IMLebanon

الاقتصاد العالمي محاصر في حلقة مفرغة من طفرات الائتمان

FinancialTimes
مارتن وولف
التوسعات الضخمة في مجال الائتمان التي تلتها الأزمات ومحاولات معالجة أعقابها قد أصبحت سمة من سمات اقتصاد العالم. اليوم ربما تكون الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هاربتين من الأزمات التي أصابتهما قبل سبعة أعوام.
إن منطقة اليورو غارقة في ركود ما بعد الأزمة والصين تكافح مع الديون التي تراكمت، في محاولتها لتعويض خسارة أرباح التصدير، بعد الأزمة التي وقعت في عام 2008.
بدون وجود طفرة ائتمان غير مستدامة في مكان ما، يبدو أن الاقتصاد العالمي غير قادر على توليد نمو في الطلب يكون كافياً لاستيعاب العرض المحتمل.
يبدو أنه قانون الحفاظ على طفرات الائتمان. لنتأمل ربع القرن الماضي، طفرة ائتمان في اليابان التي انهارت بعد عام 1990؛ طفرة ائتمان في اقتصاد آسيا الناشئة التي انهارت في عام 1997؛ طفرة ائتمان في اقتصادات شمال المحيط الأطلنطي، التي انهارت بعد عام 2007؛ وأخيراً في الصين.
لقد تم استقبال كل منها على أنها حقبة جديدة من الازدهار، فإذا بها تتحوّل إلى أزمات وضائقة ما بعد الأزمة.
مؤلفو التقرير الجديد الرائع، “تقليص المديونية” أي تقليص مديونية؟ لا يُرحّبون بفرضيتي البائسة، سواءً كانوا على حق أم خطأ، إلا أنهم يعتبرون دورات الائتمان هذه بأنها أحداث مستقلة أساساً.
التقرير له قيمة كبيرة، فهو يُبرز بوضوح الطبيعة المحدودة لتقليص المديونية ما بعد الأزمة، ومحنة منطقة اليورو والتحدّيات الكبيرة التي تواجه الصين الآن.
إذا نظرت إلى العالم ككل، لم يكُن هناك أي تقليص مديونية كلّي منذ عام 2008. ونفس الشيء ينطبق على الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، التي يُنظر إليها على أنها كتلة واحدة. على أن القطاعات المالية قلّصت المديونية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؛ كذلك أيضاً، فعلت الأُسر في الولايات المتحدة، وبدرجة أقل، في المملكة المتحدة، حتى إن ديون الأُسر كانت متقاربة بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو ككل.
في نفس الوقت، ارتفع الدين العام بشكل حاد. لقد كانت تلك الأزمات المالية التي أدت إلى زيادة العجز المالي، واحدة من النتائج الأكثر أهمية في كتاب “الأمر مختلف هذه المرة” من تأليف كينيث روجوف وكارمن راينهارت من جامعة هارفارد.
منذ الأزمة، ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 46 نقطة مئوية في المملكة المتحدة و40 نقطة في الولايات المتحدة، مقابل 26 نقطة في منطقة اليورو.
حتى في الولايات المتحدة، حيث كان تقليص المديونية في القطاع الخاص سريعاً، إلا أن تقليص المديونية الإجمالي كان ضئيلاً. لا داعي لأن يؤدي ذلك إلى كارثة، إذا أصبحت الميزانية العمومية للحكومة قوية أكثر من ميزانية الكثير من القطاع الخاص، ذلك من شأنه إزالة الضغط.
منذ عام 2007 ارتفعت نسبة إجمالي الديون، باستثناء القطاع المالي، بمقدار 72 نقطة مئوية في الصين، لتصبح 220 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. في إمكان المرء أن يجادل ما إذا كان هذا المستوى قابلاً للاستدامة، لكن لا يمكنك أن تجادل ما إذا كان مثل هذا المعدل السريع في الارتفاع مستداماً؛ لا يمكن أن يكون كذلك.
ارتفاع الديون يجب أن يتوقف ربما مع آثار سلبية بشكل ملحوظ على معدل النمو في الصين أكثر مما يتوقعه إجماع المحللين اليوم.
دورات الائتمان مهمة، لأنها كثيراً ما يتبيّن أنها مُضرّة. التقرير يقسّم النتائج إلى ثلاث فئات، في “النوع الأول”، مثل السويد في أوائل التسعينيات، انخفض مستوى الناتج، ولم يستعِد اتجاهه ما قبل الأزمة، لكن معدل النمو انتعش.
في “النوع الثاني” الأكثر ضرراً، كما في اليابان منذ التسعينيات، ليس هناك أي انخفاض مُطلق في الناتج، لكن النمو المحتمل انخفض كثيراً عن معدل ما قبل الأزمة. أخيراً، في “النوع الثالث”، كما في منطقة اليورو الآن، وربما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يوجد على حد سواء انخفاض في الناتج وانخفاض دائم في النمو المحتمل.
هناك عدة أسباب محتملة لمثل هذه الخسائر الدائمة في الناتج والنمو. أحدها هو أن اتجاه ما قبل الأزمة كان غير مستدام. وآخر هو الضرر الذي لحق بالثقة، وبالتالي الاستثمارات والابتكار من الأزمة المالية.
من بين أهم الأسباب هناك عبء الديون. كما يُظهر التقرير، فإن تقليص المديونية أمر صعب. والإفلاس الشامل، كما في الثلاثينيات، مُدمّر، لكن العمل للخروج من الديون من المحتمل أن يولّد حلقة مفرغة من الديون المرتفعة إلى النمو المنخفض، والعودة إلى ديون أعلى بكثير.
اليوم أسعار الفائدة طويلة الأجل منخفضة في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع.
في منطقة اليورو، هذا إلى حد كبير بسبب تعهد ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، في شهر تموز (يوليو) عام 2012 للقيام “بكل ما يلزم”. للأسف، نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في منطقة اليورو مُحزن أيضاً، التضخم منخفض جداً والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ينمو بضعف، تحت ضربات التقشف في المالية العامة والطلب الخاص غير الكافي هيكلياً.

