه في اختصار الـ Fatca ومَن تطال ومَن هو ملزم تجاهها والغرامات الموضوعة على الشركات التي تتخلّف عن تنفيذها، وقد يكون لها مفعول ايجابي على صندوق الضرائب إذ إنه وحسب التقديرات قد يأتي بمدخول وقدره ٨٠٧ بليون دولار على مدى السنوات العشر القادمة هذا مع العلم انّ تنفيذ هذا المشروع قد يكلف القطاع الخاص مبالغَ تتجاوز المبلغ المقدّر استيفاءه لدى مصلحة الضرائب.
وللعلم فإنّ القانون لا يزال في بدايته نسبياً، ومع ذلك فإنّ مصلحة الضرائب حريصة على المضي في تحقيقه مع كلّ ما يتعلق به من امور واحتمال فرض عقوبات، ومسؤولية ارتفاع عدد الأميركين الذين قد يتخلون عن جنسيتهم، وعدم امتثال بعض المؤسسات المالية العالمية مثل الـ Deutsche Bank والـ HSBC والـ ING والتي بدأت جدّياً عملية اغلاق الحسابات الخارجية للمواطن الأميركي كردّ واضح على الـ Fatca وما سموه « onerous U.S. regulations» أي بالحرف «ارهاق القوانين الأميركية».
وجاء هنا تساؤل بعض اصحاب المصلحة والمعلقين على فوائد الـ Fatca من منظور السياسة المالية والضريبية، واذا ما كانت الإيرادات الضريبية الإضافية المقدّرة كافية لتبرير أعباء الإمتثال والمعاناة الإقتصادية التي يخضع لها الأفراد والكيانات التجارية وقد يكون هذا القانون مرهقاً ويضرّ بحقوق دافعي الضرائب.
وعلى رغم انّ الهدف النهائي من الـ Fatca ربما تكوين بيانات مالية مع نظام معلومات عالميّ شفاف، إلّا أنه لا يزال هناك الكثير من الأسئلة في شأن ما اذا كان الهدف المرجوّ هواستخدام هذه المعلومات على نحوٍ فعال، في حين قد لا تكون النتيجة في الحفاظ على حقوق مَن يدفعون الضرائب ولا سيما انّ تعقيدات العملية كثيرة ويلزمها تطوير داخلياً مع القوانين الأميركية وطريقة التطبيق وخارجياً مع ما سبق وذكرنا من امتثال جميع المؤسسات المالية العالمية بهذا القرار، مع العلم انّ روسيا رفضته والصين هي على الطريق نفسها، وليس واضحاً بعد موقف دول عدّة في آسيا والشرق الأوسط من هذا القانون.
لذلك قد تكون تداعيات هذه الـFatca خطيرة كونها تشكل تهديداً مباشراً مالياً وقانونياً لجميع المؤسسات المالية الأجنبية، ولا سيما عواقب الـ٣٠ بالمئة، كذلك فإنّ مكانية تعرّفها لنقل البيانات الشخصية عن زبائنها جاءت بمثابة تحريض على تجريد الأجانب من الأوراق المالية والإستثمارات الأميركية، حتى إنّ بعض المصارف الأجنبية في العالم ابدت عزمها على القيام بذلك وقد ابلغت المؤسسات الخاصة والعملاء تبعاً لهذا الامر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1- رابطة المصرفيين اليابانيين اوضحت انه في حال تنفيذ الـFatca لن يكون الامر عمليّاً، وكونه سيؤدي إلى حيرة كبيرة في الصناعة المصرفية فذلك سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تقوم المؤسسات المالية اليابانية بسحب استثماراتها من الولايات المتحدة الأميركية.

2- الرابطة المصرفية للإتحاد الأوروبي ومعهد المصرفيين الذي يمثل وحسب قولهم معظم المؤسسات المصرفية والمالية خارج أميركا، والتي قد تتأثر بمفاعيل الـFatca أظهرت مخاوفها: إنّ الكثير من المؤسسات المالية العالمية (ffi) ولا سيما الصغيرة منها أو التي لها استثمارات اقل أو علاقة مع الولايات المتحدة، سوف تستغني عن الأوراق المالية الأميركية عوضاً من الدخول في اتفاق تعاقدي مباشر مع مصلحة الضرائب (IRS) ما يفرض عليها التزامات جديدة.

3- وفي دراسة استقصائية لـ KPMG عام ٢٠١١ حول ما إذا كانت هذه الشركات المالية سوف تتحوّل عن اسواق المال الأميركية، جاء الرد انّ هذا الخيار يجب اخذه على محمل الجدّ وقد يكون الخيار الوحيد في هكذا جوّ عالمي.

لذلك ونظراً لما تمثل هذه المؤسسات المالية من قيمة استثمارات في الولايات المتحدة تتجاوز الـ ٢١ تريليون دولار (وحدها الإستثمارات للاوراق المالية تتجاوز ١٠ تريليون دولار) وجب اخذ ردها على هذا الأستقصاء على محمل الجد ولا ينبغي تجاهلها كونها تشكل أكثر من ثلثي القوة المالية العالمية.

اما فيما يخص تداعيات الـFatca على الإقتصاد الأميركي فالجدير بالذكر:

1- إضافة الى استثماراتهم في الأوراق المالية إنّ الأجانب يملكون حوالى ١ تريليون دولار من الودائع المصرفية في الولايات المتحدة الأميركية كونها غير خاضعة لقانون الضرائب وتمثل ملاذاً آمناً بالنسبة لغير المقيمين منهم وقد تعمّد الكونغرس الأميركي وضع هذه السياسة من اجل جذب الإستثمارات الأجنبية اللازمة للإقتصاد الأميركي. لكن، وإذا ما كانت ضريبة ٣٠ بالمئة سوف تُطبّق على نقل هذه الودائع للخارج فإنّ الولايات المتحدة سوف تفقد جاذبيتها في الخدمات المصرفية.

2- تراجع الأستثمار المباشر في اميركا والذي يمثل تراكم ٢٫٧ تريليون دولار سوف يؤثر سلباً في نموّ الإقتصاد وجذب الشركات الأجنبية للإستثمار داخل اميركا ما يتطلب ليس فقط احتمالات جيدة انما حرية تدفق رؤوس الأموال داخل وخارج البلاد. ولكن مع اقتصاد يعاني جداً من بطء في النموّ ونسب بطالة غير مرضية ومن ارتفاع العجز التجاري المتزايد قد يكون تطبيق الـ Fatca جاء في وقت غير مناسب.

3- صناعة المال الأميركية هي واحدة من أكثر القطاعات التنافسية في الأسواق العالمية والسببُ الرئيس لهذه الحالة حرية نقل الأموال الى اسواق المال الأميركية، وهذا الوضع لا بدّ وأن يتأثر بالـ Fatca، فهذه الصناعة إذاً سوف تجد نفسها معزولة خصوصاً انّ المستثمرين سوف يتجنّبون الاستثمار في الأوراق المالية الأميركية وسوف يرفضون التعاطي مع عملاء من الولايات المتحدة.

واخيراً لا آخراً سوف تشكل الـ Fatca شرخاً في النظام المالي العالمي إذ إنه سوف ينقسم الى قسمين: قسم يلتزم بالـ Fatca وتشريعاتها وقسم سوف يرفض القيام بذلك.

في اختصار، هذا ما سوف يواجه النظام المالي العالمي إذا ما طبقت الـ Fatca ويبقى القول إنه يلزمها الكثير من الوقت والتطوير والتقنيات لتصبح ساريةَ المفعول.