IMLebanon

الوطن يغرق والمياه تشح!

Liwa2
ماجد منيمنة

ولت تلك الأيام حين كانت المياه ميسرة في منطقة الشرق الأوسط، إذ يتزايد الطلب بوتيرة سريعة على المياه العذبة. وتتفاقم المشكلة في العديد من الأماكن بسبب نوبات الجفاف الشديد، حيث انتشرت مشكلة ندرة المياه، وباتت تجف مستودعات المياه الجوفية والأنهار بفعل الإستخراج المفرط للمياه وسؤ الإدارة. لذلك تعتبر قضية المياه من الإهتمامات الرئيسية خاصة عندما تصبح المياه عاملاً مقوضاً للحياة والنمو، كما تصبح أيضاً مصدر تهديد محتمل للإستقرار في كل منطقة.
وتزيد كل من مشكلتي الإفراط في استخراج المياه والجفاف من تفاقم المشكلة، فعندما ينضب أحد الأنهار، تفقد المياه الجوفية مصدر إعادة تغذيتها، مما يؤدي إلى إنخفاض منسوب المياه الجوفية. وفي الوقت نفسه، لا يجد مستهلكو المياه من مواطنين والمعامل والمزارعين مصدراً للمياه في الأنهار فيتحولون إلى سحب المياه الجوفية. ونتيجة لذلك يزداد إنخفاض منسوب المياه الجوفية أكثر فأكثر.
ونظراً لارتفاع تكلفة الطاقة، تتقلص فرص تحلية المياه مقابل الطلب المتزايد على المياه. ونتيجة لذلك، يتوجه الاهتمام إلى إستغلال مستدام لمستودعات المياه الجوفية الأكثر عمقاً، وتغيب سياسات ترشيد المياه المطلوبة. ويؤكّد تقرير وزارة البيئة حول تغيير المناخ أن لبنان سيواجه نقصاً متفاقماً بالموارد المائية، كما سيشهد تفاقماً في تلوث الآبار الساحلية بالمياه المالحة، ويتوقّع نقصاً في المياه يتراوح بين 250- 800 مليون متر مكعّب سنوياً بحلول سنة 2015. كما يتوقّع التقرير إرتفاع معدل درجات الحرارة وإنخفاض تساقط الأمطار بين 20 إلى 30 بالمئة بحلول عام 2040، وسوف يتم إنتقال زراعة بعض المحاصيل خاصةً الحمضيات والزيتون والتفاح إلى المناطق الأعلى عن سطح البحر، مما سوف يغيّر من نوع المحاصيل الزراعية، ويؤدي إلى زيادة في طلب الري، مما سيهدّد الأمن الغذائي، فضلاً عن إختفاء بعض أنواع النباتات وإستبدالها بأخرى، وسوف تتعرّض غابات الأرز التاريخية للتهديد من الحرائق بسبب إرتفاع درجات الحرارة. وأضحى معروفاً بأن 70% من المياه تذهب لاستخدامات الريّ والزراعة، و50% من هذه النسبة تُهدر في شبكات التوزيع، إلا أن تنظيم عمل حفر الآبار الإرتوازية وإقفال غير المرخص منها وتركيب عدادات رسمية، يمكن أن يعالج هدر ما يقارب 50% من المياه الجوفية ويؤمن مداخيل وإيرادات وفيرة لخزينة الدولة. كما يجب التأكيد على أن المياه الجوفية هي ملكية عامة للدولة والتي من خلالها يجب أن تؤمّن الحد الأدنى من حقوق اللبنانيين. لذلك يجب البدء في إنشاء السدود وبطريقة علمية وليس على طريقة سد شبروح الذي تم تلزيمه للمحسوبيات واليوم يعاني الأمرين حيث تم إفراغه لمعالجة الثغرات القائمة فيه وهذا ما يكبد الدولة مزيداً من الأموال التي كان من الواجب أساساً