IMLebanon

«بقدرتك تحقق أحلامك»…هل انتهى شهر العسل بين القطاع المصرفي ومصرف لبنان؟

Akhbar
ربيع جميل

هل انتهى شهر العسل بين القطاع المصرفي ومصرف لبنان؟ سؤال يتبادر الى الأذهان بعد توالي الأنباء عن جملة من الإجراءات التي اعتمدها المصرف المركزي اخيراً، تقع تحت دوره الرقابي المباشر على المصارف التجارية وحرصه على استمرار الأمان المالي.
في البدء كان إنشاء لجنة تختص بمراقبة محافظ التسليف للمصارف، التي أتت بعدما دق الحاكم ناقوس الخطر بسبب وصول نسبة القروض الاستهلاكية الى حوالي 50% من إجمالي مداخيل الأسر («الاخبار»- العدد ٢٣٢٣ الجمعة ٢٠ حزيران ٢٠١٤). وهذا ما يؤكد ان قسما كبيرا من إنفاق اللبنانيين يتأتى من مصادر لا ترتبط بمداخيلهم الحقيقية. ليستتبع هذا الاجراء بالتعميم الأخير (رقم 273)، الذي يجبر المصارف على الالتزام بسقف لا يتخطى تمويل ما نسبته 75% من إجمالي ثمن الأصول المنوي شراؤها ( تحديداً السيارات والشقق السكنية). أثار هذا التعميم جملة من التساؤلات التي وضعته في خانة استهداف محدودي الدخل وحرمانهم من حقهم بالحصول على السكن ووسيلة النقل، في بلد يخلو من اي سياسة اسكانية او استراتيجية نقل عام. لمصلحة من تأتي هذه الاجراءات؟ هل هي لحماية محدودي الدخل من فوضى القروض الاستهلاكية؟ أم انها تأتي لتحمي القطاع المصرفي من نهمه المستمر للأرباح السريعة؟ كما لا بد من سؤال المصرف المركزي عن أثر سياسات الدعم للقروض السكنية، التي اعتمدت خلال عقد من الزمن على الأقل، على مستوى الانتاجية العامة. فهل ساهمت في تكبير حجم الاقتصاد وتحسين نوعية حياة اللبنانيين؟ ما يمكننا استنتاجه من هذه الاجراءات ان الهندسة التسليفية التي انتهجت في المرحلة الماضية باتت قاب قوسين من إدخال القطاع المصرفي ككل في أزمة قد لا تحمد عقباها، ولا سيما اذا ازداد التدهور الاقتصادي، في ظل نمو مأزوم أصلاً، داخليا بسبب البنية الريعية الهشة والفراغ السياسي العام، وخارجيا بسبب زنار الحروب الأهلية الذي يلف المنطقة بأكملها.
لعقد من الزمن، وربما أكثر، كان الطلب على الأصول الثابتة كالسيارات والشقق السكنية يُحفز على نحو مفتعل من خلال إغراق السوق بعشرات القروض التي لم تحمل سوى رسالة واحدة « بقدرتك.. تحقق أحلامك». فأصبحت استراتيجية المواطن الاستثمارية تقوم على شراء مسكن والاستفادة من ريعه. فانتهينا في مدينة تعج بالعشرات من الشقق الخالية التي لا تجد من يكسر وحشتها. بالمحصلة، وقع اللبنانيون ضحية تقاطع المصالح بين المصارف والمطورين العقاريين ووكالات استيراد السيارات من جهة، وحاجة الجهات الرسمية الى تحفيز النمو المرتكز على استهلاك الريوع من جهة أخرى. فإلى جانب قرض السيارة والمنزل، اصبح هناك قرض لحفل الزفاف والتعليم وللعطل… ليتحول سوق الاقراض في لبنان الى ما يشبه سوق الخضار مع فارق ان معايير الشفافية في العرض والطلب اوضح وأبسط في الثاني. وصل الامر بالمصارف التجارية لتروج القروض الشخصية كأدوات مالية لتطوير المنشآت المهنية، وانتهينا بقرض فريد من نوعه لتمويل عمليات التجميل! هذا كله تحت شعار « بقدرتك .. تحقق أحلامك». احلامٌ ليست سوى المزيد من الأرباح السريعة للمصارف. احلامٌ تموّل بقروض قد تدفع أقساطها على حساب حصة الغذاء والمشرب ورفاهية الأسر من إجمالي دخل الأسر. أحلام قد تمول من تحويلات المغتربين. أحلام نلهث لتحقيقها ونمولها من مصادر مستقلة عن مداخيلنا الحقيقية بما يعوض التقلص الكبير في حجم الأجور.
لذا لا بد من توجيه الانتباه الى ثلاثية الاستغلال التي تحاصر الاسر اللبنانية:
أولاً: تدهور ظروف العمل وتضخم القطاع غير المنظم، الذي لا يقدم أي حماية اجتماعية او اقتصادية للعامل وأسرته والمدفوع بسياسات تدعم تفريخ المؤسسات الاقتصادية المتناهية الصغر. هذه المؤسسات، بأغلبيتها، لا تنتج الا مزيد من العمل غير اللائق وغير المستقر.
ثانيا: تدهور القدرة الشرائية للبنانيين بسبب سياسات تجميد الأجور المتبعة منذ ما بعد الطائف، التي لا تعدل الاجر الا بما يؤمن الحد الأدنى الذي يحتاجه العامل أو الموظف للاستمرار في تأدية دوره في العملية الانتاجية. وما التعسف الذي تتعاطى به الدولة مع اقرار سلسلة الرتب والرواتب الا خير دليل على هذا الأمر.
ثالثاً: فوضى الاقتراض لتعويض تقلص الاجور، فكما ارتكزت حكومات ما بعد الطائف على الاستدانة وبأي ثمن لتحقيق حلم بيروت مدينة عريقة للمستقبل، يُدفع المواطن اللبناني الى الاستدانة وبأي ثمن ليحقق حلمه بتحسين نوعية حياته ومن دون أي ضمان لمستقبل أفضل.
نعم، هناك حاجة ماسة لمراجعة هندسة الاقراض التي تعتمدها المصارف التجارية، ولكن على هذه المراجعة أن تترافق مع تغيير جذري في مقاربة المصرف المركزي لدوره في تحفيز النمو المنتج لفرص العمل والمدفوع بتحسين الانتاجية. أما ما يحصل حالياً من إجراءات فلا يعدو كونه تدخل من الأخ الأكبر بما يحمي تقاطع المصالح القائم ويبعد عنه شبح الأزمة.