IMLebanon

نائب رئيس البنك الدولي: 53 % من سكان الشرق الأوسط يعيشون دون 4 دولارات يوميا

SharkAwsat1
مينا العريبي
في وقت تشهد منطقة الشرق الأوسط فيه اضطرابات متتالية وعدم استقرار في الكثير من الدول، يأتي التأثير الأكبر من هذه الاضطرابات على الفقراء في المجتمع.
وشددت نائبة رئيس البنك الدولي إنغر أندرسون في حوار مع «الشرق الأوسط» على ضرورة معالجة نسب الفقر في المنطقة، حيث يعيش 53 في المائة من شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دون 4 دولارات في اليوم. وقارنت أندرسون مرحلة الصراع والاضطرابات التي يشهدها العالم العربي بفترة الحرب العالمية الثانية، قبل 70 عاما تحديدا، عندما اجتمعت الدول الحليفة والصناعية على خلق آلية لإدارة العلاقات المالية حول العالم، وخرجت منها مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بعد مؤتمر «بريتون وودز»، التي ساعدت على استقرار وتهدئة أوروبا والولايات المتحدة. وشددت أندرسون على أهمية الخروج بصيغة مشابهة للعالم العربي اليوم للنهوض بمؤسسات وقوانين لبناء المستقبل.
والتقت «الشرق الأوسط» أندرسون في مكتبها بمقر البنك الدولي وسط واشنطن على هامش اجتماعات مجموعة البنك وصندوق النقد الدوليين. وفي ما يلي نص الحوار:

* هناك توقع بأن يكون معدل النمو لمنطقة الشرق الأوسط 4.2 في المائة للعام المقبل، مع فجوة كبيرة بين دول المنطقة. ما يدفع هذا النمو؟
– نحن نتطلع إلى ثلاثة مسارات. هناك بالطبع دول تعاني من صراع عميق واضطرابات، حيث يكون النمو بمستويات لا تذكر أو حتى عكسية. وهناك الدول التي تشهد انتقالا سياسيا وتتقدم مثل مصر وتونس، حيث النمو بمعدل نحو 3 في المائة. وهذا أمر جيد ولكن أدنى من إمكانيات تلك الدول، ونتطلع إلى انتقال تلك الدول إلى مسار أقوى خلال المرحلة المقبلة. ولدينا أيضا الدول المصدرة للنفط حيث النمو أكبر، ولذلك المعدل يخرج بنسبة جيدة بنحو 4.5 في المائة. عند النظر إلى الدول التي تشهد انتقالا سياسيا ونقارنها بأوروبا على سبيل المثال، تبقى المستويات جيدة ولكن ليست كافية عندما نرى أن هناك شعبا من الشباب بحاجة إلى نمو يولد فرص العمل. في النهاية، ما نتحدث عنه هو أن النمو موجود بعودة دول الانتقال السياسي إلى مسار النمو ولكنها دون المستويات المطلوبة، بالإضافة إلى نمو الدول المصدرة للنفط.
