IMLebanon

مصر تبحث عن التمويل الشعبي كبديل ثالث لرفع معدل النمو

Ahram
نهلة أبوالعز

اذا كان الانفاق الحكومى المستمد من موازنة الدولة هو الخيار المعتاد لتمويل المشروعات القومية، فإن الاستثمارات الخاصة بانواعها تعد الخيار الآمن من الناحية المالية لتنفيذ مشروعات التنمية، واليوم وبعد النجاح المدوى لحملة تمويل مشروع قناة السويس فى مرحلته الاولى عبر شهادات بنكية فقد اصبح التمويل الشعبى بانواعه ايضا بديلا ثالثا وقويا باكثر مما هو متوقع لتنفيذ مشروعات التنمية والاسراع برفع معدل النمو الى نحو 6% خلال 3 سنوات كما اعلن وزير المالية يوم الثلاثاء الماضي.

ثمانية أيام فقط هى عمر قصة تمويل مشروع قناة السويس التى قدرت بستين مليار جنيه فكانت الملحمة الشعبية من المصريين لتشكيل المستقبل وفق رؤية جديدة ارتبط بها الشعب بالنظام واصبح فى حالة توحد تسمح للنظام بالمكاشفة ونشر الحقائق وتتيح للشعب المشاركة، أعادت هذه القصة سيناريوهات التمويل الشعبى وقدرته على الوفاء باحتياجات الدولة فقد ظهرت قصة التمويل الشعبى مرات عديدة ولكنها كانت بلا رؤية محددة لذلك لن تنجح واتجهت الحكومات السابقة لثورة 25 يناير الى الاقتراض لتمويل المشروعات، وكان الأمل معقودا على قرض صندوق النقد الدولى الذى سعت اليه الحكومة مستهدفة مبلغ 4.8 مليار دولار فإذا الشعب المصرى يجمع حوالى 9 مليارات دولار وبما يوازى 64 مليار جنيه فى ثمانية أيام حاسما قضية تمويل القناة الجديدة فلماذا نجح التمويل الشعبى وهل نستطيع أن نُزيد منه فى مشروعات أخرى؟ سؤال فرضه الواقع وتحتاج إجابته لتحليل المستقبل.

اكد شريف سامى رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، ان توجه الدولة نحو شهادات الاستثمار لتمويل حفر قناة السويس الجديدة يأتى نتيجة اعتبارات تتعلق بالأمن القومى، مشيراً إلى أنه عند اختيار الأداة التمويلية يجب اخذ معايير محددة فى الاعتبار، منها حرية التسعير، ومدة تنفيذ المشروع، والعائد المتوقع، واشار الى اهمية الاعتماد على البورصة كأداة تمويلية عن طريق إصدار أسهم ذات ربحية مرتفعة وسندات، مؤكدًا ان الهيئة قامت بالتعاون مع إدارة البورصة بالعديد من الإجراءات التى تهدف إلى تسهيل قيد الشركات، حيث تهتم بنموذج الشركة ومشروعها ومدى قدرته على النجاح، وتحقيق ارباح تعظم موارد المساهمين.

ويقول رائد علام استشارى تمويل الشركات ان مشروع محور قناة السويس هو مشروع تنموى قومى يخص السيادة المصرية على أراضيها لذلك فإن هذا المشروع بصفة خاصة له اهمية عند المصريين فالمشروع الذى يعتمد على توسعة وازدواج الممر الملاحى لقناة السويس مما يقلل من زمن عبور السفن ويسمح بتقاطرها فى اتجاهين بدلا من اتجاه واحد تبادلى، فى ذات الوقت يتيح تحويل منطقة الممر الملاحى لقناة السويس إلى مركز عالمى لمختلف خدمات النقل البحرى – المرحلة الأولى، ذلك بالإضافة إلى إمكانية قيام العديد من الصناعات المرتبطة الأخرى – المرحلة الثانية.

