IMLebanon

سياسة السيسي الإقتصادية واعدة وخطِرة

Joumhouriya-Leb

بروفسور جاسم عجاقة

قام الرئيس المصري المُشير عبد الفتّاح السيسي بتدشين مشروع تطوير قناة السويس، وذلك في الخامس من آب 2014. ويحتوي هذا المشروع على بند رئيسي يتمثّل بحفر قناة بطول 72 كم موازية للقناة الحاليّة التي يبلغ طولها 190 كم.
وبحسب التصريحات الرسمية، تبلغ كلفة هذا المشروع 4 مليارات دولار أميركي، وستسمح بخلق مليون وظيفة عمل وتنمية 76 ألف كيلومتر مربّع من الأراضي المُحيطة بالقناة. وكقراءة أولى لهذه الوقائع، نرى أنّ الأرقام الإيجابية المُعلنة هي أرقام ناتجة عن حسابات لعدد المنشآت الخدماتية والسياحية والإقتصادية وغيرها التي سيتمّ إنشاؤها.
لكنّ الصعوبة الأولى التي ستعترض هذا المشروع هي نسبة الفساد المُستشري في مصر والذي يمنع توزيع الثروات المخلوقة من الاقتصاد بشكل عادل على الطبقات الاجتماعية. وهذا الأمر دفع بالسيسي إلى وضع تنفيذ المشروع تحت إشراف المؤسسة العسكرية، ممّا يعني أنّ عبد الفتّاح السيسي أخذ عاملَ الفساد بعين الاعتبار. من هذا المُنطلق يُمكن التكهّن أنّ هناك احتمالاً كبيراً أنّ 75% من قيمة الأرقام التي تمّ التصريح عنها قد يتمّ تحقيقها.

البعد الاقتصادي…
ليس بالجديد القول إنّ مصر مرّت بأزمة ماليّة كبيرة ناتجة عن الثورة التي عصفَت بمصر والمواجهات المُسلحة التي ضربت إلى حدّ كبير كلّ القطاعات الاقتصادية، وعلى رأسها القطاع السياحي الذي كان يؤمّن للإقتصاد المصري مردوداً نقدياً عالياً يفوق الـ 7 مليارات دولار أميركي. وتَرافقَ هذا الأمر مع تدهور كبير في الموازنة المصرية ناتج بالدرجة الأولى عن الدعم الكبير لقطاع المحروقات والذي كان أساس المُشكلة بين صندوق النقد الدولي والرئيس المصري السابق محمد مرسي.
وهذا الأمر أدّى إلى تدهور الجنيه المصري الذي فقدَ الكثير من قيمته وقلّت في نفس الوقت قيمة احتياطي البنك المركزي المصري من العملات الأجنبية، وذلك كنتيجة لعمليات الدفاع عن الجنيه في الأسواق. من هنا برزت أهمية تحريك الاقتصاد المصري عبر تأمين مداخيل جديدة من العملات الأجنبية، وخاصة مداخيل لا تتعلق بالوضع الأمني أو السياسي.
ويأتي مشروع تطوير قناة السويس ليخدم هذا الهدف. لكنّ هذا المشروع ليس الوحيد، فهناك عدد من المشاريع الضخمة التي قد تؤمّن لمصر مداخيل بالعملة الأجنبية كمشروع التنقيب عن النفط والغاز، والذي يضمّ 32 إتفاقية تمَّ التوقيع عليها في تشرين الأوّل 2013.
كما أنّ هناك مشروعاً لم يُقرّ بعد، يقضي بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصنع تسييل الغاز في دمياط في مصر، فلهذا المعمل موقع إستراتيجي على ساحل البحر الأبيض المُتوسط بالقرب من قناة السويس، وسيسمح بالتصدير إلى أوروبا وآسيا بسهولة أكبر. وبحسب بعض المعلومات، قد تصل قيمة العقد، إذا ما وافقَ عليه السيسي، إلى 20 مليار دولار.

البُعد الاستراتيجي…

لا يخفى على أحد الموقف الأميركي من نظام الإخوان المسلمين في مصر وما آلت إليه الأمور بعد عزل مرسي من قِبل الجيش المصري. فقد قرّر الأميركيون توقيفَ كلّ المساعدات الأميركية إلى مصر، بما فيها المساعدات العسكرية والنقدية، والتي جرت العادة منذ إتفاقيات كامب ديفيد بإعطائها إلى مصر.