* البعض يعتقد أن مستويات النمو غير معبرة عن حقيقة الواقع على الأرض بالنسبة إلى الشعوب، خصوصا عند قياس مستويات الفقر في الكثير من الدول. وأحد محاور اجتماعات هذا الأسبوع هو «الازدهار المشترك»، ولكن هناك عقبات أمام وصول الازدهار إلى نحو 40 في المائة من الشعب. كيف يعالج العالم ذلك التحدي؟
– هذا أمر مثير. إذن نبدأ بقضية الفقر. إذا نظرنا فقط إلى مؤشر خط الفقر المحدد بـ1.25 دولار في اليوم، فيمكننا القول إننا نجحنا في القضاء على الفقر المدقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ نحو 3 في المائة فقط من الشعب يعيش بهذا المستوى، ولكن هذا ليس قياسا سليما، فإذا رفعنا النسبة إلى دولارين في اليوم نجد أن نسبة من يعيش في فقر من الشعب ترتفع إلى 13 في المائة. وإذا رفعنا الخط إلى 4 دولارات في اليوم، ونعلم أن العيش على 4 دولارات في اليوم بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شبه مستحيل، حينها نتكلم عن 53 في المائة من الشعب. وأي أزمة بسيطة أو أي خلل يمكن أن يدفع المزيد من الناس في الفقر المدقع. وهذه مأساة النزاع الذي نشهده في المشرق والاضطرابات في ليبيا، بالإضافة إلى ما نشهده في اليمن. أية أزمة تؤثر بشكل مهول على نصف الشعب عندما نتحدث عن 4 دولارات في اليوم، وهو ما يعيش عليه 53 في المائة من شعوب المنطقة. فعندما نريد أن نتحدث عن الازدهار المشترك وعن الـ40 في المائة ذات الدخل الأدنى في المنطقة، ورفعهم إلى الازدهار، هنا نرى الربط بين الفقر والازدهار المشترك، والوصول إلى إنهاء الفقر، هناك إصلاحات أساسية متطلبة كي يمكن الوصول إلى هؤلاء.
* ركزتم على قضية الدعم خلال الفترة الماضية، وأصدر البنك الدولي تقريرا عن مسألة الدعم هذا الأسبوع، ولكن يأتي ذلك في وقت يشهد عدد من الدول اضطرابات من الصعب خلالها اتخاذ قرارات حاسمة، ورأينا تبعات رفع الدعم في اليمن التي استغلت سياسيا. فكيف يمكن معالجة هذه القضية؟
– ما نريد التركيز عليه من خلال هذا التقرير هو أن مسألة الدعم في المنطقة تحتاج إلى معالجة. المنطقة يسكنها نحو 5.5 في المائة من سكان الكرة الأرضية، و3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم يخرج منها، ولكنها تمثل 48 في المائة من سياسات دعم الوقود في العالم. فما يحدث هنا؟ لأسباب عدة ليس لدينا الوقت أن نخوض بها الآن، هناك تقليد تاريخي من دعم الوقود. نصف نسب دعم الوقود في العالم يحدث في منطقة تولد 3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم. منذ زمن، نتكلم عن حقيقة أن الدعم يفيد الأغنياء أكثر من الفقراء، ونتحدث عن منقطة تشكو من ضعف في إيصال الخدمات للشعب، حيث يمكن تقوية التعليم والرعاية الصحية والكثير من الأمور التي نتوقع أن تقدمها الحكومة. تحدثنا أيضا عن منطقة يعيش نصف سكانها دون 4 دولارات في اليوم. فلنتخيل استخدام الأموال المقدمة لدعم الوقود لأغراض إنتاجية وباتجاه برامج تفيد الشعب. قلنا دوما إنه من الضروري تقديم برامج لحماية الفقراء قبل بدء سياسات رفع الدعم. وكان هذا دائما منهاجنا وننصح به، قدموا شبكات الأمان للفقراء أولا وإلا لا تلمسوا الدعم. ويظهر تقريرنا أن هناك 4 محاور تظهر ضرر الدعم على بنية البلاد، وذلك ما عدا التأثير المباشر على الميزانية. أولا إذا كان لديك طاقة رخيصة جدا، فالصناعات التي تولد استثمارات هي الصناعات المعتمدة بشكل كبير على الطاقة مثل الإسمنت والآلات الثقيلة، ولكن لن تولد صناعات خفيفة تخلق فرص عمل أكبر. فتصبح الاستثمارات في مجالات فقيرة في توليد الوظائف. النقطة الثانية هي النقل. لدينا في هذه المنطقة مشكلة