الحفاظ عليها, وكذلك حفظ المياه المهدورة في البحار. كما أن الثلوج توفر 35% من إحتياجات لبنان من المياه، ولكن مع إرتفاع درجات الحرارة، من المتوقع أن تكون في تراجعٍ كبير، وكذلك إلى إنخفاض في كثافتها، ما يعني أن كمية المياه التي تترافق مع تساقط الثلوج سوف تصبح أقل. وتؤكد هذه الدراسات أن المشكلة لا تنحصر بالثلوج فقط، بل تمتد إلى عملية توزيع وتساقط الأمطار. وتشير التقديرات إلى أن إنفاق المواطنين على شراء حاجاتهم من المياه، سواء للشرب أو الحاجات المنزلية، أو حاجات الفنادق والمستشفيات والمدارس والمسابح الخ.. تفوق نسبة 4% من الدخل القومي القائم، أي ما يوازي حالياً 800 مليون دولار ويمكن توفيرها في حال إقرار خطة عامة لحفظ الموارد المائية وتأمين توزيعها في مسارب منضبطة مما يساعد على التوفير في هدر المياه المخصصة للإستعمال. ويضاف إلى كل ذلك الزيادة السكانية المطردة، حيث أن معدلاتها تغيرت بسبب النزوح السوري إلى لبنان، والزيادة في نسبة إستهلاكها، وكذلك سوء إستخداماتها، إضافة إلى ما يتعلق بمعدلات درجة الحرارة وإرتفاع منسوب مياه البحار وإزدياد نسبة الإحتباس الحراري وغيرها. وهذه العوامل تشكل لغماً قابلاً للإنفجار في أية لحظة، خصوصا مع إرتفاع أهمية المياه وتعاظم الحاجة إليها وزيادة إستهلاكها وشح مصادرها وتأثرها بالتغييرات المناخية والبيئية، فضلاً عن محاولات إستغلالها سياسياً وتوظيفها لخدمة مصالح خاصة.
لبنان ليس مستفيداً من نهر الأردن ونبع الوزاني ومياه الجولان والمياه الجوفية في الأراضي المحتلة كما تنص المعاهدات الدولية، لأنه في مواجهة دائمة مع إسرائيل التي تنهب كل المصادر المائية وتحولها إلى العمق الإسرائيلي من دون حسيب أو رقيب وهذه المشكلة قائمة منذ الستينيات. والمعروف بأن 65% من المياه العربية هي من خارج الوطن العربي، وإن كانت هذه النسبة كبيرة فإنها لا تغطي الأراضي العربية الشاسعة، حيث تعاني من صحراء ممتدة وهائلة تزيد عن 80%. ولعل هذه المشكلة ستزداد إرتفاعاً، خصوصاً بازدياد الطلب وإرتفاع الإستهلاك وتقدم مستوى المعيشة والحاجة الأساسية للمياه للإستخدامات الصحية والبيئية والتنموية، مما سيؤثر على نحو كبير على الأمن المائي والأمن الغذائي بحكم الإشتباك على المستوى الإقليمي بدول الجوار المحيطة.
لقد سعت إسرائيل إلى تطويق الوطن العربي منذ وقت مبكر، ولهذا عملت على توثيق علاقاتها مع دول المحيط، ففي الستينيات نشطت لعقد إتفاقية بين دول المحيط الثلاث، إيران وتركيا وإثيوبيا، وتم التوقيع عام 1958 على إتفاقية ضمت تركيا وإثيوبيا وإسرائيل، إضافة إلى محاولة دق أسافين بين العرب والأتراك، بعد تفكيك الدولة العثمانية التي حكمت البلاد العربية أكثر من أربعة قرون من الزمان، فضلاً عن ذلك إستحضار أطماع بلاد الفرس ومحاولاتها للهيمنة على الخليج والعراق.
