IMLebanon

«بصمة» لبنانية في سوق أبو ظبي المالي العالمي

Joumhouriya-Leb

أنطوان فرح

تستعدّ أبو ظبي للانتقال الى مرحلة جديدة تتحوّل معها عاصمة دولة الامارات العربية المتحدة الى مقرّ مالي عالمي رديف ومُكمّل للاسواق العالمية: (سيدني- طوكيو، هونغ كونغ- سنغافورة، لندن، نيويورك- شيكاغو). وستصبح أبو ظبي السوقَ العالمية الخامسة التي ستتولّى تغطية الثغرة الزمنية من الساعة السابعة حتى الحادية عشرة (7-11) صباحاً بتوقيت الإمارات، في الوقت الذي تكون فيه الأسواق العالمية متباطئة. ويُفترض أن يلعب سوق أبو ظبي العالمي خلال الساعات الاربع هذه دوراً رئيساً في صناعة السوق وتصدير الأسعار. وفي الفترة المتبقية (20 ساعة) يستمرّ السوق في عمله لتقديم جميع أنواع الخدمات المالية.
هذا الطموح لم يعد مجرّد حلم، بل شارف على التحوّل الى حقيقة يمكن للزائر تلمّس معالمها على الأرض حيث أصبح المقرّ الرسمي لسوق ابو ظبي المالي العالمي جاهزاً عدّةً وعديداً.

وهو يقوم على جزيرة ماريه، وهي منطقة أعمال حديثة، تُعدّ من أرقى مناطق الأعمال في أبوظبي، مُصمّمة وفق أرقى معايير الجودة والكفاءة والاستدامة. وفي القسم التجاري من الجزيرة يقع مقرّ سوق أبو ظبي المالي العالمي.

في موازاة التحضيرات اللوجستية على الارض التي اصبحت مكتملة، سبق وصدر قرارُ تشكيل مجلس إدارة سوق أبوظبي العالمي برئاسة أحمد علي محمد الصايغ. هذا القرار اعتُبر بمثابة مؤشر اضافي الى اقتراب موعد انطلاقة السوق، التي قد تتمّ مع نهاية العام الجاري ومطلع العام المقبل.

وفي كلمته عقب تعيينه، حرص رئيس مجلس ادارة السوق احمد الصايغ على توجيه الشكر الى شركة «إي.دي.إس» القابضة، (ADS Securities) «المستشار الرئيس والاستراتيجي لسوق أبوظبي العالمي على مساهمتها الملحوظة في إنشاء السوق العالمي»، وفق تعبيره، وإشارته «إلى أهمية دورها في المرحلة المقبلة في ما يتعلق بتطوير أداء ودور السوق».

هذه الملاحظة عكست بوضوح الدور المحوري الذي لعبته «اي.دي.إس» في هذا الانجاز غير المسبوق على المستوى الاقليمي والعربي. ويزداد الامر أهمية عندما يتضح وجود أدمغة لبنانية تقف وراء هذه الشركة التي تأسست عام 2010 بتمويل من مستثمرين إماراتيين برأس مال مدفوع يبلغ 400 مليون دولار أميركي، وهي تخضع لرقابة المصرف المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة.

«الجمهورية» زارت منطقة الاعمال في جزيرة ماريه، واطّلعت على سير العمل فيها. والتقت في مقرّ شركة «اي.دي.اس سيكيوريتيز» في أبوظبي مديرها العام ونائب رئيس مجلس ادارتها، فيليب غانم الذي يُعتبر إحدى القوى المحرّكة الرئيسة وراء مفهوم وتأسيس الشركة.

يقول غانم، الذي صُنّف من بين أكثر الشخصيات المؤثرة في عالم الأعمال تحت عمر الأربعين، وفقاً لمجلة فوركس أم.أم العالمية في تعريفه عن نفسه: «ترعرعتُ وعشتُ معظم ايامي في سويسرا، ودرستُ في أوروبا.

لغتي الاولى هي الفرنسية، ومن ثم الانكليزية والعربية التي اعمل حالياً على تقويتها. أمضيتُ سنتين في لبنان في مرحلة الدراسة الثانوية، وكانت من أهم مراحل حياتي. في بيروت انتقلتُ الى حقبة الرجولة. لبنان مَن صقل شخصيّتي. إنه وطن مميّز بكل معنى الكلمة، إنه أجمل وطن في العالم من دون ايّ مبالغة.

ويأخذ الحديث غانم الى الوطن والحنين، ويسترسل في الكلام عن لبنانه الذي يحب. يتحدث بشغف قلّ نظيره عن المرحلة التي أمضاها في وطنه وإن تكن قصيرة، وهو الذي أحبّ كل شيء فيه. ويروي بشغف اكبر عن اللبنانيين ويرى أنّ الـDNA الذي يتكوّنون منه مستواه مرتفع، ولهذا فإنّ اللبناني في كل انحاء العالم هو انسان ناجح، ولديه نسب مرتفعة من الذكاء والنبوغ.

عن التصنيف الذي حصل عليه كأهم الشخصيات المتخصصة والمؤثرة في مجال الخدمات المالية، يقول غانم إنّ «أساس فلسفته في العمل، الجديةُ في التعامل مع قطاعٍ حيوي ورئيس ألا وهو الخدمات المالية، أكثر القطاعات حيوية في العالم ويتطلّب الكثير من المعرفة والجدّية والتركيز لتحقيق النجاحات والوصول الى مستوى الخدمات المالية العالمية».