ازدحام واختناق مع نقص في الاستثمارات في مجال النقل العام. فيظهر أن الدعم هو للسيارات وليس للبشر، وهذا لديه نتيجة سلبية على النمو مع ساعات تضيع في الازدحام، بالإضافة إلى التأثير السلبي على الصحة وأزمة في نسب حوادث السير. النقطة الثالثة هي أن في الكثير من دول المنطقة يقدم الدعم لوقود الديزل لدفع المياه، بطريقة لا يمكن استدامتها. والنقطة الرابعة هي النمو، عندما يصرف هذا الكم الهائل من الميزانية على الدعم فإن ذلك يعني أنه لا يصرف على مجالات أخرى يمكن أن تولد النمو. السؤال هو: كيف يمكن تحقيق شبكة أمان اجتماعية بطريقة سلمية ووضع الاستثمارات السليمة والابتعاد عن الدعم؟
* ما رسالتكم للمسؤولين المجتمعين في واشنطن؟ هل ترتكز على قضية الدعم ومعالجة الفقر؟
– أعتقد أن لكل دولة خصوصيتها. هناك حكومات متتالية في كل دولة. تونس والمغرب حققا تقدما مهمّا، والأردن اتخذ خطوات شجاعة على جانب الوقود والآن ينظر في مجال الكهرباء. ومصر قامت بخطوات مهمة. كل ذلك يأتي في واقع سياسي علينا الانتباه إليه. ورسالتنا واضحة: تجنبوا الصدمات. اضمنوا عدم وقوع الفقراء خلال هذه التغييرات، اضمنوا وجود شبكات أمان تحتهم. والقضية الأوسع أن هذه ليست فقط مسألة متعلقة بالميزانية، بل بالصحة والماء وغيرها من قضايا أساسية.
* استخدمت قضية رفع الدعم في اليمن بطريقة سياسية، وتشهد صنعاء أزمة حقيقية الآن. كيف تقيمون الوضع في اليمن الآن؟
– أولا أريد أن أعبر عن دعمنا الشديد للرئيس عبد ربه منصور هادي واتفاقية السلم والشراكة التي جرى توقيعها مؤخرا. هذه الاتفاقية، وكل ملاحقها، تحدد المسار المقبل مع ضرورة نزع سلاح الميليشيات وتشكيل حكومة وفاق. من الضروري جدا الالتزام بهذه الاتفاقية. وأنا متأكدة أن ذلك ينطبق على الناحية السياسية، ولكن أنا أتحدث عن الناحية الاقتصادية. اليمن هو أفقر دولة في المنطقة، واليمن لا يمكن أن يتحمل المزيد من الصدمات أو صراعات معمقة. اليمن يحتاج إلى الاستثمار في مستقبله كي يرى الشباب أن لديهم مستقبلا في البلاد. قرار الحكومة للإعلان عن رفع بعض الدعم، ومن ثم التراجع نسبيا، كان اتفاقا سياسيا علينا أن نفهمه. كانت هناك حاجة إلى مساومة. ما كنا نرغب في رؤيته هو التوصل إلى برنامج شبكة أمان متكاملة في البلاد. من طرفنا، نحن نستثمر في صندوق الرعاية الاجتماعية لتوسيعه. إذا كان هناك برنامج لمعالجة مسألة الدعم تدريجيا، كان من الممكن الانتقال من الدعم إلى الاستثمار في صندوق الرعاية الاجتماعية لتقديم الضمانات للشعب. القضية الآن باتت مرتكزة على الحاجة الملحّة للتوصل إلى اتفاق على المسار السياسي، وهذا أمر ملحّ كي لا يتضرر الاقتصاد أكثر من ذلك.
* هل تأثرت برامجكم في اليمن منذ دخول الحوثيين إلى صنعاء؟
– لا، أبدا. لدينا مكتب هناك، نقوم بعملنا، ووقعنا في اليمن منذ الانتقال السياسي فيها 14 مشروعا جديدا بقيمة 592 مليون دولار. وفي مؤتمر الرياض للمانحين تعهدنا بـ400 مليون دولار، ولكن قدمنا أكثر من 600 مليون دولار، ولدينا 34 مشروعا حيويا في البلاد حاليا بقيمة إجمالية 1.1 مليار دولار، ووافق مجلس مديرينا على 3 برامج في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) هذا العام، وسنوقعها قريبا. وأحد المشاريع أقرب إلى حزمة من الحوافز ويزود فرص عمل في مجالات تطلق أيادي عاملة مثل تبليط الشوارع، بالإضافة إلى مشروع لتخصيص 50 مليونا في صندوق التنمية الاجتماعية، والثالث يركز على المدارس وتحسين التعليم. نحن لن نترك اليمن. ولكن المهم أن يتوصل اليمنيون والفرقاء المختلفون إلى اتفاق لأن اليمن لا يستطيع أن يتحمل المزيد.