لقد بنت إسرائيل ثلاثة سدود كبرى في إثيوبيا في السبعينيات للتحكم في مياه نهر النيل والضغط على مصر والسودان، عبر شركة تاحال الإسرائيلية، واستحصلت على جزيرة دهلك في وسط البحر لإستخدامها كقاعدة عسكرية لحماية مصالحها. كما أن تركيا ظلّت تتحكم في مياه حوضي دجلة والفرات مؤثرة على سوريا والعراق، في حين أن إيران استفادت من إتفاقية 6 آذار 1975 المعروفة باسم «إتفاقية الجزائر» بين شاه إيران وصدام حسين بموجب خط الثالويك، ولا تزال متمسكة بها وقامت بتحويل نهر قارون والكرخه إلى الداخل الإيراني وعدد غير قليل من الفروع التابعة لشط العرب! لذلك سوف تؤثر المسألة المائية على قضية السلام في المنطقة، بل وعلى المستوى العالمي، لعلاقتها بدول المحيط وخصوصاً إسرائيل وتركيا وإيران، وما يمكن أن تتركه من تأثيرات سلبية على النظام الإقليمي، ناهيك عن إنعكاساتها الإقتصادية والإجتماعية والتنموية والقانونية والعسكرية.
ولعل هذه الإشكالات ستنعكس سياسياً وقانونياً وإجتماعياً وإقتصادياً، لتشكل تحديات كبرى، خصوصاً أن الماء سلعة حياتية، فضلاً عن التغييرات المناخية والبيئية والإحتباس الحراري وإنعكاسات ذلك على الثروة المائية في المنطقة، لا سيما على الجانب العربي. وهذا الأمر يحتاج إلى جهد منفرد على مستوى كل بلد عربي وجهد جماعي عربي مشترك يمكن أن تلعب فيه جامعة الدول العربية دوراً إيجابياً إذا ما استندت إلى خريطة طريق طويلة الأمد وعبر جهد معرفي وسياسي إستراتيجي. ويحتاج الأمر كذلك إلى جهد جماعي للتعاون بين البلدان العربية والمحيطة للتوافق على العيش المشترك وتبادل المنافع والمصالح.
وهذا يتطلب توظيف الخطط والبرامج الحكومية وغير الحكومية، وبالتعاون مع هيئات دولية ومؤسسات المجتمع المدني لتطوير الثروات المائية والاستفادة من التكنولوجيا المتطورة والمحافظة عليها في مواجهة التصحر والتلوث وشح المياه. وينبغي أن يتم ذلك من خلال عمليات ترشيد ومعالجة للمياه والعمل على شفط المياه العذبة من البحر وبناء السدود والخزانات بواسطة تقنيات حديثة، بما ينسجم مع الحاجات المحلية، والاستفادة من الأنهار المشتركة للبلدان المتشاطئة أو التي تستفيد من مرورها وجريانها.
كل ذلك يجعل المواطن العربي في حالة قلق دائم بشأن المياه ومستقبلها في المنطقة، خاصة وأن البلدان العربية لا تزال بدون إستراتيجيات للتعامل مع هذه القضية الحيوية والتي تتعلق بمستقبل التنمية والرفاه الإقتصادي والإجتماعي لسلام وأمن المنطقة. ومن دون إعادة النظر منهجياً في جميع هذه القضايا, فإن مشكلة المياه ستتفاقم في الوطن العربي منذرة بحروب لا تحمد عقباها، خصوصاً في ظل ما تقوم به دول المحيط من برامج ومشاريع تلحق ضرراً بالعرب ومستقبلهم!
لذلك لو كانت لدينا سدود في كل المناطق، لما كنا شعرنا بوطأة الأزمة كما نشعر بها اليوم ونحن نغرق بخلافاتنا السياسية لنترك الأولويات ونلتهي بالمماحكات السياسية اليومية. ولكن مع كل ذلك فإن هذا التأخير في إستشراف الأزمة لا يمنع من المباشرة بطرحها على طاولة مجلس الوزراء ليس لمناقشتها فحسب بل لمعالجتها والبدء بتنفيذ المشاريع المطلوبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وبأسرع وقت قبل الإنفجار الكبير!.