IMLebanon

المياه ظهرت في قناة السويس الجديدة فهل تنجح بارقة الأمل هذه بتحفيز اقتصاد مصر؟

Nahar
رنا بو سعدى

غالباً ما تعيد الشعوب العربية اخطاء التاريخ بدل أن تتعلم منها. إلا أنها في بعض الأحيان النادرة، تكرر أيضاً امجاد الماضي، فتكمل مشروعاً ورثته عن أجدادها وتترك بصمة جديدة تُشرّف أبناءها. ولعل أهم مثال على ذلك هو تطوير المصريين اليوم لقناة السويس التاريخية.
تمثل قناة السويس ممر مائي صناعي بين بورسعيد على البحر الأبيض المتوسط وبور السويس على البحر الأحمر، فتسمح بعبور السفن القادمة من دول المتوسط وأوروبا وأمريكا إلى آسيا دون سلوك طريق رأس الرجاء الصالح الطويل. وبعد مرور أكثر من قرن على بناء أهم مجرى ملاحة في العالم، ذاك الذي يتحكم بـ40% من حركة السفن والحاويات ويربط بين دول جنوب شرق آسيا وأوروبا والاميركيتين، أعلن الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي إنشاء قناة جديدة وتنمية محور القناة الموجودة.
ارقام المشروع
وأوضحت الجبهة الشعبية لمحور قناة السويس أن “مشروع حفر القناة الجديدة” يتمثل “بإنشاء تفريعة جديدة موزاية للقناة الحالية بطول 34 كلم وتعميق وتوسيع المجرى الملاحي الحالي بطول 72 كلم”. أما “مشروع تنمية محور قناة السويس” فيُعنى “بتطوير المنطقة كلها وتحويل الممر الملاحي إلى مركز أعمال عالمي يتضمن خدمات نقل بحري من إصلاح سفن وتموين بالوقود الى خدمات قطر، إنقاذ، شحن وتفريغ”… بالإضافة إلى ذلك، سيتم إنشاء مشروع قومي للاستزراع السمكي في أحواض الترسيب شرق القناة وبناء مجمعات للتعبئة والتغليف، مراكز لوجستية ومجمعات صناعية جديدة لتجميع السيارات وتكرير البترول.
الكلفة وفرص العمل
من هنا، من الطبيعي أن تنعكس ايجابيات هذا المشروع على مختلف الأصعدة، فهو يسمح باستيعاب الزيادة في حجم التجارة العالمية ويجنب توقف الحاويات لوقت يصل إلى 11 ساعة. كما ويحفز المشروع اقتصاد البلاد عبر خلق نحو 1.5 مليون فرصة عمل، رفع عائدات القناة من 5 الى 10 مليارات دولار سنوياً وجلب عملة صعبة لخزينة الدولة تتجاوز المليار دولار سنويًا في الوقت الذي يتوقع فيه أن تصل عائدات القناة الى الـ100 مليار دولار سنوياً بعد 7 سنوات على انشائها.
الا أن مشروعاً كهذا، له كل تلك الفوائد، له تكاليف أيضاً لا يمكن غض النظر عنها. فحفر القناة يكلف 4 مليارات دولار، وانشاء 3 أنفاق أرضية عند بورسعيد و3 أخرى عند الإسماعيلية لنقل السيارات يكلف 8.2 مليارات دولار. أما الـ100 مليار دولار، التي جاءت على لسان رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش، فهي التقدير الأولى للاستثمارات المطلوبة لتنمية محور القناة.
تمويل المشروع
فكيف ستؤمن الدولة المصرية هذه المبالغ؟ وهل ممكن أن تستعين بالرأس المال الأجنبي؟