* في حال سقطت الحكومة في أيدي الحوثيين، هل لديكم خطط لمعالجة الأزمة؟ وهل ستبقون في اليمن حينها؟
– من غير الملائم أن أتكهن حول ما يمكن أن يحدث. لدينا مشاريع مع حكومة الرئيس هادي والعالم نفسه الذي قدم التعهدات لحكومة هادي في مؤتمر المانحين في الرياض.
* لننتقل إلى العراق حيث تتفاقم الأزمات. جزء من البلد سقط في أيدي «داعش»، والبرلمان لم يقر حتى الآن ميزانية لعام 2014. ما تطلعاتكم للعراق خلال العام المقبل؟
– حاليا العراق يمر بظروف صعبة جدا. ومن الصعب تخيل التحديات أمام الحكومة. كنا نتوقع نموا في السابق، عندما كنا أكثر تفاؤلا مع تقارب الفصائل السياسية وتقدم إلى الأمام في قطاعات أساسية، ولكن الآن علينا أن نعيد تقييمنا. ليس لدينا أرقام مؤكدة في ما يخص العراق بسبب الظروف المضطربة، ولكن من الواضح أن إنتاج النفط في الجنوب لم يتأثر، وهذا أمر جيد جدا. ما يقلقنا هو خلل في الأمن الغذائي ومواسم الزراعة وتأثير ذلك على الأمد البعيد. ونتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للعام المقبل. نحن ما زلنا موجودين في العراق ولم نعطل مشاريعنا هناك حيث يمكننا العمل، أي المناطق التي تسطير عليها الحكومة. وقد وافقنا مع بنك التنمية الإسلامي على مشروع لقطاع النقل بقيمة 350 مليون دولار ونتوقع أن يبدأ تنفيذه قريبا لربط الشمال بالجنوب.
* هل كانت لديكم مشاريع في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»؟
– بالصدفة فقط، تلك المشاريع انتهت في يونيو (حزيران) الماضي، وكنا نستعد لمشاريع جديدة ولكن بالطبع علينا إعادة تقييم الوضع. بعض تلك المشاريع كانت تخص مدارس وبنى تحتية للمياه.
* ما نسبة النمو المتوقعة للعراق؟
– نتوقع أن يكون النمو سلبيا، بحدود 2 أو 3 في المائة سلبيا، ونتوقع 1.5 في المائة إيجابيا لعام 2015، ولكن ذلك يمكن أن يتغير، بناء على بقاء خط تصدير النفط من الجنوب سليما.
* لننتقل إلى فلسطين، حيث يعقد مشروع إعادة إعمار غزة في القاهرة اليوم. ماذا سيكون دوركم في إعادة الإعمار؟ وما التحديات الكبرى في هذه العملية؟
– نحتاج إلى العمل بأسرع وقت ممكن. خلال الصراع الذي استمر أكثر من 50 يوما، كانت هناك أيام هدنة، وخلال أحدها فإن المدير المحلي الذي يقيم في القدس الشرقية زار غزة لتقييم الوضع. وفور وقف إطلاق النار واصلنا التقييم. طلبت السلطة الفلسطينية منا أن نقوم بتقييم شامل للاحتياجات، وسننظر في جميع القطاعات. ولكن قمنا بتقييم سريع لثلاثة قطاعات: المياه، الشؤون البلدية، الكهرباء. وعندما أقول الشؤون البلدية أعني الشوارع والجسور والبنى التحتية. وفي فترة استغرقت أقل من 5 أسابيع، رتبنا 4 مشاريع سنقدمها إلى مجلسنا في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لدعم السلطة الفلسطينية في القطاعات الثلاثة بالإضافة إلى دعم الميزانية.
