IMLebanon

حاكم مصرف لبنان وضع قيوداً على المصارف…قروض التجزئة يجب ألّا تتجاوز 45% من دخل الأسرة

Akhbar
محمد وهبة
أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمس، قراراً يفرض على المصارف قيوداً متشدّدة بالنسبة إلى «قروض التجزئة» بكل أنواعها. الهدف هو ضبط «شراهة» المصارف وكبح جماحها نحو إغراق الأسر اللبنانية بالقروض. فالقرار يحدّد سقفاً للاستدانة بالنسبة إلى السيارات والسكن يوازي 75% من السعر، ويجبر المصارف على التحوّط في مواجهة مؤشرات التعثّر في السداد، سواء في تكوين مؤونات استباقية، أو في تكوين احتياط عام مقابل محفظة قروض التجزئة. طبعاً مثل هذا القرار لم يعجب المصارف واستفزّها بعدما تجنّب سلامة التجاوب مع طلبها بإجراء تعديلات عليه.

المباح والمحظور

في البدء، يعرّف القرار الوسيط 11831 قروض التجزئة بأنها «القروض الاستهلاكية بما فيها قروض السيارات وقروض الطلاب وقروض التعليم، وخطوط الائتمان المتجددة بما فيها بطاقات الائتمان والحسابات الجارية، والقروض السكنية».
ثم ينصرف القرار إلى ذكر القيود التي يجب أن تتبعها المصارف والمؤسسات المالية عند «منح عملائها قروض تجزئة». ويفرض عليها الآتي:
ــ وضع نظام يتضمن سياسة واضحة لمنح قروض التجزئة.
ــ ألا يتجاوز أي من قرض السيارة أو القرض السكني الممنوح لشراء مسكن أول ما نسبته 75% كحدّ أقصى من سعر السيارة أو المسكن موضوع القرض (ما عدا القروض السكنية المذكورة في البند (ز) من البند (1) من المادة الثالثة، أي القروض السكنية الممنوحة من مصرف الإسكان ومؤسسة الإسكان وعبر جهاز إسكان العسكريين ووزارة المهجرين وبروتوكولات القضاة وقوى الأمن الداخلي والأمن العام).
ــ ألا يتجاوز مجموع التسديد الشهري لقروض التجزئة كافة نسبة 45% من دخل العائلة، منها نسبة 35% كحدّ أقصى للقروض السكنية (تتألف العائلة من الزوج والزوجة).
ــ تكوين مؤونة خاصة على رصيد أي من قروض التجزئة عند بروز مؤشرات تعثّر بتسديده وفقاً لجدول مفصل يربط بين مدّة التأخير ونسبة المؤونة (انظر الجدول).
وأوضح مصرف لبنان أن احتساب المؤونات بالنسبة إلى القروض السكنية يكون على أساس صافي رصيد القرض بعد تنزيل قيمة الضمانات النقدية المقدّمة مقابل القروض السكنية ونسبة 60% من القيمة التخمينية للضمانات العقارية أو من القيمة التأمينية، أيهما أقل. (المؤونة هي المبلغ الذي يفترض أن يأخذه المصرف من رأسماله ويخصّصه في ميزانيته لإطفاء دين متعثّر أو مشكوك بتحصيله). ويمكن احتساب المؤونة بالنسبة إلى باقي قروض التجزئة على أساس قيمة الضمانات النقدية فقط.
ــ تكوين احتياط عام مقابل محفظة قروض التجزئة بعد تنزيل المؤونات المكوّنة، بما يوازي 2% من هذه المحفظة في نهاية عام 2014 إضافية إلى نسبة 0.5% سنوياً على مدى السنوات الست المقبلة اعتباراً من عام 2015، وعلى أن يحتسب هذا الاحتياط ضمن الأموال الخاصة المساندة. بغية احتساب هذا الاحتياط تستثنى قروض السكن والطلاب والتعليم من محفظة قروض التجزئة.
وأخيراً، منع مصرف لبنان، المصارف والمؤسسات التي تكون في وضعية مخالفة للفقرة المتعلقة بنسب قروض التجزئة من دخل العائلة (45% لكل قروض التجزئة ما عدا قروض السكني 35%)، من إعطاء أي قرض تجزئة قبل التقيد بهاتين النسبتين.