أكد السيسي أن “الحكومة ستضع الضوابط اللازمة لضمان تمويل القناة الجديدة من المصريين فقط لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وللحساسية المتأتية من مسألة الملكية الأجنبية للقناة، فيما مشاريع تنمية محور قناة السويس فستخضع لقانون الاستثمار المصري، وستُطرح على المستثمرين المصريين والعرب والأجانب”. وفي هذا الاطار، اعلنت الحكومة المصرية مؤخراً فوز تحالف مصري – سعودي يضم “دار الهندسة شاعر وشركاؤه” و”دار الهندسة مصر” لوضع المخطط العام لتنمية محور القناة وتنفيذ المشروع. اذ ان هذا التحالف حصل على أعلى نسبة تقييم بلغت 86 %، من بين 14 تحالفاً مصرياً ودولياً، تقدموا بعروضهم لتنفيذ المشروع. وعن الأداة التي تستند اليها الحكومة لتأمين الأموال المطلوبة، أشارت وزيرة التعاون الدولي، نجلاء الأهواني الى أنه “سيتم طرح شهادات إستثمار بفائدة 12% بدل أسهم ملكية”، موضحةً أنه “تم إستبعاد الأسهم تماماً لأنها ترتب حقوق في الإدارة وتفرض على أصحابها المشاركة في الربح أو الخسارة، بينما شهادات الإستثمارات فلها عائد ثابت”. وتضيف الأهواني أن “البنوك المصرية ستكمل النسبة التي لم تجمعها شهادات الإستثمار من خلال عرض قرض مجمع “Syndicated loan” “.
الى ذلك، حدد السيسي أيضاً مدة تنفيذ المشروع عاماً واحداً. لذلك، يستمر العمل على مدار الـ24 ساعة ويضم موقع المشروع نحو 3 آلاف شاحنة و15 ألف عامل. وبعد مرور أسبوع على بدء أعمال الحفر، أكد مدير الإدارة الهندسية بالقوات المسلحة اللواء كامل الوزيرى أن “المياه ظهرت في القناة الجديدة داخل 4 مواقع”.
أكبر مركز تجاري ومالي عالمي
وفي سياق متصل أكد وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، خالد حنفي أن منطقة محور قناة السويس ستشهد إقامة أكبر مركز تجاري ومالي عالمي، بالإضافة إلى إنشاء مدينة للسياحة والتسوق بالقرب من مدينة بورسعيد ستسهم في توفير ملايين من فرص العمل.
وأشار إلى أنه سيتم إنشاء بورصة سلعية للقمح والحبوب، وذلك بالتنسيق مع البورصة السلعية الأكبر في العالم في شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية، والتي سيقوم بزيارتها الأسبوع المقبل في إطار جولة يتم خلالها التعاقد على إقامة 164 صومعة للقمح بدلا من الشون الترابية بالاتفاق مع شركة “بلومبرغ” الأميركية بتكلفة 1.6 مليار جنيه، ومن المستهدف أن يتم الانتهاء منها في مارس المقبل وقبل بدء موسم حصاد القمح، وهناك ضغوط على الشركة الأمريكية التي نتفاوض معها منذ 3 أشهر لإنهاء المشروع في الموعد الذي حدده الرئيس، بحسب صحيفة “الأهرام” المصرية.
ولفت إلى أنه سيتم بجوار هذه البورصة إنشاء الصوامع العملاقة لتخزين هذه الأقماح بطاقة تخزينية تصل لنحو 300 ألف طن لتيسر صفقات بيع وشراء الاقماح كما سيتم إنشاء مخازن عملاقة للسكر ومصانع للتكرير في المنطقة باعتبار أن مصر من أكبر 10 مستوردين ومستهلكين للسكر على المستوى العالمي، لذلك نسعى لاستقبال السكر غير المكرر المزروع في البرازيل ويتم تكريره وإعادة تصديره للدول الإفريقية، خاصة دول الكوميسا التي نرتبط معها باتفاقية تجارة حرة.
العمل مستمر…
العمل في قناة السويس يسير إذاً على أكمل وجه، ويمثل بارقة أمل لوطن يعاني تردي أوضاعه الإقتصادية والأمنية. من هنا، قد ينجح المصريون في تحفيز اقتصادهم وتحسين مستوى معيشتهم. إلا أن النمو الفعلي لأي دولة لا يتحقق إلا متى ارتفعت مؤشراتها الإقتصادية والإجتماعية على حدٍ سواء. فإن كان مشروع قناة السويس يضمن تطوير إقتصاد مصر، فما هي الخطوات المتخذة لتطوير الخدمات التعليمية والصحية؟ وكيف تنجح مصر بتطوير الفكر العربي ونشر الثقافة بين ابنائها؟