* هل هذه المشاريع لقطاع غزة فقط أم للضفة الغربية أيضا؟
– لغزة فقط، بالإضافة إلى ذلك بالطبع لدينا مشاريع دورية للضفة الغربية.
* ما تكلفة هذه المشاريع لغزة؟
– سنعلن ذلك فور الموافقة على المشاريع، ولكن التقدير الحالي للتخطيط 63 مليون دولار، ولكن لم تصدر الموافقة بعد. والأمر الذي يجب أن يقلق العالم حاليا أن نحو 60 ألف وحدة سكانية دمرت في غزة، والعائلات غير قادرة على السكن فيها. ما زال هناك نحو 100 ألف فلسطيني نازح (خلال الحرب الأخيرة) ويعيشون في ظروف صعبة، إما في مدارس «الأونروا» وإما مع أقاربهم. هناك عائلات يسكن فيها نحو 100 شخص في الشقة. بالنسبة إلى الذين يسكنون في الملاجئ العشوائية أو الخيام، شتاء البحر المتوسط يقترب، وعادة ما تنزل الأمطار، ويمكن أن تكون هناك ثلوج، وهذه قضية تثير قلقا بالغا. أصدقاؤنا في الأمم المتحدة يعملون جاهدين، ولكن المطلوب هو السماح بدخول الموارد، وقد أعدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي آلية لتسهيل دخول مواد البناء، ولكن هذه خطوة أولى في مشوار طويل.
* هل تشاركون في اجتماع القاهرة لإعادة إعمار غزة؟
– البنك سيشارك بالطبع، أنا لن أشارك لأنني سأكون هنا للاجتماعات.
* وما أولوياتكم للمؤتمر؟
– سنتحدث عن القطاعات الثلاثة: المياه والبلدية والكهرباء، بالإضافة إلى عملنا على قطاع الصحة الذي سنعلن عنه في نوفمبر (تشرين الثاني)، ولكننا أولا نحتاج إلى التنسيق مع كل من يعمل في هذا القطاع. و63 مليون دولار لن تكون كافية لهذه القطاعات، وسنتحدث عن ضرورة التمويل. وسنكون صوتا من بين جوقة من الأصوات التي تنادي بضمان أولوية إعادة الإعمار بإشراف السلطة الفلسطينية وبحكومة وحدة وطنية.
* كيف تقيمون الاقتصاد السوري الذي عانى أكثر من 3 سنوات من الحرب وتأثيرها على الشعب؟
– أرقامنا حول سوريا غير مؤكدة للأسباب التي ذكرتِها، ولذلك تقييمنا حذر جدا. نعتقد أن نسبة الناتج المحلي الإجمالي تراجعت بنحو 13 في المائة لعام 2013، ونحن حذرون في الإعلان عن نتائج عام 2014، قد تكون في الصفر أو أعلى بقليل. فقد نزح نحو 4 ملايين شخص داخل البلاد ونحو 3 أو 4 ملايين لاجئ، لكن الأرقام غير مؤكدة، إذ إن هناك من يسجل كلاجئ ومن لا يسجل كلاجئ. نرى اضطرابات كبيرة في الأعداد لأي محصول زراعي، وهناك اضطرابات في القطاع النفطي. جميع القطاعات مضطربة. نحن لسنا موجودين على الأرض.