قدرت تكلفة المرحلة الأولى – توسعة وازدواج الممر الملاحى لقناة السويس بمبلغ وقدره ستين مليار جنيه مصرى تقريبا، فى حين لم تنته الدراسات بعد لقيمة تحويل منطقة الممر الملاحى لمركز خدمى وصناعى، من هنا يجىء سؤال هل مشروع توسعة وازدواج الممر الملاحى لقناة السويس سيزيد من إيراداتها؟ بالطبع بمزيد من الجهود التسويقية ومميزات الخدمات التابعة فى رأينا أنه ستزيد إيراداتها خلال 3 سنوات بسبب الزيادة الكمية لرسوم العبور لقصر زمن العبور وسهولة التقاطر فى اتجاهين بدلا من الاتجاه الواحد التبادلى مما يقلل من زمن رحلات السفن العابرة للمنطقة.

من هنا كان خيار الحكومة لشهادات الاستثمار الخماسية وهى نوع من التمويل المتوسط الأجل للمشروع ولا ترتب أى حقوق للملكية على قناة السويس لمن يستطيع شراؤها، تجىء تلك الشهادات بمعدل عائد يفوق جميع الأوعية الادخارية ذات العائد الخالى من المخاطر، حيث تبلغ نسبة العائد 12% سنويا وتلك نسبة جيدة تغطى معدل التضخم البالغ 10.6% تقريبا – مارس 2014.

وأضاف علام ان مشروع القناة له طبيعة خاصة بالنسبة للمصريين مما جعلهم يصطفون من اجل اتمام عملية التمويل وهذا قد لا يكون ملائما لمشروعات اخرى تحتاج الى انواع اخرى من التمويل مثل اصدار الاسهم او الاتجاه للبنوك او اتاحة المشروعات للاستثمار والمشاركة مع الحكومة هذا بالإضافة الى ان الشهادات فى حد ذاتها تعتبر وسيلة جيدة للادخار المتوسط الأجل وسيتم ضمانها من كل من البنك المركزى المصرى ووزارة المالية، وتلك القيمة لا تشكل أكثر من نسبة 5% من قيمة الودائع الموجودة بالقطاع المصرفى، وفقا لارقام مارس الماضي.

واشار علام الى ان الودائع مازالت موجودة بالجهاز المصرفى وتمويل قناة السويس لم يشكل الا نسبة ضئيلة منها لذلك فإن الفرصة متاحة لاستثمار المزيد من الاموال لأن المدخر وهو الغالبية العظمى من الشعب المصرى، القطاع العائلى يلجأ إلى الأوعية الآمنة باحثا عن أعلى عائد خال من المخاطر على مدخراته التى اعتاد أن يضعها فى البنوك خاصة العام منها ليستطيع التصرف فيها وقت الحاجة وهى كثيرة والمستثمر وهو القلة دائم التفكير فى استثمارات الفرصة البديلة فهو ما أن يتجه للاستثمار المباشر بإقامة مشروع ما تؤكد جدواه إمكانية تحقيق عائد يفوق عائد البنك ويغطى المخاطر التى يمكن أن يتعرض لها وإما أن يتجه إلى الاستثمار غير المباشر تعاملا مع البورصة التى أيضا لابد أن تحقق له عائدا يفوق عائد البنك وإلا لما اتجه إليها.

تلك الصورة تؤكد ان التمويل جاهز من قبل المصريين شريطة ان تكون المشروعات مضمونة وموضع ثقة خاصة ان المرحلة الماضية شهدت ارتفاع الودائع فى البنوك حتى وصلت إلى 1.3 تريليون جنيه، وبالتالى الشركات بدلاً من أن تستثمر فى التوسعات أو البورصة اتجهت إلى زيادة مدخراتها فى البنوك، وهو ما أضعف الطلب على التمويل نتيجة ضعف فرص الاستثمار، حتى وصل إجمالى القروض فى البنوك إلى نحو 550 مليار جنيه فقط، وأن وجود خطة تنموية تتضح ملامحها يوماً تلو الآخر سيغير الأمر كثيراً، ونحن رصدنا ذلك من خلال عملنا فى السوق، وهو ما سيمكن البنوك من زيادة معدلات نمو القروض لديها. لكن فى حقيقة الأمر لا يزال الاقتصاد فى حاجة إلى التمويل والاستثمار من الخارج، وهو ما نجحت به كل الدول.

