IMLebanon

مزارعو الحشيشة : ليتنا لم نزرع…الأسعار بالأرض بسبب اقفال الحدود السورية!

Akhbar
لؤي فلحة
لا يخجل مزارعو الحشيشة بزراعتهم، ولا يرون فيها عيباً أو خطأً. يقولونها صراحة: «نزرع لنعيش»، وحين ينظر الآخرون إلى الحشيشة بوصفها داءً، ينظر إليها المزارعون كدواء لمشكلتهم، ومشكلة البقاع معروفة: الفقر والحرمان. فالحشيشة وفّرت لنا حياة كريمة، وبنت لنا منازل، وكانت بديلاً صالحاً للدولة التي أهملتنا. هكذا يقول البقاعيون، لكن زراعة الحشيشة لم تعد تنتج كالسابق، فإذا كان اللبنانيون يشكون دائماً من غلاء الأسعار وارتفاعها، فإن البقاعيين هذه الأيام يشكون من انخفاض أسعار الحشيشة بشكل ملحوظ، فالنبتة الخضراء المعيلة لآلاف البقاعيين سابقاً باتت اليوم زراعة غير مربحة بحسب العديد من المزارعين.

«الأسعار بالأرض والمكسب قليل»، جملة يكرّرها طلال مراراً. فموسم الحشيشة، على غير عادته، لم يأت على قدر تطلعات المزارعين. صحيح أن الحشيشة تملأ أراضي البقاع، والمزارعون مستعدون لحصاد الحشيشة التي تزرع غالباً في شباط وآذار وتحصد في أيلول، لكن المشكلة، بحسب طلال، تكمن في قلة الطلب وصعوبة التصريف، وحين يتفوق العرض على الطلب من الطبيعي أن تهوي الأسعار.
كلام طلال يؤيده معن، وهو كغيره من مزارعي الحشيشة يشكون موسهم السيئ، لكنهم يعلمون مسبقاً أن الشكوى لن تلقى جواباً من أحد، فبرأيهم الدولة التي تعوض على خسائر المزارعين العاديين هي نفسها التي تلاحقهم وتصدر مذكرات التوقيف بحقهم. ويحذّر معن أن تراجع مردود الحشيشة قد يولد مشكلة اقتصادية في البقاع، فعديد من العائلات تعتاش من زراعة الحشيشة وبيعها، لكنه يضيف أن أحداً لا يلجأ إلى هذه الزراعة إلا بعد يأسه من إيجاد عمل ملائم، وخاصة أن مخاطر عدة تعتري هذه الزراعة.
يجزم سعيد بأنه لن يقدم على زراعة الحشيشة العام المقبل، فالبضاعة تكدست فيما التصريف يكاد ينعدم. ويضيف سعيد أن الجهد الذي يبذله المزارعون بالاهتمام بمزروعاتهم خلال أشهر طويلة، والخطر الذي يعيشونه والخوف من تلف مزروعاتهم أو توقيفهم أثناء البيع، يقابله مردود مالي قليل، ليختم قائلاً: «صايرة مش محرزة هالشغلة».
إذاً، يفيد المزارعون بأن أسعار حشيشة الكيف انخفضت نحو 70%، فالهقة (هي كلمة بقاعية وتعني رزمة من الحشيش تزن 1200غ) كانت تباع قبل ثلاث سنوات بنحو ألف دولار، أما اليوم فلا يتعدى ثمنها 300 دولار. أما دونم الحشيش الذي كان ينتج سابقاً 5000 دولار تقريباً، فلم يعد ينتج سوى 1200 دولار، ومع المصاريف التي يتكلفها المزارعون من بذور ومياه وعمال تنخفض الأرباح بشكل كبير، لكن الخسارة الكبرى تقع على المزارعين الضامنين، أي الذين لا يملكون أرضاً فيستأجرون أرض غيرهم ليزرعوا الحشيشة، فهؤلاء تزداد تكاليفهم وتنخفض أرباحهم حتى تكاد تنعدم.

هذا العام لم تتحرك القوى الأمنية بقوة لتلف الحشيشة كما كان يحصل في كل عام، فالأولوية هي لضبط الحدود والتصدي للمخاطر الإرهابية، وهذا ما أدى إلى ارتفاع الكمية المعروضة في السوق وبالتالي انخفاض الأسعار، لكن السبب الرئيسي لانخفاض الطلب يتمثل في إغلاق الحدود اللبنانية السورية لجهة سلسلة جبال لبنان الشرقية والتي كانت تمر من خلالها الحصة الأكبر من الحشيشة المصدرة الى الخارج، في حين أن كميات اقل تهرَّب عبر المطار والمرفأ. المعارك المندلعة على الجهة السورية وسيطرة الجماعات المتشددة على بعض النقاط الحدودية، فضلاً عن الانتشار المكثف للجيش اللبناني على الحدود، حدّت من حركة المهربين وتجار الحشيشة الذين تعرض عدد منهم لإطلاق نار أثناء عمليات التهريب، وهذا ما صعّب على تجار الحشيشة تصريف بضاعتهم، فتوقفوا عن الشراء من المزارعين، فانخفض سعر الحشيشة لقلة الطلب.
يلفت مزارعو الحشيشة إلى أن لا حل أمامهم ما دامت الحدود مغلقة، أما تشريع الحشيشة فهو مطلب سئم المزارعون المناداة به، بمقدار مللهم من حلول الزراعات البديلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فتشريع الحشيشة يسمح برأي المزارعين بتصريف مزروعاتهم دون اللجوء إلى التهريب.
يؤكد مزارعو الحشيشة أن قسماً منهم هجر هذه الزراعة في العامين المنصرمين إثر تراجع المردود، فهل الخسائر التي يتكبدها المزارعون تُسهم في ما فشلت به الدولة اللبنانية طوال عقود طويلة، وهو إقناع بعض البقاعيين بترك زراعة الحشيشة؟