IMLebanon

ضخامة التحدّيات الرقمية للمصارف

Joumhouriya-Leb
طوني رزق
تواجه المصارف الإستثمارية تحدّياتٍ متزايدة ومن انواع عدة. فالتداولات وعمليات البيع والشراء والتبادلات تتجه وتنتقل اكثر فأكثر الى الانظمة الالكترونية. وباتت اقسام العمل تحتاج الى اصلاحات اكثر الحاحاً، كما يتوجب توحيد ودمج الكثير من أنظمة التداول الكلاسيكي. وبات التنافس على هذا الصعيد اكثر خطورة على المستوى الاستراتيجي.

يأتي هذا التحدي الجديد ليُقحم نفسه في بيئة عمل اصبحت اكثر صعوبة للبنوك الاستثمارية. فالتدابير المصرفية القانونية الجديدة اصبحت اكثر تطلّباً وقساوة. كما اصبحت متطلبات الرأس مال اكثر كلفة. وفي مواجهة ذلك باتت هذه المصارف تعاني من تراجع كبير في مداخيلها. اما الآن فالمطلوب منها أن تتحوّل الى شركات تكنولوجية متطوّرة تواكب العصر وتحافظ على قدرتها التنافسية واستمراريتها.

وتشكو هذه المصارف من عدم الادراك والبطء في ادخال التكنولوجيا الرقمية كونها انشغلت بمسائل شديدة التعقيد والصعوبة مثل تبدّل الانظمة القانونية ومواجهة حالات النزاع القانوني، وتخفيض الكلفة التشغيلية. فاستحوذت هذه الانشغالات وكلفتها على كامل الموازنة المخصصة لإدخال التكنولوجيا الرقمية الحديثة.

لكنّ الايام الاخيرة اظهرت انّ هناك اوضاعاً طارئة تتطلّب التدخل السريع لأنّ المستقبل بات يفرض تحوّل المصارف الاستثمارية الى عالم التكنولوجيا الرقمية. وتبدو هذه المصارف كثيرة التخلّف بالمقارنة مع المؤسسات المالية وغيرها من المؤسسات الاخرى.

أما اللاعبون الكبار في الاسواق ومنهم مصرفا «جي بي مورغان تشايز» المصرف الاول الاميركي و»دويتشه بنك» المصرف الالماني، فهما ينفقان سنوياً مليارات الدولارات على النشاط التكنولوجي. وقد نقلا المراكز الاساسية للتكنولوجيا الرقمية الى دول اخرى أقل كلفة.

غير أنّ ذلك لم يكن كافياً لاحتواء الكلفة المتزايدة، فمجموع الإنفاق المصرفي الرقمي زاد بنسبة 4 في المئة الى 188 مليار دولار اميركي هذا العام فقط. ويبدو انّ الاتجاه هو للتخلّي عن اعتماد وحدة الكترونية رقمية لكلّ نشاط في المؤسسات والى خلق وحدة مركزية تضمّ جميع الاقسام الالكترونية.

ويدعو المختصون والمستشارون للتوصل في نهاية المطاف الى دمج الاقسام التي تتعامل بالدخل الثابت (السندات) وبالعملات والسلع والاسهم على مستوى المعلوماتية الرقمية.

وتلجأ المصارف في الاجمال الى التعاون مع شركات تكنولوجيا خارجية وهذا ما يفعله كلٌّ من مصرف ubs السويسري وسوسيتيه جنرال الفرنسي. غير أنّ المصارف الكبرى تحتفظ لنفسها بالتكنولوجيا التي طوّرتها واستحدثتها داخل مؤسساتها. وفشلت المحاولات لتقاسم ومشاركة الكلفة مع الشركات المنافسة.

ويبدو انّ الاتجاه العام يدعو المصارف الكبرى لأن تصبح شركات تكنولوجية ومعلوماتية رقمية رائدة بدلاً من التطلّع فقط الى تخفيض الكلفة. ويظهر ذلك جلياً في عمل اقسام التعامل بالسندات والعملات، هذه الاقسام التي باتت تتصرّف كتلك التي تتعامل بالاسهم. فالعمليات باتت تتم الكترونياً ولقاءَ عمولات بدلاً من أن تتصرّف كلاعب كبير في السوق يجعل العملاء يدفعون كلفة المخاطر التي يتحمّلونها كما كان يجري في الماضي.

ويأتي ذلك بعدما اصبح الفارق بين الطلب والعرض يساوي الصفر ودفع ذلك المصارف الى البحث عن مصادر جديدة للدخل ويتطلب ذلك اللجوء الى التكنولوجيا الجديدة. ولم يعد تلقّي وتنفيذ العمليات المالية كتمويل العملات في اسواق الصرف يكفي المتداولين الكبار عبر الهاتف بل انتقل الى التنفيذ التلقائي عبر الانترنت (اي الى Etrading) او التداول الالكتروني، الذي فتح المجال امام قنوات كثيرة للتداول كما لم يعد هناك ضرورة لميزانيات كبيرة واصبحت انظمة التسعير اكثر شفافية.

إجراءات جديدة

ظهر اتجاه عالمي في الايام الاخيرة قد يجد تجاوباً في كل انحاء العالم وهو يحظّر على موظفي المصارف، خصوصاً الاستثمارية منها، التوظيفَ بالأسهم، ولا سيما اولئك المخوّلين الاطلاع على أوضاع الشركات مالكة الأسهم، كونهم قد يستفيدون بصورة استثنائية من هذه المعلومات التي تساعدهم في اتخاذ قرارات البيع والشراء وهذا غير متوفر للمستثمرين العاديين الآخرين.

وكانت شركة غولدمان ساتش الاميركية الرائدة في اتخاذ القرار المذكور. فمنعت موظفيها بدءاً من يوم في الجمعة السادس والعشرين من شهر ايلول 2014 من المتاجرة بالاسهم والسندات لتضارب المصالح بين وظيفتهم وعدالة التداول بهذه الاوراق المالية. وبات على هؤلاء الموظفين الحصول على موافقة مسبقة لشراء اسهم او سندات.

وقد يتوسع هذا الخطر حتى الى موظفين خارج المصارف الاستثمارية اي الى موظفين تؤهلهم وظائفهم الاطلاع على معلومات سرية عن نشاط الشركات واتجاهات اسعار الاسهم، وذلك لتفادي ايّ تضارب مصالح مع الزبائن والحفاظ على صدقية وسمعة الشركة.

وخارج قرار شركة غولدمان ساتش التزمت المصارف الاميركية الكبرى الصمت يوم الجمعة الماضي ازاء هذا التطوّر النوعي ومن هذه المصارف بنك اوف اميركا، وسيتي غروب، ومورغان ستانلي.

كما رفض ناطق باسم اكبر مصرف اميركي «جي بي مورغان تشايز» التعليق او الاجابة على تساؤلات في هذا الخصوص. غير انّ مطلع الاسبوع الجديد سوف يحفل بالتفاعلات مع القرار الجديد، ويبدو انه سوف يلزم الآخرين وينتشر بين البنوك المركزية في العالم، وسوف يصل حتماً الى مصرف لبنان المركزي ايضاً.