IMLebanon

بين الفقر واستدامة الطاقة

Safir
حبيب معلوف

في السنوات العشرين الأخيرة حدثت تطورات كثيرة في قضايا الطاقة العالمية. فقد انتقل الخبراء من الحديث عن “فقر الطاقة”، التعبير الذي كان مسيطرا على تقارير التنمية الدولية حتى قمة الريو العام 1992، اي رصد مدى افتقار الشعوب الى هذه النعمة وهذا الحق حول العالم، الى الحديث عن “استدامة الطاقة”، اي التفكير في كيفية الانتقال من طاقة ملوثة تعتمد على الوقود الاحفوري الناضب الذي يسبب استخراجه وتصفيته وتصنيعه واستهلاكه واحتراقه وانبعاثاته… في تغير المناخ العالمي، والانتقال الى طاقات متجددة ونظيفة كالشمس والهواء، غير ناضبة. في هذه الفترة، تغيرت الشعارات الكبرى من شعار “الطاقة للجميع” الى شعارات تؤكد ضرورة ان تكون مصادر الطاقة مستدامة، اي شعار “الطاقة المستدامة”. وكان كل تقرير اممي حول هذه المواضيع، هو الذي يطبع هذه الشعارات والمراحل بطابعه. ثم تطورت هذه التقارير محاولة التوفيق بين الكفاية والاستدامة، باعتبار ان الاعتماد على الطاقات المتجددة اللامركزية في طبيعتها كالاعتماد على سخانات وطباخات الشمس ومراوح الهواء واللوحات الشمسية… وغيرها من التقنيات “الخضراء” البسيطة والصغيرة، يزيد من حظوظ ان يتم توفير الطاقة لجميع الناس ويساهم في حل قضايا الفقر والبيئة معا.
في أيار العام 2013، نظمت الامم المتحدة “منتدى فيينا للطاقة”، اطلقت فيه تقريراً حمل عنوان “إطار التتبع العالمي للطاقة” الذي ركز على تعزيز دور الطاقة المستدامة في التنمية. قدم هذا التقرير بيانات مفصلة توضح حجم التحديات المستقبلية التي تواجه الدول في محاولتها الوفاء بالأهداف الثلاثة للمبادرة وهي: توفير الطاقة الحديثة والنظيفة للجميع، مضاعفة حصة الطاقة المتجددة في المزيج العالمي للطاقة ومضاعفة التحسن في كفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030. في هذا المنتدى، أوضح كانديه يومكيلا، الرئيس التنفيذي لـما سمي “مبادرة الطاقة المستدامة للجميع”، أن 1.7 بليون شخص حصلوا على الكهرباء خلال الفترة بين 1990 و2010. لكن التقرير لم يقل ان الزيادة السكانية، لا سيما في البلدان الفقيرة، كانت بلغت 1.6 بليون نسمة خلال الفترة نفسها! وقد خلص التقرير إلى التأكيد انه يتعين مضاعفة إمدادات الكهرباء حتى عام 2030 لتلبية كامل الطلب عليها. ويتطلب هذا الأمر استثمارات إضافية قدرها 45 بليون دولار سنوياً، ما يزيد على 5 أضعاف المستوى حاضراً. ويلاحظ التقرير أن تكلفة الانبعاثات الكربونية الناجمة عن هذا التوسع ليست كبيرة. إذ يؤدي توفير الكهرباء للمحرومين منها إلى زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بأقل من واحد في المئة، مستدركا بالقول: “ان تحقيق الاستدامة في الطاقة يجب أن يكون جزءاً أساسياً من التنمية في المستقبل، لأن عدم الحصول على الطاقة يمثل عائقاً حيوياً أمامها”.
وقد اتفق المشاركون في “منتدى فيينا للطاقة” على التلازم بين الطاقة والتنمية، وعلى أن الطاقة المستدامة هي الاتجاه السائد في التنمية عالمياً، ومبادرة “طاقة مستدامة للجميع” يجب أن تصبح جزءاً رئيسياً في برنامج التنمية لما بعد عام 2015.
لكن معدي التقارير لم ينتبهوا الى أن هناك تناقضات كبيرة في مقولاتهم وشعاراتهم، وان لا مجال للتوفيق بين فكرتي التنمية (في نماذجها المسيطرة) والاستدامة. وان العالم لن يستطيع تحقيق مبدأ “الطاقة المستدامة للجميع” إلا إذا استهلك طاقة اقل، لا سيما البلدان التي تستهلك الكثير من الطاقة. كما ان المجتمعين عندما تحدثوا عن الاستثمارات في الطاقة المتجددة، لم يحددوا ما هي الآليات ولا دخلوا في تحديد دور الدول والقطاع الخاص في هذه العملية، ولا بحثوا بمدى ملاءمة القوانين الدولية، لا سيما التجارية منها، ولا بكيفية نقل هذه التكنولوجيا وتعميمها على العالم! فتدبيج التقارير وتطوير المفاهيم شيء، والواقع التنافسي والتجاري في العالم شيء آخر. فهذه التكنولوجيا الخضراء الجديدة تتطلب اتربة نادرة في صناعتها وهي باتت شبه محتكرة من شركات ودول. وهناك براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية والاحتكارات والاستثمارات التي لا تهدف الى تحقيق اهداف التنمية المستدامة بقدر ما تهدف الى تحقيق الربح، وهي تحول بالتالي دون تحقيق اهداف سامية كتأمين “الطاقة المستدامة للجميع”، من دون ان يتم تغيير الانظمة الاقتصادية المسيطرة وتغيير قواعد السوق الحر المتفلت من كل قيد اخلاقي او قانوني عام، يؤمن المصلحة العامة المتمثلة بديمومة الموارد واستمرارية الحياة.
وقد تكون الآثار المترتبة على الصناعة المتقدمة عامة وعلى تصنيع “التكنولوجيا الخضراء” ضمنها، أكثر ضررا على البيئة والصحة والاقتصاد من الوسائل البدائية التي يعتمدها الفقراء في البلدان النامية عندما يحرقون الخشب والحطب والفحم (النباتي) ومخلفات الحيوانات، في الإنارة والطبخ والتدفئة.