يرى الدكتور عبدالمنعم التهامى استاذ التمويل والاستثمار بجامعة حلوان ان تمويل المشروعات القومية له طرق كثيرة منها الاتجاه نحو المواطنين مثلما حدث فى مشروع قناة السويس والفائدة من هذا النوع من التمويل هى المشاركة الفعالة من ابناء الوطن فى تمويل مشروعاتهم القومية ولكن هذه الوسيلة تحتاج الى مشروعات ذات طبيعة خاصة ويمكن للبنوك المشاركة فى تمويل المشروعات الكبرى بجانب المشاركة الشعبية، وأضاف التهامى ان هناك فرصا استثمارية كبرى فى جميع المجالات مثل شبكات طرق ومدن جديدة وتطوير الرقعة الزراعية والمساحات الصناعية واللوجستية. وفرص الاستثمار تلك موجودة ومتنوعة فى جميع المجالات وهى عوامل جذب مهمة للاستثمارات الاجنبية والمحلية، واشار الى ان اهمية المشروع هى التى تفرض نفسها بالاضافة الى ضمان الدولة لاموال الشعب والفائدة المرتفعة على شهادات الاستثمار، ويمكن وضع نسبة من كل مشروع للمشاركة الشعبية اما فى صورة شهادات استثمار او أسهم يتم طرحها فى البورصة، مضيفا ان طريقة تمويل مشروع تنمية منطقة قناة السويس من خلال الاكتتاب الشعبى والاعتماد على رءوس أموال مصرية من خلال شهادات الاستثمار لتمويل هذا المشروع تُذكرنا بتجربة الرائد الاقتصادى طلعت حرب الذى أسس بنك مصر عام 1920 عن طريق الاكتتاب الشعبى مشيراً إلى أنه رغم تعدد البدائل التمويلية التى أتيحت أمام الدولة لتمويل مشروع قناة السويس الجديدة ، فإنها لجأت إلى إصدار شهادات استثمار حتى يكون التمويل مصريا بالكامل.

يشك الدكتور حسن عودة الأستاذ بالجامعة الالمانية فى امكانية الاقبال الشديد على مشروعات اخرى من قبل المواطنين ويبرر هذا الشك بان مشروع قناة السويس له خصوصية عند المصريين اضافة الى انه يمثل تحديا لدعم النظام الجديد، واشار الى أن اهمية المشروعات هى التى تحدد طريقة التمويل وكذلك ايرادات المشروع فما ميز به مشروع قناة السويس هو معرفة الشعب به منذ سنوات وتحديد الإيردات المتوقعة من المشروع، كما ان ظروف طرح المشروع مختلفة فقد تم الإعلان عنه بعد فترة طويلة من الركود وانخفاض روح التشغيل والمشروعات فى مصر منذ ثورة يناير وما تبعها من احداث متلاحقة اضرت بالاقتصاد المصرى، هذه الظروف ساهمت فى نجاح تمويل المشروع الذى اعتبره المصريون تحديا لبناء الاقتصاد المصرى، فضلا عن ان المشروع يرتبط به صناعات مختلفة ويسهم فى تشغيل العمالة. واضاف عودة أن نسبة قروض الأفراد من إجمالى القروض الممنوحة من الجهاز المصرفى لا تزال ضئيلة جداً مقارنة بالبنوك فى دول أخرى، التى تشكل فيها محفظة تمويل الأفراد نسبة كبيرة من قروضها، بينما تقوم على تمويل المشروعات بأدوات تمويلية أخرى، مثل طرح السندات إلى جانب القروض الكبيرة والمشتركة وقد اعلنت البنوك انها على استعداد تام لتمويل المشروعات الكبرى خلال الفترة القادمة وهذا يعنى ان آليات التمويل سوف تتنوع وتختلف لمواجهة عجز الاستثمارات الاجنبية وانخفاضها خلال الفترة الماضية.