وهذا الأمر دفع بالسيسي إلى البحث عن وسيلة للإستقلال عن المساعدات الأميركية والغربية، وخاصةً أنّ صندوق النقد الدولي، المتأثر كثيراً بسياسة الدول المموّلة له، اشترَط عدداً من الإجراءات الاقتصادية التي يتوجّب على مصر تنفيذها، إلّا أنّ هذه الأخيرة لا يُمكن أن تُنفّذها، نظراً للمخاوف من ردّة فعل شعبية قد تُؤدّي إلى مواجهات مع الجيش، والتي لن تتأخّر جماعة الإخوان المُسلمين باستغلالها. لذا توجّب على السيسي أن ينفتح سياسياً واقتصادياً على الشرق، وخصوصاً باتّجاه روسيا، الصين والسعودية.

وهذا الأمر تترجَم بتوقيع اتّفاقيات تبادُل تجاري بين مصر وروسيا، تعتمد على نظام الـ TROC الذي يسمح لمصر باستيراد القمح من روسيا مقابل محاصيل زراعية مصرية.

لكنّ المُلفت هو الإتفاق على التعاون التجاري في مجال الطاقة، وخصوصاً الطاقة النووية، وهذا ما يُثير قلقَ واشنطن، على اعتبار أنّ مصر خاضت أربع حروب ضد إسرائيل، ومع التشنّج الحالي للعلاقات الثنائية والعداء المُتزايد لإسرائيل في الشارع المصري، فإن إمتلاك برنامج نووي مصري قد يؤدي إلى تأزّم الوضع في الشرق الأوسط.

وعلى هذا الصعيد ينصّ الاتفاق الروسي – المصري على تحديث المفاعل النووي البحثي المصري وإنشاء مشروع الضبعة النووي. وهذا الأمر سيُعقّد الأمر بين مصر والولايات المُتحدة الأميركية، على اعتبار أنّ منعَ وصول أسلحة نووية لدول الطوق العربية هو من ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ولن تسمح به.

والجدير بالذكر أنّ التعاون مع آسيا يهدف إلى زيادة الإستثمارات الآسيوية في مصر بهدف التنقيب واستخراج الغاز الطبيعي منها، ما يسمح بسدّ حاجة السوق الداخلي وتصدير الفائض إلى دول آسيوية من دون أيّ منافسة مع روسيا في سوقها الرئيسي، أي أوروبا.

إحتمالات نجاح خطة السيسي…

هذه الخطة ستعترضها عدة صعوبات، والتي يُمكن فصلها إلى صعوبات داخلية وخارجية. على الصعيد الداخلي، يُشكّل الفساد العامل الأوّل في إفشال خطة السيسي، لأنّ تفشّي هذه الظاهرة يعود إلى عقود.
كما وأنّ مشكلة الإخوان المسلمين لم تنتهِ بعد، ومع تحوّل هذه الجماعة إلى تنظيم سرّي، ستعمد إلى فعل كلّ ما تقدر عليه لإفشال مخططات السيسي، وهذا يضمّ تفجيرات ضدّ المنشآت التي تدخل ضمن المشاريع الاقتصادية. خارجياً، تبقى الولايات المُتحدة الأميركية العائق الأوّل للسيسي وستمنعه من تنفيذ مخطّطاته، وعلى رأسها مشاريع الطاقة النووية. وتملك الولايات المُتحدة الأميركية العديدَ من الأوراق التي لن تتأخّر باستخدامها، كبناء سدّ النهضة الأثيوبي الذي سيشكّل كارثة للقطاع الزراعي المصري، والضغط على المملكة العربية السعودية لوقفِ دعمها المالي لمصر.

غاز لبنان في سُبات عميق…

كلّ هذه المشاريع التي يسعى السيسي إلى تحقيقها لمصر، يواجهها خمول كبير من الناحية اللبنانية، حيث هناك مئات المليارات من الدولارات من الغاز تنام مقابل السواحل اللبنانية ولا أحد يستعجل لإخراجها.
والسؤال المطروح هو عن أهمّية استخراج الغاز بعد عشر سنوات من الآن، في حين أنّ مُعظم دوَل المنطقة بدأت تموضعَها الإسترايتجي. ولكن وبالنظر إلى الإنقسام السياسي والفساد المُستشري في لبنان، لرُبّما من الأفضل أن تبقى هذه الثروة في سُبات عميق كي لا تُشكّل سبباً آخر يختلف عليه الشركاء في الوطن.
لكن كما قال الدالاي لاما: «الإنسانية بدون شك، وصلت إلى نقطة حرجة من تاريخها، فالأمّة لم تعُد قادرة على حلّ مشاكلها بنفسها. وبدون حسّ المسؤولية، مستقبل الإنسانية في خطر».