IMLebanon

نفط لبنان على خطى «كاشاغان»

Joumhouriya-Leb

أنطوان فرح
مَن يتابع حركة الاسواق العالمية يدرك انّ الاقتصاد العالمي ليس على ما يرام في هذه الحقبة، وانّ الرياح التي تهبّ على الاسعار تُنذِر بحصول تغييرات مهمّة ستؤثر حتماً في اقتصاديّات الدول كلها، وفي الاوضاع المعيشية للشعوب. لكنّ الحكومة اللبنانية تبدو وكأنّها غائبة عن السمع. فهل انّ ما يجري سيؤثر في الاقتصاد المحلي؟ وما هي التداعيات والمحاذير والايجابيات المتوقعّة؟

في البداية، لا بد من الاشارة الى انّ التغيير الاساسي في حركة الاسواق يكمُن في ثلاث نقاط أساسية:

أولاً – أسعار الدولار الذي يرتفع على كلّ العملات تقريباً، بما يؤشّر الى قوّة الاقتصاد الاميركي حالياً، واليورو الذي يتراجع بنسَب أكبر من نسَب ارتفاع الدولار، بما يؤشّر الى مكامن ضعف في الاقتصاديات الاوروبية.

ثانياً – أسعار الذهب التي لا تزال تميل الى الهبوط، على رغم التوقعات المتضاربة في شأن مستقبل المعدن الاصفر.

ثالثاً – أسعار النفط التي يبدو أنها تتهاوى، وقد وصلت الى مستويات متدنية لم تبلغها منذ فترة طويلة.

تفاصيل التداعيات

في موضوع الدولار، لا شك في انّ استمرار ارتفاع العملة الخضراء يعني عملياً ارتفاع القدرة الشرائية لدى اللبنانيّين، لأنّ الليرة مرتبطة بالدولار. لكن في المقابل، فإنّ هذا الارتفاع يشكّل ضغوطات اضافية على البنك المركزي لجهة تثبيت سِعر صرف العملة الوطنية، على اعتبار انّ الدولار يرتفع بناء على أداء الاقتصاد الاميركي، في حين انّ الليرة ترتفع اصطناعياً، بسبب ربطها بسِعر صرف الدولار، وهنا تكمن صعوبة الحفاظ على هذا الوضع في حال واصلَ الدولار الارتفاع. وبالمقارنة مع اليورو، فإنّ الدولار ارتفع حوالى 8 في المئة خلال الشهرين الماضيين، وهي نسبة مُقلقة، وستصبح مُقلقة اكثر اذا تواصل هذا المنحى.

ثانياً – في أسعار الذهب الذي يتراجع، خَسر لبنان حتى الآن حوالى 40 في المئة من قيمة احتياطي الذهب لديه، قياساً بالسعر الاعلى الذي بلغه المعدن الاصفر. ويبلغ احتياطيّ لبنان الرسمي من الذهب 286,8 طناً، وهو احتياطي كبير. لكن، وبما انّ هذا الاحتياطي بات يشكّل عامل استقرار نفسي، فمِن المفيد عدم التفريط به، لكنّ المشكلة انّ استمرار تراجع اسعار الذهب، من دون وجود صلاحية للشراء او البيع الظرفي لتحقيق أرباح، وزيادة الكمية، يعني انّ هذا العامل قد يصبح أقلّ أهمية مع الوقت، لأنّ قيمة هذا الاحتياطي الثابت، من حيث الكمية، قد تصبح متدنية كثيراً قياساً بحَجم الاحتياطيّ العام من العملات، وقياساً بحجم الدين العام الخارجي.

ثالثاً – بالنسبة الى أسعار النفط التي تتراجع بوتيرة سريعة، فإنّ التداعيات متعددة. وسوف يؤدي تراجع الاسعار الى خَفض الفاتورة النفطية التي تستهلك نسبة مرتفعة من الإنفاق العام. وتُبيّن الأرقام انّ أسعار النفط تراجعت حوالى 16 في المئة منذ عام حتى اليوم.

