IMLebanon

أوقفوا المزاريب… قبل فتح الحنفيات

Nahar
وليد بو سليمان

تزيد الأعباء المالية يوماً بعد يوم على الخزينة العامة في ضوء الإلتزامات المالية التي تثقل كاهلها، والمرشحة إلى مزيد من التعاظم. وهي تبدأ بالفاتورة الضخمة التي تكبدها مؤسسة كهرباء لبنان، التي كلفت حتى اللحظة أكثر من ثلث الدين العام، ولا تنتهي بالنفقات التي سترتبها سلسلة الرتب والرواتب لا سيما إذا لم تأت حسابات بيدر الواردات كما وردت في حقل تقديرات واضعي الصيغة النهائية.
إقرار السلسلة ضرورة لإنصاف أصحاب الحقوق، لكنّ هذا الأمر سيحمّل الاقتصاد اللبناني أعباء إضافية، لا سيما أنّ بعض الورادات المتوقعة ضمن الصيغة النهائية للمشروع، غير ثابتة وقد تتغير في حال تعرّض الاقتصاد لصدمة سلبية.
ومن ضمن هذه الخانة تأتي الضرائب على البيوعات العقارية التي تشكل محركاً أساسياً للاقتصاد، الا أن هذا القطاع يعاني منذ أكثر من سنتين ضغطاً بسبب الأزمة الإقليمية والتقلبات الأمنية الداخلية. وبالتالي من المستبعد أن تكون الواردات من هذا القطاع على قدر التقديرات التي يضعها المشروع. كذلك الأمر بالنسبة الى الضريبة على القيمة المضافة التي قد تتضاءل وارداتها في حال تعرض الاقتصاد لإنكماش بسبب السلسلة.
ولا بدّ من الإشارة، إلى أن مجلس النواب المنتخب منذ 2009 والممدد له والذي وصف بالعاطل عن العامل كونه لم يقم بواجبه التشريعي كما يفترض، كلّف الخزينة العامة حتى الآن، أكثر من 260 مليون دولار، أي ما يوازي 400مليار ليرة، وهي تشكل نحو ثلث كلفة السلسلة.
من هنا اقتراحنا، إرسال المشروع إلى المجلس الاقتصادي-الاجتماعي لأنه المكان المثالي لجمع هيئة التنسيق النقابية والهيئات الاقتصادية للاتفاق فيما بينها ووضع صيغة مشتركة لا بدّ منها لإنصاف أصحاب الحقوق من جهة وعدم أسر الاقتصاد وإرهاق المالية العامة من جهة أخرى، وهي ثلاثة شروط ضرورية كي لا تكون السلسلة خطوة ناقصة ومضرّة بحق الاقتصاد.
ولكن في كل الحالات لا خوف من تدهور الليرة جراء إقرار السلسلة لأن مصرف لبنان يتمتع بسيولة كافية وكبيرة تسمح له بالتدخل في حال تعرض الليرة لأي هزّة.
أما بالنسبة القطاع العقاري الذي تسعى الدولة إلى رفع الضرائب على بيوعاته، فنذكر أنه كان يعاني من ركود في الفترة الممتدة حتى العام2006، حين شهد تصحيحاً للأسعار ما سبّب ارتفاعها، أسوة بدول الجوار كالأردن وقبرص.
إلا أنّه بعد ضغوط أمنية وسياسية عادت حال الركود، لا سيما أنّه جرى سحب بعض الإستثمارات الأجنبية في حين يفضل المغتربون والمستثمرون الخليجيون ترقب الأوضاع، والتدخّل الوحيد حصل من جانب مصرف لبنان الذي ضخّ 800مليون دولار في هذا القطاع على شكل قروض ميسرة، ما ساعد في عدم هبوط الأسعار بشكل كبير.
وقد حافظت المساحات المرخصة على نموها بنسبة 14% مقارنة مع العام 2013، وهي تتركز في ضواحي العاصمة، مع العلم أنّ العرض والطلب هو الذي يتحكم بالأسعار فيما اليوم العرض أكبر من الطلب، حيث يتحدث بعض المطورين عن حسومات بين10 و15%، إلا أنها ليست سوى عملية تجميل لانخفاض الأسعار.
وشهد النصف الأول من العام الحالي ارتفاعاً في المساحات المرخصة بنسبة 16% بسبب تشكيل الحكومة والصدمة الإيجابية التي أحدثتها الخطوة، ليعود ويحصل تدهور في هذه النسبة، حيث انخفضت من 825 ألف متر مربع إلى 823 ألف متر مربع مقارنة مع العام 2013.
وفي هذا السياق نطالب بتطبيق العدالة الاجتماعية من خلال مأسسة عمل السماسرة العقاريين من باب تفادي المضاربة وإخضاعهم للضرائب، ما سيؤدي إلى مراقبة هذا القطاع ووضع مؤشر علمي له ليكون نقطة الإرتكاز لعمليات الشراء أو الإيجار، والا ستستمر الفوضى وعمليات المضاربة.
أما قطاع الكهرباء الذي يعتبر المزراب الأكبر للخزينة العامة، فقد بلغت مؤسسته وضعاً لم يعد مقبولاً، مع العلم أنّ التعاطي الرسمي مع هذا القطاع منذ سنوات، كان يتم عبر المحاصصة والصفقات المشبوهة وقد كبّد الخزينة العامة ما لا يقلّ عن 23 مليار دولار، والذي يوازي نحو 35% من الدين الإجمالي، حيث يشكل عجز المؤسسة 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
في المقابل، فإنّ التجربة مع القطاع الخاص سليمة وجيدة بدليل أنّه يمكن للمؤسسة أن تسترد كل سنتين قيمة الاستثمار الذي استثمرته في الشركات موزعي الخدمات، ما يعني تحقيق سنوياً أرباح بنسبة 50%. كما أنّ النجاح الذي يحققه القطاع الخلوي والأرباح التي تجنيها الدولة دليل إضافي على ضرورة إشراك القطاع الخاص في قطاع الكهرباء.
ولهذا لا بدّ من إعادة النظر بهيكلية مؤسسة كهرباء لبنان بسبب الهدر الذي يسببه القطاع، خصوصاً أنّ الشركة أعلنت رسمياً عن شحّ مالي صارت تعاني منه بفعل إضراب المياومين حيث تخطت الخسائر الـ80 مليار ليرة منذ بدء الإعتصام. ولا حرج في تلزيم الإدارة إلى القطاع الخاص إنقاذاً للمؤسسة ومنعاً للتوظيف السياسي وتحسيناً للجباية وإزالة للتعديات على الشبكة.
ونعتقد أن خصخصة إدارة القطاع ستوفّر على الخزينة العامة ما لا يقلّ عن ملياري دولار سنوياً، وتحرره من التوظيف السياسي، كما ستكرس مبدأ المحاسبة والمسآلة، كما يحصل مع الشركات التي تدير القطاع الخلوي، وقد تسمح مع الوقت في تحقيق الأرباح.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، نحذر ختاماً من مفاعيل التمديد لمجلس النواب مرة جديدة لأنه سيضرب مصداقية الدولة اقتصادياً ومالياً تجاه الداخل والخارج، وقد يهز ثقة المؤسسات الدولية المالية بالاقتصاد اللبناني، مع العلم أن تصنيفنا الإئتماني صار على المحك بعدما أثبتنا أننا لا نتمتع بالرشد السياسي الذي يسمح لنا بإدارة شؤوننا بعقلانية.