وعن رسالته التي يرغب بتوجيهها الى الشباب اللبناني، يقول غانم: «رسالتي الى الشباب اللبناني، أن يعملوا بجدية دائماً، لأنّ الفرص موجودة في كل مكان. أهمية الفرص التي يمكن أن يستكشفها هؤلاء الشباب في لبنان توازي الفرص في الخارج. وفي الواقع قد يكون من الأسهل الحصول على الفرص في لبنان وعلى رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها بلدنا، لكنّ استكشاف الفرص ليس بالمسألة السهلة سواء في لبنان أو في الخارج».

عن شركة «اي.دي.اس»، يوضح أنّ «السؤال الذي طرحناه على انفسنا، ما هي القيمة المضافة التي تستطيع أن تقدّمها أبوظبي، للنظام المالي العالمي. وخلصنا الى استنتاجِ أننا نستطيع أن نشارك في تسعير السوق المالي العالمي.

هذا الاستنتاج وصلنا اليه بفضل موقع أبو ظبي. في السوق المالي العالمي، هناك اوروبا والولايات المتحدة وآسيا وآستراليا، وبعد ذلك هناك ثغرة فراغ. نحن قرّرنا أن نملأ هذه الثغرة. وقد نجحنا في الشركة في هذا الانجاز. واصبحنا من اكبر الشركات المالية في المنطقة، فانتقلنا الى العالمية».

عن دور «اي.دي.اس» في مشروع سوق أبو ظبي المالي العالمي، يشير غانم الى أنّ «دورنا الاساس في البداية كان أن نجيب على الاسئلة المطروحة حول هذا السوق. ما هو المطلوب لإنجاح مشروعٍ من هذا النوع؟ وقد جلبنا الخبرة المطلوبة الى هذا السوق. ومن البديهي أننا نحتاج الى بناء هيكلية ملائمة للموقع الذي يقوم عليه السوق».

ويلفت غانم إلى أنّ «عالم الاعمال هو في تحوّل وتطوّر دائم خصوصاً عالم التكنولوجيا والانترنت حيث نقوم بإدارة أعمالنا في أرجاء الكرة الأرضية من مكان واحد، ولا سيما أننا نعيش في منطقة جغرافية استراتيجية تُعتبر همزةَ وصلٍ بين الشرق والغرب وبوجود الدول الخليجية التي تتمتع باقتصادٍ قويّ وسيولةٍ عالية، وعلى وجه الخصوص أبوظبي التي تشكل جسراً من السيولة بين الشرق والغرب بفضل موقعها الجغرافي والزمني ومكانتها المالية العالمية، تحديداً بعد الاعلان عن سوق أبوظبي العالمي الذي يُعتبر محوراً رئيساً للأسواق العالمية والشرق أوسطية في تصدير الاسعار وصناعة السوق من الساعة 7- 11 صباحاً».

وفي نظر غانم، أبوظبي لطالما كانت في أمس الحاجة الى سوق عالمي خامس حيويّ يُصدر أسعار العملات الرئيسة والسلع، ويقول: «نحن في أبوظبي نكون مستيقظين نُصدر الأسعار ونصنع السوق في الوقت الذي يكون فيه المستثمرون يغطّون في النوم في لندن».

ويرى غانم أنّ «الأسواق العالمية ستكون المستفيد الأول من سوق مالي عالميّ قويّ في منطقة الشرق الأوسط»، مؤكّداً أنه «يتطلّع من خلال شركة «إي دي إس سيكوريتيز» إلى تقديم خدمات للمستثمرين في لندن وأوروبا وأميركا وباقي أنحاء العالم مثل الخدمات التي يحصلون عليها من الاسواق العالمية الرئيسة، الأمر الذي يُعتبر عاملاً إيجابياً للمنطقة كلها عموماً وأبوظبي خصوصاً».

ويتابع «أنّ مثل هذا المشروع يشكل فرصة مثالية للطاقات اللبنانية أيضاً لاستكشاف الفرص والحصول على فرص عمل نوعية وإقامة الشراكات التجارية».

وعن الفَرق بين سوق أبو ظبي العالمي وسوق دبي المالي، يوضح أنّ «سوق أبو ظبي مكمّل لسوق دبي ولا توجد منافسة بين السوقين. تماماً مثل سوق لندن الذي يكمل سوق نيويورك وأيضاً لا منافسة بين السوقين، هذا هو الدور الذي سيقوم به سوق أبو ظبي. أما في سياق المقارنة بين السوقين، فيمكن تشبيههما بالفرق بين سوقَي زوريخ وجنيف. زوريخ تهتمّ بالتداول، وجنيف تهتمّ بالصيرفة الخاصة، (private banking).

وفي الختام، يعود فيليب غانم بكلامه الى لبنان، ويتوجّه من القلب الى القلب للشباب اللبناني قائلاً «المطلوب جدّية في العمل. أتمنى عليهم أن يثقوا بأنفسهم، وأن يواجهوا التحدّيات بثقة، والفرص موجودة في الداخل مثلها في الخارج.

وكلّ لبناني في العالم من واجبه أن تبقى عينه على لبنان، وأن يساعده. لبنان بلدنا، ولن يزول مهما حاولوا. اللبناني اينما وجد في أيّ مكان من العالم، يُثبت جدارته. وهو إنسان محترم، ويحمل تاريخاً عريقاً على كتفيه. نحن تاريخنا عريق، بينما يبحث سوانا كيف يستطيع صنعَ تاريخ لنفسه.

ومن هنا أناشد رئيس جمهورية لبنان المقبل أن يعطي الاولوية للتواصل مع لبنانيّي الانتشار كلهم من دون استثناء، ومن المهم إعطاء كل لبناني جواز سفر، سواء استخدمه أم لا، لأنّ اللبناني أينما وُجد يشعر بالانتماء دائماً الى لبنان، ومن واجبنا أن نبقيَ هذه الشعلة قائمة».