وقد وصلَ سعر برميل النفط الخام الى 85 دولاراً. وفي حِسبة بسيطة، فإنّ الفاتورة النفطية قد تتراجع من حوالى 5 مليارات دولار سنوياً، الى حوالى 4,2 مليار دولار، بما يعني وَفراً بحوالى 800 مليون دولار. وهذا يوازي حوالى 70 في المئة من تمويل سلسلة الرتب والرواتب.

بالإضافة الى ذلك، فإنّ استمرار تراجع اسعار النفط قد ينعكس ايجاباً على قدرة المواطن الشرائية، على اعتبار انّ حصّة المحروقات في الانفاق العائلي تبلغ حوالى 20 الى 25 في المئة من الراتب، كمعدّل عام، وهي نسبة مرتفعة ومُرهِقة.

لكنّ الملاحظة هنا، انّ تراجع اسعار المحروقات محلياً لا يتماهى مع نسبة تراجعها عالمياً، وهذا يطرح علامات استفهام حول طُرق التسعير. ويتبيّن انّ سعر صفيحة البنزين (98 أوكتان) في حزيران 2013 كان 34200 ل.ل.

وكان سعر برميل النفط في حينه 103 دولارات. اليوم، يبلغ سعر صفيحة البنزين 32200 ل.ل. في حين أصبح سعر برميل النفط 85 دولاراً. النفط تراجع عالمياً 16% وتراجع محلياً 6% فقط ! ويجب ان يكون سعر صفيحة البنزين حاليّاً 29000 ل.ل.

في كلّ الاحوال الى جانب الايجابيّات التي تُرافِق تراجع أسعار النفط، هناك مخاوف من تداعيات سلبية، من ضمنها تراجع تحويلات البترودولار من دوَل الخليج العربيّ، سواء من قِبَل اللبنانيّين أو من قِبَل الخليجيّين أنفسهم.

الى ذلك، هناك مخاوف من انّ استمرار تراجع اسعار النفط قد يجعل الثروة النفطية والغازية التي اكتشفت في لبنان من دون جدوى اقتصادية، بحيث انّ كلفة الاستخراج تصبح غير تجارية. خصوصاً أنّنا في لبنان نعاني مشاكل بنيوية في استخراج النفط، وفي طليعتها الفساد المُستشري في الدولة. ويستطيع الفساد ان يدمّر الثروات، والأمثلة لا تعوزنا، إذ يكفي أن نطّلع على ما جرى في كازاخستان.

عام 2000 تمّ اكتشاف حقل «كاشاغان»، وقُدّرت الثروة بحوالى 1,2 مليون برميل يومياً، واعتبر الحقل من أكبر حقول النفط في العالم. لكن، وبعد عمل استمرّ سنوات طويلة، واستغرق وقتاً أكثر من اللازم، تبيّن اليوم انّ الحقل كَلّف 40 مليار دولار حتى الان، ولا إمكانية لاستخراج النفط منه بعدما تعرّضَ لنكسة تقنية من خلال تَسرّب الغاز.

هذا الحقل الذي عملت على تطويره شركات عالمية بإشراف رسميّ من كازاخستان، انتهى الى فشل ذريع، والسبب، كما أوجَزته دراسات الشركات، هو «الحاجة الى تدخّل حكومي، وما عانَاه المشروع من التدخّلات الحكومية». وفي هذا التعبير إشارة الى الفساد الحكومي، والعقم الذي بَدّد ثروة بهذا الحجم. فهل انّ الحكومة اللبنانية، كما يعرفها الناس، بعيدة عن تَبديد الثروة النفطية في لبنان؟

في النتيجة، ما يجري في الأسواق العالمية يحتاج الى متابعة، لأنه ينعكس حتماً على الوضع الاقتصادي اللبناني. ويمكن، من خلال المتابعة، تخفيف التداعيات السلبية، وتكبير الانعكاسات الايجابية، في حين أنّ البقاء في حال غياب عن الوعي، يزيد المخاطر ويضيّع الفرَص.