خلفيات القرار

رياض سلامة أمهل المصارف شهرين لتسوية مئات الملفات المخالفة
جاء هذا القرار ترجمة عملية لناقوس الخطر الذي دقّه سلامة في منتصف حزيران الماضي عندما كشف عن ارتفاع كبير في مديونية الأسر بعدما باتت القروض الاستهلاكية تمثّل أكثر من 50% من مدخولها، وعن ارتفاع مديونية القطاع الخاص (شركات وأفراد وأسر) إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي. مخاطر هذين المؤشرين، كانت مقلقة، وخصوصاً أنه من أبرز أسبابها هي تلك المخالفات التي تقوم بها المصارف لجهة إقراض الزبائن. فعلى سبيل المثال، تبيّن للجنة الرقابة على المصارف أن هناك مئات ملفات القروض السكنية المدعومة من مصرف لبنان منحتها المصارف لزبائنها مقابل ضمانات مالية (cash collateral) خلافاً لما تنص عليه تعاميم مصرف لبنان لجهة أن موضوع القرض هو الضمانة، أي أن يكون العقار مرهوناً لمصلحة المصرف ويمثل ضمانة له في حال تخلُّف الزبون عن السداد. وقد تبيّن أن هذه الملفات تعود إلى مضاربين عقاريين يشترون الشقق بضمانات مالية ويبيعونها لاحقاً، مستفيدين من دعم مصرف لبنان للفوائد.
أياً يكن الحال، فإن مصرف لبنان أمهل المصارف وزبائنها مدّة شهرين لتسوية هذه الملفات، سواء في اتجاه استبدال الضمانات المالية بالرهن العقاري، أو تحرير القرض بعد دفع غرامة مالية.
ومن الأمثلة الإضافية التي استدعت تدخلاً متشدداً من مصرف لبنان، هو أن المصارف أصبحت تتنافس في ما بينها على إغراق الأسر ببطاقات الائتمان، إذ لدى المصارف محفظة من مليوني بطاقة ائتمان عليها حركة تداولات مالية بقيمة 11.4 مليار دولار، أما معدلات الفوائد المركبة على الزبائن فتصل في حدّها الأدنى إلى 20% سنوياً، وهي من أعلى المعدلات في العالم.
كذلك، تبيّن أن قروض السيارات فيها نسبة مرتفعة من التخلف عن السداد، وهو ما يعني أن منح القروض يجري على أسس غير سليمة.
هذه بعض العينات مما يمثّل قلقاً لدى مصرف لبنان. هو قلق من أن تنفلت السوق المحلية المشبعة بمنتجات تمويل استهلاكية وبجشع مصرفي لاقتطاع حصّة من الأرباح المتاحة فيها. ومبرّرات الفلتان أن مصرف لبنان حاول في السنوات الأخيرة أن يشجّع المصارف على الإقراض الرأسمالي، أي إقراض مشاريع جديدة وتوسيع القائم منها وسوى ذلك من إنفاق رأسمالي، لكن تبيّن له أن المقترضين يستعملون قسماً كبيراً من المبالغ المستلفة من أجل استثمارها في خارج لبنان.
اعتراض المصارف

بطبيعة الحال، قرار سلامة لم يعجب المصارف التي اعترضت أكثر من مرّة على إصدار مثل هذا القرار. وقد اجتمعت اللجان المعنية بهذا الأمر في جمعية المصارف أكثر من مرّة لمناقشة مضمون مسودة القرار، وأبدت اعتراضها «الغاضب» على نقطتين: إجبار المصارف على الإقراض بسقف محدّد بالنسبة إلى السكن والسيارات، على اعتبار أنه يجب ترك هذا الأمر لتقديرها، وخصوصاً أن لديها الكثير من الزبائن المليئين مالياً، أي الذين لديهم قدرات مالية تخوّلهم الاستفادة من قروض بسقف كامل يوازي ثمن السلعة التي يريدونها. أما النقطة الثانية، فهي تتعلق بمستويات المؤونات المفروضة على المصارف، وخصوصاً أن سلّم المؤونات يفرض تكوينها بعد تأخّر شهر واحد وبحدّ أدنى نسبته 15%، وهي تصل إلى نسبة 100% بعد تأخر لسنة واحدة.