من الغريب أن منطقة اليورو يبدو أنها تنتظر جودو الطلب العالمي لتحويله إلى نمو، وبالتالي القدرة على تحمّل الديون. هذا قد ينجح مع البلدان الصغيرة، لكنه لن ينجح مع كافة البلدان.
يتحدث التقرير عن “التركيبة السامة.. بين الديون المرتفعة والأكثر ارتفاعاً وبين نمو الناتج المحلي الإجمالي (الاسمي والحقيقي على حد سواء) البطيء والمتباطئ”. ويُضيف، أن البلدان الطرفية في منطقة اليورو، حيث هذه الحلقة الضارة من الديون والنمو شديدة. ذلك ليس مفاجئاً. بلدان منطقة اليورو التي أصابتها الأزمة كانت تسعى لتعود إلى الوراء، فقد كانت سياسات منطقة اليورو تستبعد النمو اللازم.
ادارة مآزق ما بعد الأزمة تتطلب مزيجاً من الاعتراف الفوري بالخسائر، وإعادة رسملة القطاع المصرفي وسياسات مالية ونقدية (حيث تكون هذه عملية) داعمة بقوة لتعزيز النمو الاقتصادي.
ينبغي أن يكون الهدف هو استخدام كل من الشفرات والمقصات، تخفيض مباشر للديون وإعادة الرسملة من جهة ونمو اقتصادي قوي من جهة أخرى. وكانت الولايات المتحدة الأقرب في الحصول على هذا المزيج بشكل صحيح.
الدرس الأكبر من هذه الأزمات هو عدم جعل الديون تتفوّق على القدرة طويلة الأجل لأي اقتصاد من أجل دعمه في المقام الأول. الأمل هو أن السياسة الحصيفة في الاقتصاد الكلي ستحقق هذه النتيجة، حسناً، يمكن للمرء أن يأمل دائماً.
طفرات الائتمان هذه لم تنشأ من العدم، إنها نتيجة السياسات المعتمدة لتعزيز الطلب مع انهيار الفقاعات السابقة، عادة في أماكن أخرى في الاقتصاد العالمي، هذا هو ما حصل في الصين.
نحن بحاجة إلى الهرب من هذه الدورة القاتمة وعلى ما يبدو القاسية، لكن في الوقت الراهن، لقد عقدنا صفقة خاسرة مع طفرات الائتمان التي يقودها القطاع الخاص. وهناك المزيد من المتاعب الكبيرة بالتأكيد، لكنها تقبع في الانتظار.