* يعاني كل من الأردن ولبنان أزمات مالية لأسباب متعددة، جزء بسبب ما يدور في سوريا…
– بالنسبة إلى الأردن أسسنا صندوق ائتمان وتبرعنا بـ10 ملايين دولار وجذب الصندوق 60 مليون دولار من أطراف أخرى من أجل دعم البلديات الأردنية التي تستضيف أكبر نسب اللاجئين. والأمر نفسه في لبنان، حيث خصصنا موارد من طرفنا ومن المانحين، ولكن بالتأكيد هناك حاجة لمنح قوية ومتتالية لدعم البلدين ليواصلا استضافة اللاجئين. أفضل شيء يمكن أن يفعله العالم هو دعم حكومات الدول المضيفة كي يبقى مجال الاستضافة للاجئين وكي يتقبل الشعب هؤلاء. لا يمكن أن يتعب العالم الآن.. وعلى العالم أن يبقى متأهبا لمواجهة هذه الأزمة وإلا سيتعب منها.
* كيف تتطلعون إلى المؤتمر الذي دعت إليه مصر في فبراير (شباط) المقبل لجلب الاستثمارات ودعم الاقتصاد؟
– هذه فرصة لإظهار أن مصر مستعدة للعمل. من الضروري أن تعالج مصر قضية إصلاح البيئة الاستثمارية والتخلص من البيروقراطية ووضع التشريعات التي تشجع الاستثمارات المشتركة بين القطاعين العام والخاص. ويجب معالجة هذه القضايا قبل المؤتمر، كي يكون من الأسهل أن تأتي الشركات لخلق فرص العمل. لقد بدأت مصر في عدد من تلك الإصلاحات، ولكن ما زالت هناك مجموعة منها تنتظر التطبيق.
* إذن ننتقل إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ما الفرص الأبرز لتلك الدول للعام المقبل، وأكبر التحديات؟
– أعتقد أننا نرى في تلك الدولي نموا مستداما بنحو 5.5 في المائة كمعدل، 7.1 في المائة لقطر.. إنه نمو مستدام على حسب توقعاتنا. نرى أداء قويا ووضعا اقتصاديا كليا قويا، من حيث الفوائض والاحتياط. هذه فوائد للمنطقة كلها، لأننا شهدنا سخاء تلك الدول تجاه دول جوارها، إذا كان لليمن أو لمصر. لذلك فالأداء القوي في دول مجلس التعاون سيكون له دور في مساعدة دول جوار عربية. ولقد رأينا كرما مهمّا تجاه الدول التي تشهد تحديات في المنطقة.
* عند النظر إلى العام المقبل، ما أهم التحديات التي سنواجهها في المنطقة؟
– علينا أن ننظر إلى مسارين. من جهة، هناك الحاجة للتعامل مع الوضع الحالي ومعالجة الأزمات إذا كانت في فلسطين أو اليمن أو العراق أو لبنان أو الأردن، بسبب تدفق اللاجئين. وعلى العالم أن يكون حذرا جدا وإلا سيتعب من هذه الأزمات الطويلة. ولكن علينا أيضا أن لا ننشغل فقط بالوضع الراهن، يجب أن تكون أعيننا على المدى البعيد، وأن نوسع الأفق الذي نتطلع إليه. كثيرا ما نتحدث عن عامي 1943 و1944، عندما كانت الحرب تشتعل حول العالم، كان لدى القادة الرؤية للاجتماع والتخطيط لما يأتي بعد الحرب، ومنها خرجت مؤسسات «بريتون وودز». نحن نقول إن هذه لحظة «بريتون وودز» للعالم العربي. حان الوقت ليتعامل العالم مع الأزمات الحالية، ولكن أيضا أن ينظر بعمق أكثر إلى ما تحتاج إليه منطقة الشرق الأوسط، وهي تحتاج إلى الاستثمارات والقطاع الخاص والدعم الشعبي، بالإضافة إلى الإصلاحات الضرورية، من حيث وضع شبكات الائتمان الضرورية ومعالجة قضايا الدعم وتهيئة بيئة الاستثمار. حان الوقت لتحصل المنطقة على المستقبل الزاهر الذي تستحقه، إنها جغرافيا في موقع مثالي بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، لديها شعب شاب مثقف وحيوي.. كل ما تحتاج إليه المنطقة هو إتاحة الفرصة لها للنجاح.