IMLebanon

يد خفيّة تعبث بالإقتصاد … تحية الى آدم سميث

Liwa2
ماجد منيمنة

يتفق الخبراء على أن الربيع العربي أشعل المنافسة الإقليمية في المنطقة التي تحولت إلى ساحة للحرب الباردة بحيث بدأت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في صراع شديد متعدد الأقطاب والأبعاد من أجل بسط النفوذ والسلطة مما يحفز الانقسامات الدينية والطائفية وينطوي على إستخدام الأدوات التقليدية مثل المساعدات العسكرية والإقتصادية فضلا عن ظهور أشكال جديدة من عمليات إستعراض القوة بما في ذلك الإستثمارات المباشرة في وسائل الإعلام والجهات الفاعلة غير الحكومية والحركات السياسية، وفي كثير من الحالات إستخدام الدول المولجة بإدارة الملفات وكلاء لهم للمشاركة في صراع السلطة.
والمتابع لما يحدث من حولنا من تصاعد وتشنج وتناقضات للأحداث الجارية في الشرق الأوسط والتي أدخلت المنطقة في مرحلة إنتقالية تنطوي على قوة متنامية للجماعات الجهادية المتطرفة والتي زادت من حدة المنافسة بين الدول الإقليمية الرئيسية على النفوذ السياسي والإقتصادي والإجتماعي, يتذكر مبدأ «اليد الخفية» للإقتصادي آدم سميث الذي استعمل هذا المصطلح في كتابه الرابع من سلسلة «ثروة الأمم», إذ قال بأن الفرد الذي يقوم بالاهتمام بمصلحته الشخصية يساهم أيضاً في ارتقاء المصلحة الخيرة لمجتمعه ككل، وأن العائد العام للمجتمع هو مجموع عوائد الأفراد. فعندما يزيد فرد ما عائده الشخصي، فإنه يساهم في زيادة مجموع العائد للمجتمع.
فقد آمن سميث ومن بعده من علماء الإقتصاد ممن استخدم المبدأ ذاته في تفسير نظرية السوق الحرة ومحركات الإقتصاد. ولكن ما لم يعلمه آدم سميث أن الفرد العربي يجري وراء مصلحته الخاصة، ويجمع الثروة لمصلحته الشخصية ولنفسه ودون غيره وبعيدا عن مصلحة المجتمع! وهذا المبدأ بلا شك مبدأ شيطاني, رغم واقعيته ومصداقيته على مر الأزمنة. وبعبارة أخرى: إنه طغيان مصلحة القوي على الضعيف, الطغيان الذي تصاعدت معه أشكال استغلال مصلحة المجتمع سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً, وسرعة تفشي ظواهر الفساد السياسي والإقتصادي والمؤسساتي في مجتمعاتنا بفعل اليد الخفية لمصلحة الأفراد النافذين! بينما يقدم أغنياء العالم مثل بيل غايتس ووارن بافيت نصف ثرواتهم للمساعدات الاجتماعية والانسانية!
مبدأ «اليد الخفية» تثير اليوم التساؤل التالي: هل يتم التفكير بمنظومة مصلحة المجتمع العربي السياسية والإقتصادية والإجتماعية على غرار كتابة وتنفيذ سيناريو الدراما المكسيكية سابقاً والتركية حالياً؟ بحيث يتم توظيف السيناريو مهما طال ومهما كانت الخسارة لمصلحة البطل والنجم المعروف؟ إن كان كذلك، فهل ما يحدث في لبنان ومصر وسوريا والعراق وليبيا وتونس والسودان وغيرها من وراءه «يد خفية» عظّمت من مصلحتها الشخصية تحت قناع مصلحة البلاد والعباد؟ لتنهار أنظمة وتُقام ثورات وتُثار شعوب ذات مصلحة مشتركة في إسقاط أنظمة معينة وتحريك الشعوب بأيدٍ خفية يميناً ويساراً دون رؤية سياسية واضحة! وتظل تدور وتتوسع دائرة اليد الخفية بحيث لا تنتصر الشعوب ولا تستقر البلاد. بل ما زالت هذه الأيدي الخفية تتلاعب بثروة الأمم والشعوب العربية لغير صالح تلك الشعوب، فتعمل على تنصيب رؤساء وتعيين نواب ووزراء وموظفين وعملاء وقوى تستطيع خدمة مصالحها الخاصة وتحديداً الإقتصادية، لتكون أداتها في صراعها لتحقيق السُلطة والثروة لها ومزيداً من التخلف للشعوب العربية والإسلامية!
وكذلك الحال مؤسساتياً، فهل ما نسمع ونقرأ عنه من فساد إداري ومالي إنما هو نتيجة تغلغل وطغيان اليد الخفية بإسم الدولة والحكومة؟ فاستغلال المال العام وهدره وتوريثه, لأن الأقربون أولى بالمعروف وإطلاق المشاريع العامة وعدم تنفيذها ومن ثم تعطيلها ثم إطلاق غيرها وقبض عمولتها إنما هو لمصلحة «اليد الخفية» التي تتاجر وتُسوق نفسها تحت غطاء مصلحة المجتمع! فتُنشأ مؤسسات لأهداف معينة ويُكلف أفراد لإدارتها ويحيد الأفراد عن أهداف النشأة الأولى فتتوسع المؤسسة هيكلياً ووظيفياً في غير أهدافها واختصاصاتها فتتداخل الأدوار والمهام والأفراد فتُحل مؤسسات ويُركن أفراد ويستمر استهلاك واستنفاذ المؤسسات والوزارات هيكلياً ووظيفياً ومالياً ومن المال العام وبسُلطة وتأثير الأيدي الخفية. وتستمر المؤسسات الرسمية والوزارات في الإستهلاك ولن تستقر الأمور كما ينبغي لها بعد وما دامت الأيدي الخفية تخدم مصالحها الشخصية.
مرّ على إطلاق آدم سميث لمبدأ «اليد الخفية» مئات السنين وما زال صالحاً بل ومُطبقاً في كل زمان ومكان! وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب من ولاته دخول المدينة نهاراً، ولا يدخلونها بالليل حتى يُظهر ما يكون قد جاؤوا به من أموال ومغانم فيسهل السؤال والحساب. وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز يطفئ الشمعة التي زيتها من بيت مال المسلمين إذا شغله أحد بالسؤال عن شخصه, كراهة لانفاق المال العام في غير حاجته.! رحم الله العمرين فقد قطعا «اليد الخفية» منذ ألف وأربعماية سنة.